وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِثْلُهُ، وَرُوِيَ أَنَّ قَاضِيًا مِنْ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّة رُفِعَ إلَيْهِ هَذِهِ الْوَاقِعَةُ فَجَعَلَ يَقُولُ هُوَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فَاسْتَبْعَدَ قَوْمُهُ ذَلِكَ فَتَحَيَّرَ، وَدَخَلَ بَيْتَهُ فَجَعَلَ يَتَقَلَّبُ عَلَى فِرَاشِهِ، وَلَا يَأْخُذُهُ النَّوْمُ لِتَحَيُّرِهِ، وَكَانَتْ لَهُ بُنَيَّةٌ تَغْمِزُ رِجْلَيْهِ فَسَأَلَتْهُ عَنْ تَفَكُّرِهِ فَأَخْبَرَهَا بِذَلِكَ فَقَالَتْ دَعْ الْمُحَالَ، وَأَتْبِعْ الْحُكْمَ الْمَبَالَ.
فَخَرَجَ إلَى قَوْمِهِ فَحَكَى لَهُمْ ذَلِكَ فَاسْتَحْسَنُوهُ فَعُرِفَ بِذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَقَرَّهُ الشَّرْعُ، وَلِأَنَّ الْبَوْلَ مِنْ أَيٍّ عُضْوٍ كَانَ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ الصَّحِيحُ، وَالْآخَرُ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَقَعُ بِهِ الْفَصْلِ عِنْدَ الْوِلَادَةِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ تِلْكَ الْآلَةِ خُرُوجُ الْبَوْلِ مِنْهَا، وَذَلِكَ عِنْدَ انْفِصَالِهِ مِنْ أُمِّهِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْمَنَافِعِ يَحْدُثُ بَعْدَهُ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ هُوَ الْأَصْلِيُّ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ بَالَ مِنْهُمَا فَالْحُكْمُ لِلْأَسْبَقِ) لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ، وَلِأَنَّهُ كَمَا خَرَجَ الْبَوْلُ حُكِمَ بِمُوجَبِهِ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ تَامَّةٌ فَلَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَ ذَلِكَ بِخُرُوجِ الْبَوْلِ مِنْ الْآلَةِ الْأُخْرَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ اسْتَوَيَا) أَيْ فِي السَّبْقِ (فَمُشْكِلٌ) لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا عِبْرَةَ بِالْكَثْرَةِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُنْسَبُ إلَى أَكْثَرِهِمَا بَوْلًا لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ.
، وَلِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فِي أُصُولِ الشَّرْعِ فَيَتَرَجَّحُ بِالْكَثْرَةِ، وَلَهُ أَنَّ كَثْرَةَ مَا يَخْرُجُ لَيْسَ بِدَلِيلٍ عَلَى الْقُوَّةِ لِأَنَّ ذَلِكَ لِاتِّسَاعِ الْمَخْرَجِ وَضِيقِهِ لَا لِأَنَّهُ هُوَ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ، وَلِأَنَّ نَفْسَ الْخُرُوجِ دَلِيلٌ بِنَفْسِهِ فَالْكَثْرَةُ مِنْ جِنْسِهِ لَا يَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ كَالشَّاهِدَيْنِ وَالْأَرْبَعَةِ، وَقَدْ اسْتَقْبَحَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اعْتِبَارَ ذَلِكَ فَقَالَ وَهَلْ رَأَيْت قَاضِيًا يَكِيلُ الْبَوْلَ بِالْأَوَاقِيِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ بَلَغَ وَخَرَجَتْ لَهُ لِحْيَةٌ أَوْ وَصَلَ إلَى النِّسَاءِ فَرَجُلٌ وَكَذَا إذَا احْتَلَمَ مِنْ الذَّكَرِ) لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ عَلَامَاتِ الذَّكَرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ ثَدْيٌ أَوْ لَبَنٌ أَوْ حَاضَ أَوْ حَبِلَ أَوْ أَمْكَنَ وَطْؤُهُ فَامْرَأَةٌ) لِأَنَّ هَذِهِ عَلَامَاتُ النِّسَاءِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ عَلَامَةٌ أَوْ تَعَارَضَتْ فَمُشْكِلٌ) لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ التَّرْجِيحَ، وَعَنْ الْحَسَنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ تُعَدُّ أَضْلَاعُهُ فَإِنَّ ضِلْعَ الرَّجُلِ يَزِيدُ عَلَى ضِلْعِ الْمَرْأَةِ بِوَاحِدٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَيَقِفُ بَيْنَ صَفِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أُنْثَى.
فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِالْوُقُوفِ فِي صَفِّ النِّسَاءِ، وَتَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ يُحَاذِيهِ إنْ كَانَ أُنْثَى فَلَا يَتَخَلَّلُ الرِّجَالَ وَلَا النِّسَاءَ، وَإِنْ وَقَفَ فِي صَفِّ النِّسَاءِ فَإِنْ كَانَ بَالِغًا يُعِيدُ صَلَاتَهُ حَتْمًا، وَإِنْ كَانَ مُرَاهِقًا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُعِيدَ، وَالْأَصْلُ فِي أَحْكَامِهِ أَنْ يُؤْخَذَ بِالْأَحْوَطِ فَالْأَحْوَطِ، وَيُعِيدُ الَّذِي عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ، وَاَلَّذِي خَلْفَهُ الصَّلَاةَ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ بِقِنَاعٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ، وَلَوْ كَانَ بَالِغًا حُرًّا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَيَجْلِسُ فِي صَلَاتِهِ جُلُوسَ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ رَجُلًا فَقَدْ تَرَكَ سُنَّةً، وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَقَدْ ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا بِجُلُوسِهِ جُلُوسَ الرِّجَالِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُبْتَاعُ لَهُ أَمَةٌ تَخْتِنُهُ) يَعْنِي بِمَالِهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِمَمْلُوكَتِهِ النَّظَرُ إلَيْهِ مُطْلَقًا إنْ كَانَ ذَكَرًا، وَلِلضَّرُورَةِ إنْ كَانَ أُنْثَى، وَيُكْرَهُ أَنْ يَخْتِنَهُ رَجُلٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى أَوْ امْرَأَةٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ ذَكَرٌ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِيمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ أُنْثَى لِأَنَّ فِي الْجِنْسِ نَظَرَ الْجِنْسِ أَخَفُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ تُبَاعُ) لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ أُعِدَّ لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ فَتَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَهِيَ حَاجَةُ الْخِتَانِ فَإِذَا خَتَنَتْهُ تُبَاعُ، وَيُرَدُّ ثَمَنُهَا إلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَلَوْ زُوِّجَ امْرَأَةً فَخَتَنَتْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا جَازَ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا صَحَّ النِّكَاحُ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَنَظَرُ الْجِنْسِ أَخَفُّ ثُمَّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا، وَتَطْلُقُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ ذَكَرٌ فَيَصِحُّ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا فَتَحْصُلُ الْفُرْقَةُ ثُمَّ تَعْتَدُّ إنْ خَلَا بِهَا احْتِيَاطًا
وَيُكْرَهُ لَهُ لُبْسُ الْحَرِيرِ وَالْحُلِيِّ، وَأَنْ يَنْكَشِفَ قُدَّامَ الرِّجَالِ أَوْ قُدَّامَ النِّسَاءِ، وَأَنْ يَخْلُوَ بِهِ غَيْرُ مَحْرَمٍ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ، وَأَنْ يُسَافِرَ مِنْ غَيْرِ مَحْرَمٍ أَوْ مَعَ امْرَأَةٍ مِنْ مَحَارِمِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ فَيَكُونُ سَفَرَ امْرَأَتَيْنِ بِلَا مَحْرَمٍ كُلُّ ذَلِكَ احْتِرَازٌ عَنْ ارْتِكَابِ الْمُحَرَّمِ، وَإِنْ أَحْرَمَ، وَهُوَ مُرَاهِقٌ قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا عِلْمَ لِي فِي لِبَاسِهِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا يُكْرَهُ لَهُ لُبْسُ الْمَخِيطِ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى يُكْرَهُ لَهُ تَرْكُهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَلْبَسُ لِبَاسَ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ تَرْكَ لُبْسِ الْمَخِيطِ، وَهُوَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ وَرُوِيَ أَنَّ قَاضِيًا) هُوَ عَامِرُ بْنُ الظَّرِبِ الْعَدْوَانِيُّ وَالْقَائِلَةُ لَهُ أَمَتُهُ خَصِيلَةُ. اهـ. مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ فَقَالَ) أَيْ لِأَبِي يُوسُفَ حِينَ أَخْبَرَهُ بِجَوَابِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ بَالِغًا حُرًّا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ) قَالَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَا يُتَصَوَّرُ بَقَاؤُهُ مُشْكِلًا بَعْدَ الْبُلُوغِ قُلْت هَذَا كَلَامٌ بِلَا فِكْرٍ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ إذَا لَمْ تَظْهَرْ إحْدَى الْعَلَامَاتِ أَوْ تَعَارَضَتْ كَانَ مُشْكِلًا وَبِهِ صَرَّحَ الْقُدُورِيُّ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ قُبَيْلَ هَذَا الْفَصْلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ قُبَيْلَ هَذَا الْفَصْلِ يَعْنِي بِهِ الْفَصْلَ الَّذِي عَقَدَهُ فِي الْهِدَايَةِ لِأَحْكَامِ الْخُنْثَى. اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ زُوِّجَ امْرَأَةً فَخَتَنَتْهُ إلَخْ) قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَسَمِعْت ابْنَ أَبِي عِمْرَانَ يَقُولُ الْقِيَاسُ عِنْدِي فِي الْخُنْثَى إذَا احْتَاجَ إلَى الْخِتَانِ أَنْ يُزَوِّجَهُ الْإِمَامُ امْرَأَةً فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا كَانَتْ زَوْجَتَهُ وَخَتَنَتْهُ وَإِنْ كَانَ أُنْثَى كَانَ مُبَاحًا لَهَا ذَلِكَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ مَا حَكَاهُ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ أَصْحَابِنَا هُوَ أَصَحُّ مِنْ ذَلِكَ أَيْ أَصَحُّ مِمَّا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي عِمْرَانُ قَالَ لِأَنَّا إنْ زَوَّجْنَاهُ كَانَ عَقْدُ النِّكَاحِ مَشْكُوكًا فِيهِ فَإِنْ صَحَّ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُعَلَّقَةً لَا يُمْكِنُهَا الْخَلَاصُ مِنْهُ وَلَا يُتَيَقَّنُ أَيْضًا وُجُوبُ الْمَهْرِ بِالْعَقْدِ وَلَا وُجُوبُ الْمِيرَاثِ إنْ مَاتَ وَهُوَ مُشْكِلٌ وَلَا يُدْرَى هَلْ تَلْزَمُهُ نَفَقَةٌ أَمْ لَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
[لَبِسَ الْخُنْثَى لِلْحَرِيرِ وَالْحِلِّي]
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا يُكْرَهُ لَهُ) يَحْرُمُ عَلَيْهِ. اهـ. غَايَةٌ