للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرِّجَالِ، وَشَهَادَتُهُنَّ مُعْتَبَرَةٌ مَعَهُمْ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ أَيْضًا حَتَّى إذَا شَهِدَ رِجَالٌ وَنِسْوَةٌ بِشَيْءٍ يُضَافُ الْحُكْمُ إلَى الْكُلِّ حَيْثُ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْكُلِّ عِنْدَ الرُّجُوعِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْوِلَادَةِ، وَالْبَكَارَةِ وَعُيُوبِ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ رَجُلٌ امْرَأَةٌ) يَعْنِي يُشْتَرَطُ لِثُبُوتِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «شَهَادَةُ النِّسَاءِ جَائِزَةٌ فِيمَا لَا يَسْتَطِيعُ الرِّجَالُ النَّظَرُ إلَيْهِ»، وَالْجَمْعُ الْمُحَلَّى بِالْأَلِفِ، وَاللَّامِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَعْهُودٌ يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ فَيَتَنَاوَلُ الْأَقَلَّ وَقَالَ حُذَيْفَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ» وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَشْهَدَ أَرْبَعَةٌ مِنْ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ يَقُومَانِ مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي الشَّهَادَةِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يُشْتَرَطُ أَنْ يَشْهَدَ فِيهِ ثِنْتَانِ مِنْ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ شَيْئَانِ الْعَدَدُ، وَالذُّكُورَةُ وَتَعَذَّرَ اعْتِبَارُ أَحَدِهِمَا فَبَقِيَ الْآخَرُ وَهُوَ الْعَدَدُ عَلَى حَالِهِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ إنَّمَا سَقَطَ اشْتِرَاطُ صِفَةِ الذُّكُورَةِ لِيَخِفَّ النَّظَرُ؛ لِأَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ أَخَفُّ فَكَذَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْعَدَدِ؛ لِأَنَّ نَظَرَ الْوَاحِدِ أَخَفُّ.

وَالْأَحْوَطُ الِاثْنَانِ أَوْ الْأَكْثَرُ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْإِلْزَامِ وَيُشْتَرَطُ فِيهَا سَائِرُ شَرَائِطِ الشَّهَادَةِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ، وَالْإِسْلَامِ، وَالْعَقْلِ، وَالْبُلُوغِ، وَالْعَدَالَةِ وَحُكْمُ شَهَادَتِهِنَّ فِي الْوِلَادَةِ، وَالْبَكَارَةِ، وَالْعُيُوبُ قَدْ ذَكَرْنَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا فِي مَوْضِعِهَا مِنْ الطَّلَاقِ، وَالْبُيُوعِ، وَأَمَّا شَهَادَتُهُنَّ فِي اسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ لَا تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْإِرْثِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَتُقْبَلُ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ كَشَهَادَتِهَا فِي هِلَالِ رَمَضَانَ وَرِوَايَتِهَا الْإِخْبَارَ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَالَ عَلَامَةُ حَيَاتِهِ وَلَا يَعْرِفُهُ إلَّا مَنْ حَضَرَهُ وَلَا يَحْضُرُهَا الرِّجَالُ عَادَةً فَصَارَ كَشَهَادَتِهِنَّ عَلَى نَفْسِ الْوِلَادَةِ وَيُقْبَلُ فِي الْوِلَادَةِ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قُبِلَ فِيهِ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ كَانَ الرَّجُلُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا قَالَ تَعَمَّدْت النَّظَرَ قَالَ بَعْضُهُمْ تُقْبَلُ كَمَا فِي الزِّنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِغَيْرِهَا رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) أَيْ يُشْتَرَطُ لِغَيْرِ الْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ وَمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَقُّ مَالًا أَوْ غَيْرَ مَالٍ كَالنِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ، وَالْوَكَالَةِ، وَالْوِصَايَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِمَالٍ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ وَتَوَابِعِهَا كَالْأَجَلِ وَشَرْطِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ قَبُولِ شَهَادَتِهِنَّ لِنُقْصَانِ الْعَقْلِ وَاخْتِلَالِ الضَّبْطِ وَقُصُورِ الْوِلَايَةِ فَإِنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلْخِلَافَةِ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ وَحْدَهُنَّ، وَإِنْ كَثُرْنَ وَلَا مَعَ الرِّجَالِ فِي الْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ، وَإِنَّمَا قُبِلَتْ فِي الْأَمْوَالِ وَتَوَابِعِهَا لِلضَّرُورَةِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا وَقِلَّةِ خَطَرِهَا وَلَا كَذَلِكَ غَيْرُ الْمَالِ وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَجَازَا شَهَادَةَ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي النِّكَاحِ، وَالْفُرْقَةِ وَلِأَنَّهَا حُجَّةٌ أَصْلِيَّةٌ لَا ضَرُورِيَّةٌ، وَالْأَصْلُ فِيهَا الْقَبُولُ لِوُجُودِ مَا يُبْنَى عَلَيْهِ أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ وَهِيَ الْوِلَايَةُ وَهِيَ تُبْنَى عَلَى الْحُرِّيَّةِ، وَالْإِرْثِ وَلِوُجُودِ أَهْلِيَّةِ الْقَبُولِ وَهِيَ تُبْنَى عَلَى انْتِفَاءِ التُّهْمَةِ بِالْكَذِبِ، وَالْغَلَطِ فَالْكَذِبُ يَنْتَفِي بِالْعَدَالَةِ، وَالْغَلَطُ يَنْتَفِي بِإِتْقَانِ الْمُعَايَنَةِ، وَالضَّبْطِ، وَالْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ بِالْأَوَّلِ يَحْصُلُ الْعِلْمُ لِلشَّاهِدِ وَبِالثَّانِي يَحْصُلُ بِهِ الْبَقَاءُ، وَالدَّوَامُ، وَبِالثَّالِثِ يَحْصُلُ الْعِلْمُ لِلْقَاضِي وَلِهَذَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهَا فِي الْإِخْبَارِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُنَّ مُطْلَقًا كَالرِّجَالِ وَلَكِنْ جَاءَ النَّصُّ بِخِلَافِهِ كَيْ لَا يَكْثُرَ خُرُوجُهُنَّ وَنُقْصَانُ الضَّبْطِ بِزِيَادَةِ النِّسْيَانِ انْجَبَرَ بِضَمِّ أُخْرَى إلَيْهَا فَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا الشُّبْهَةُ وَهَذِهِ الْحُقُوقُ تَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ كَالْمَالِ بَلْ فَوْقَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ النِّكَاحَ يَثْبُتُ مَعَ الْهَزْلِ وَكَذَا الطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ، وَالْمَالُ لَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ وَأَيُّ شُبْهَةٍ أَقْوَى مِنْ الْهَزْلِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْكُلِّ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ، وَالْعَدَالَةِ) أَيْ يُشْتَرَطُ لِجَمِيعِ مَرَاتِبِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ أَرْبَعُ مَرَاتِبَ عَلَى مَا بَيَّنَّا لَفْظَةَ الشَّهَادَةِ، وَالْعَدَالَةِ لِكَيْ تُقْبَلَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

