للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَخَذَهَا مِنْ غَيْرِ الْمُدَّعِي وَأَنَّ يَدَهُ يَدُ حِفْظٍ إذْ الشُّهُودُ يَعْرِفُونَ الْمُودِعَ بِوَجْهِهِ وَيَقُولُونَ إنَّهُ غَيْرُ هَذَا الْمُدَّعِي وَمَقْصُودُ ذِي الْيَدِ إثْبَاتُ يَدٍ حَافِظَةٍ وَأَنَّ الْعَيْنَ لَيْسَتْ لِهَذَا الْحَاضِرِ وَهَذِهِ الْبَيِّنَةُ كَافِيَةٌ لِهَذَا الْمَقْصُودِ وَحُصُولُ الضَّرَرِ لِلْمُدَّعِي بِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ اتِّبَاعِهِ مُضَافٌ إلَى نَفْسِهِ حَيْثُ نَسِيَ خَصْمَهُ أَوْ إلَى شُهُودِهِ حَيْثُ لَمْ يُعَيِّنُوا لَهُ خَصْمَهُ فَأَضَرُّوا بِهِ وَنَحْنُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ بِمِثْلِهِ لَا يَثْبُتُ التَّعْرِيفُ وَلَكِنْ لَيْسَ تَعْرِيفُ خَصْمِهِ عَلَى ذِي الْيَدِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يُثْبِتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ وَأَنَّ يَدَهُ يَدُ حِفْظٍ

وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِمِثْلِهِ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى مَعْرِفَتِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَتُسَمَّى هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُخَمَّسَةَ كِتَابِ الدَّعْوَى لِأَنَّ فِيهَا خَمْسَ صُوَرٍ مِنْ دَعْوَى الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا أَوْ فِيهَا اخْتِلَافَ خَمْسَةٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَ ابْتَعْته مِنْ الْغَائِبِ أَوْ قَالَ الْمُدَّعِي غُصِبْته أَوْ سُرِقَ مِنِّي وَقَالَ ذُو الْيَدِ أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ لَا) أَيْ لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ وَإِنْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَوْدَعَهُ فُلَانًا لِأَنَّ ذَا الْيَدِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بِدَعْوَاهُ الشِّرَاءَ مِنْ الْغَائِبِ صَارَ مُعْتَرِفًا بِأَنَّ يَدَهُ يَدُ مِلْكٍ فَيَكُونُ مُعْتَرِفًا بِأَنَّهُ خَصْمٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْمُدَّعِي لَمَّا قَالَ لِصَاحِبِ الْيَدِ غَصَبْته مِنِّي صَارَ ذُو الْيَدِ خَصْمًا بِاعْتِبَارِ دَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ وَفِيهِ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْهَا بِالْإِحَالَةِ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّ الْيَدَ فِي الْخُصُومَةِ فِيهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى تَصِحَّ دَعْوَاهُ عَلَى غَيْرِ ذِي الْيَدِ وَلَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ بِانْتِفَاءِ يَدِهِ حَقِيقَةً بِخِلَافِ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ أَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ فَقُضِيَ لَهُ بِهِ ثُمَّ جَاءَ الْمُقَرُّ لَهُ الْغَائِبُ وَأَقَامَ بَيِّنَتَهُ عَلَى ذَلِكَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّ الْغَائِبَ لَمْ يَصِرْ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا قَضَى عَلَى ذِي الْيَدِ خَاصَّةً وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ قَوْلُ الْمُدَّعِي سُرِقَ مِنِّي يَكُونُ دَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ فِي الْمَعْنَى اسْتِحْسَانًا وَإِنَّمَا جَعَلَهُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لِأَجْلِ السِّتْرِ عَلَيْهِ كَيْ لَا يُقْطَعَ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ سَرَقْته مِنِّي

وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ عَنْهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ عَلَيْهِ الْفِعْلَ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ غُصِبَ مِنِّي عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا بَيَّنَّاهُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ عَلَيْهِ الْفِعْلَ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُوجِبُ الْعُدُولَ عَنْهُ إذْ الْحَدُّ لَا يَجِبُ عَلَى فَاعِلِهِ فَلَا يُحْتَرَزُ عَنْ كَشْفِهِ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ ذِي الْيَدِ وَقَبَضَهَا وَنَقَدَ الثَّمَنَ وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ فُلَانًا أَوْدَعَهَا إيَّاهُ انْدَفَعَتْ الْخُصُومَةُ وَإِنْ ادَّعَى عَلَى ذِي الْيَدِ فِعْلًا لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَقْدٌ اسْتَوْفَى أَحْكَامَهُ فَصَارَ كَالْعَدَمِ فَكَانَ كَدَعْوَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ حَتَّى لَوْ لَمْ يَشْهَدُوا عَلَى قَبْضِهِ لَمْ تَنْدَفِعْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي ابْتَعْته مِنْ فُلَانٍ وَقَالَ ذُو الْيَدِ أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ ذَلِكَ سَقَطَتْ الْخُصُومَةُ) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْمِلْكِ لِغَيْرِ الْمُدَّعِي فَيَكُونُ وُصُولُهُ إلَى يَدِهِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِ الْمُدَّعِي ضَرُورَةً فَلَمْ يَكُنْ ذُو الْيَدِ خَصْمًا وَلَا لِلْمُدَّعِي أَخْذُهُ مِنْ يَدِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ فُلَانًا وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ فَيَأْخُذُهُ لِكَوْنِهِ أَحَقَّ بِالْحِفْظِ وَلَوْ صَدَّقَهُ ذُو الْيَدِ فِي شِرَائِهِ مِنْهُ لَا يَأْمُرُهُ الْقَاضِي بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ حَتَّى لَا يَكُونَ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ بِإِقْرَارِهِ وَهِيَ عَجِيبَةٌ وَلَوْ قَالَ ذُو الْيَدِ أَوْدَعَنِيهِ وَكِيلُ فُلَانٍ ذَلِكَ لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّ وُصُولَ الدَّارِ إلَى يَدِ ذِي الْيَدِ لَمْ يَثْبُت مِنْ جِهَةِ مَنْ اشْتَرَى هُوَ مِنْهُ لِإِنْكَارِ ذِي الْيَدِ وَلَا مِنْ جِهَةِ وَكِيلِهِ لِإِنْكَارِ الْمُدَّعِي وَكَذَا لَوْ أَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ دَفَعَهَا إلَى الْوَكِيلِ وَلَمْ يَشْهَدُوا أَنَّ الْوَكِيلَ دَفَعَهَا إلَى ذِي الْيَدِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ لِأَنَّ وُصُولَ الْعَيْنِ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْغَائِبِ ثَبَتَ بِتَصَادُقِهِمَا بِإِقْرَارِ ذِي الْيَدِ نَصًّا وَبِإِقْرَارِ الْمُدَّعِي ضَرُورَةً لِأَنَّ الشِّرَاءَ مِنْهُ لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ وَلَوْ قَالَ ذُو الْيَدِ إنَّ فُلَانًا أَوْدَعَنِي الْعَيْنَ فَقَالَ الْمُدَّعِي كَانَ أَوْدَعَك إيَّاهَا ثُمَّ وَهَبَهَا مِنْك أَوْ بَاعَك إيَّاهَا وَأَنْكَرَ ذُو الْيَدِ اُسْتُحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا وَهَبَهَا لَهُ وَلَا بَاعَهَا مِنْهُ فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ جَعَلَهُ خَصْمًا لِأَنَّ نُكُولَهُ كَإِقْرَارِهِ بِذَلِكَ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ إقْرَارَهُ بِالشِّرَاءِ اعْتِرَافٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ خَصْمٌ وَإِنْ حَلَفَ لَمْ يَكُنْ خَصْمًا وَلَا يَحْتَاجُ لِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ الْوَدِيعَةِ لِإِقْرَارِ الْمُدَّعِي بِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(بَابُ مَا يَدَّعِيهِ الرَّجُلَانِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بَرْهَنَا عَلَى مَا فِي يَدِ آخَرَ قُضِيَ لَهُمَا) يَعْنِي إذَا ادَّعَى اثْنَانِ عَيْنًا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا وَزَعَمَ كُلُّ وَاحِدٍ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

بِوَجْهِهِ وَنَسَبِهِ تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ فَكَذَا هَذَا وَهَذَا لِأَنَّ الشَّهَادَةَ حَصَلَتْ بِالْمَعْلُومِ وَهُوَ إقْرَارُ الْمُدَّعِي فَتُقْبَلُ لَكِنْ الْمُقَرُّ لَهُ مَجْهُولٌ وَجَهَالَةُ الْمُقَرِّ لَهُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ فَأَمَّا جَهَالَةُ الْمَشْهُودِ لَهُ تَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِذِي الْيَدِ بَيِّنَةٌ عَلَى الْإِيدَاعِ عِنْدَهُ حَتَّى قَضَى الْقَاضِي بِهِ لِلْمُدَّعِي ثُمَّ وَجَدَ ذُو الْيَدِ بَيِّنَةً عَلَى الْإِيدَاعِ لَا تُسْمَعُ وَالْقَضَاءُ لِلْمُدَّعِي مَاضٍ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَ الْخَارِجُ بَيِّنَةً عَلَى النِّتَاجِ أَوْ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ عَلَى ذِي الْيَدِ وَقَضَى بِهِ الْقَاضِي ثُمَّ أَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ حَيْثُ يَبْطُلُ الْقَضَاءُ لِلْخَارِجِ لِأَنَّهُ ظَهَرَ بِهِ بُطْلَانُ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ فِيهَا) أَيْ فِي دَعْوَى الْفِعْلِ. اهـ.

(قَوْلُهُ سَقَطَتْ إلَخْ) وَلَوْ طَلَبَ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ عَلَى مَا ادَّعَى مِنْ الْإِيدَاعِ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ. اهـ. كَاكِيٌّ

(قَوْلُهُ لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) أَيْ لِأَنَّ الْوِكَالَةَ لَا تَثْبُتُ بِقَوْلِهِ. اهـ.

[بَابُ مَا يَدَّعِيهِ الرَّجُلَانِ]

(بَابٌ مَا يَدَّعِيهِ الرَّجُلَانِ) لَمَّا ذَكَرَ فِيمَا تَقَدَّمَ دَعْوَى الْوَاحِدِ شَرَعَ فِي دَعْوَى الِاثْنَيْنِ لِأَنَّ الْمُثَنَّى بَعْدَ الْوَاحِدِ. اهـ. غَايَةٌ

(قَوْلُهُ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُمَا تَتَهَاتَرَانِ) أَيْ وَتَجِبُ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَوْلِهِ. اهـ. غَايَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>