فِي زَمَانِهِمَا وَبَعْدَهُمَا مَا كَانَ مِنْ غَيْرِهِمَا إلَّا الِاتِّبَاعُ. اهـ. فَتْحٌ

[مَا يَشْتَرِط للشهادة فِي ثُبُوت الْوِلَادَة والبكارة وَعُيُوب النِّسَاء]

(قَوْلُهُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يُشْتَرَطُ أَنْ يَشْهَدَ فِيهِ ثِنْتَانِ مِنْ النِّسَاءِ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَحُكْمُ شَهَادَتِهِنَّ فِي الْوِلَادَةِ وَالْبَكَارَةِ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا حُكْمُ الْبَكَارَةِ، فَإِنْ شَهِدْنَ أَنَّهَا بِكْرٌ يُؤَجَّلُ الْعِنِّينُ سَنَةً فَإِذَا مَضَتْ فَقَالَ وَصَلْت إلَيْهَا وَأَنْكَرَتْ تُرَى النِّسَاءَ، فَإِنْ قُلْنَ هِيَ بِكْرٌ تُخَيَّرُ، فَإِنْ اخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ فُرِّقَ لِلْحَالِ، وَإِنَّمَا فُرِّقَ بِقَوْلِهِنَّ؛ لِأَنَّهَا تَأَيَّدَتْ بِمُؤَيِّدٍ وَهِيَ مُوَافَقَةُ الْأَصْلِ إذْ الْبَكَارَةُ أَصْلٌ وَلَوْ لَمْ تَتَأَيَّدْ شَهَادَتُهُنَّ بِمُؤَيِّدٍ اُعْتُبِرَتْ فِي تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ لَا فِي إلْزَامِ الْخَصْمِ وَكَذَا فِي رَدِّ الْمَبِيعِ إذَا اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْبَكَارَةِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي هِيَ ثَيِّبٌ يُرِيهَا النِّسَاءَ، فَإِنْ قُلْنَ هِيَ بِكْرٌ لَزِمَتْ الْمُشْتَرِيَ لِتَأَيُّدِ شَهَادَتِهِنَّ بِمُؤَيِّدٍ هُوَ الْأَصْلُ، وَإِنْ قُلْنَ: ثَيِّبٌ لَمْ يَثْبُتْ حَقُّ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْفَسْخِ قَوِيٌّ وَشَهَادَتَهُنَّ ضَعِيفَةٌ وَلَمْ تَتَأَيَّدْ بِمُؤَيِّدٍ لَكِنْ يَثْبُتُ حَقُّ الْخُصُومَةِ وَيَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى الْبَائِعِ لَقَدْ سَلَّمَتْهَا بِحُكْمِ الْبَيْعِ وَهِيَ بِكْرٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَهَا حَلَفَ بِاَللَّهِ لَقَدْ بِعْتهَا وَهِيَ بِكْرٌ، فَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ حَلَفَ لَزِمَتْ الْمُشْتَرِيَ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَالَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ: وَأَمَّا فِي حَقِّ الْإِرْثِ فَعِنْدَهُمَا كَذَلِكَ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُقْبَلُ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَالَ صَوْتُهُ مَسْمُوعٌ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِيهِ سَوَاءٌ فَكَانَ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَهُمَا يَقُولَانِ صَوْتُهُ يَقَعُ عِنْدَ الْوِلَادَةِ وَعِنْدَهَا لَا تُحْضِرُ الرِّجَالَ فَصَارَ كَشَهَادَتِهِنَّ عَلَى نَفْسِ الْوِلَادَةِ وَبِقَوْلِهِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَهُوَ أَرْجَحُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَتُقْبَلُ فِي الْوِلَادَةِ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَيْضًا) فِي الْمَبْسُوطِ لَوْ شَهِدَ بِالْوِلَادَةِ رَجُلٌ بِأَنْ قَالَ: فَاجَأْتهَا فَاتَّفَقَ نَظَرِي إلَيْهَا يُقْبَلُ إنْ كَانَ عَدْلًا وَلَوْ قَالَ تَعَمَّدْت النَّظَرَ لَا يُقْبَلُ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إنْ قَالَ تَعَمَّدْت النَّظَرَ أَيْضًا تُقْبَلُ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ اهـ كَيْ وَفَتْحٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>