للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ضَائِعًا فَيَصْرِفُهُ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُ أَوْ بَيْتِ الْمَالِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَصِحُّ لِلْمُلْتَقِطِ عَلَيْهِ نِكَاحٌ وَبَيْعٌ وَإِجَارَةٌ) لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّزْوِيجِ عَلَى الْغَيْرِ تُسْتَحَقُّ بِقَرَابَةٍ أَوْ مِلْكٍ أَوْ سَلْطَنَةٍ وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْهَا وَالتَّصَرُّفُ فِي الْمَالِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِكَمَالِ الرَّأْيِ وَوُفُورِ الشَّفَقَةِ وَذَلِكَ يُوجَدُ فِي الْأَبِ وَالْجَدِّ لَا غَيْرُ وَلِهَذَا لَا تَمْلِكُهُ الْأُمُّ مَعَ أَنَّهَا تَمْلِكُ الْإِنْكَاحَ فَذَا أَوْلَى وَهَذَا لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا لَمْ يُوجَدْ إلَّا شَطْرُ الْعِلَّةِ وَهِيَ كَمَالُ الشَّفَقَةِ فِيهَا وَكَمَالُ الرَّأْيِ فِيهِ فَصَارَ كَالْعَمِّ وَالْإِجَارَةُ لَا يَمْلِكُهَا مَنْ لَا يَمْلِكُ إتْلَافَ مَنَافِعِهِ بِالِاسْتِخْدَامِ بِلَا عِوَضٍ وَالْمُلْتَقِطُ لَا يَمْلِكُهُ فَلَا يَمْلِكُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ كَالْعَمِّ بِخِلَافِ الْأُمِّ فَإِنَّهَا تَمْلِكُهُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَثْقِيفِهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُسَلِّمُهُ فِي حِرْفَةِ) لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ يُهَذِّبُ نَفْسَهُ وَيَطَّلِعُ صَاحِبَ الْحِرْفَةِ وَالِاشْتِغَالُ بِهِ يَمْنَعُهُ عَنْ الِاشْتِغَالِ بِالْفَسَادِ فَيَكُونُ سَبَبَ سَعَادَتِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَقْبِضُ هِبَتَهُ) أَيْ إذَا وُهِبَ لِلَّقِيطِ هِبَةٌ فَلِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَقْبِضَهَا لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ وَلَيْسَ فِيهَا احْتِمَالُ خِلَافِهِ وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الصَّغِيرُ بِنَفْسِهِ إذَا كَانَ مُمَيِّزًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

[كِتَابُ اللُّقَطَةِ]

(كِتَابُ اللُّقَطَةِ) اللُّقَطَةُ مِثْلُ اللَّقِيطِ فِي الِاشْتِقَاقِ وَالْمَعْنَى فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُشْتَقٌّ مِنْ الِالْتِقَاطِ وَهُوَ الرَّفْعُ وَاللُّقَطَةُ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ اسْمُ الْفَاعِلِ لِلْمُبَالَغَةِ وَبِسُكُونِ الْقَافِ اسْمُ الْمَفْعُولِ كَالضُّحَكَةِ وَالضُّحْكَةِ وَسُمِّيَ هَذَا الْمَالُ الْمَلْقُوطُ بِاسْمِ الْفَاعِلِ مِنْهُ لِزِيَادَةِ مَعْنًى اخْتَصَّ بِهِ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ رَآهَا يَمِيلُ إلَى رَفْعِهَا فَكَأَنَّهَا تَأْمُرُهُ بِالرَّفْعِ لِأَنَّهَا حَامِلَةٌ عَلَيْهِ فَأُسْنِدَ إلَيْهَا مَجَازًا فَجُعِلَتْ كَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي رَفَعَتْ نَفْسَهَا وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُمْ نَاقَةٌ حَلُوبٌ وَدَابَّةٌ رَكُوبٌ وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ رَآهَا يَرْغَبُ فِي الرُّكُوبِ وَالْحَلْبِ فَنَزَلَتْ كَأَنَّهَا حَلَبَتْ نَفْسَهَا أَوْ رَكِبَتْ نَفْسَهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لُقَطَةُ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ أَمَانَةٌ إنْ أَخَذَهَا لِيَرُدَّهَا عَلَى رَبِّهَا وَأَشْهَدَ) لِأَنَّ الْأَخْذَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا بَلْ هُوَ الْأَفْضَلُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَيَجِبُ إذَا خَافَ ضَيَاعَهُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَصِحُّ لِلْمُلْتَقِطِ عَلَيْهِ نِكَاحٌ وَبَيْعٌ) أَيْ وَشِرَاءٌ لِيَسْتَحِقَّ الثَّمَنَ دَيْنًا عَلَيْهِ لِأَنَّ الَّذِي إلَيْهِ لَيْسَ إلَّا الْحِفْظُ وَالصِّيَانَةُ وَمَا مِنْ ضَرُورِيَّاتِ ذَلِكَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا تَمْلِكُهُ الْأُمُّ مَعَ أَنَّهَا تَمْلِكُ الْإِنْكَاحَ) أَيْ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْأُمِّ وَالْمُلْتَقِطِ اهـ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأُمِّ فَإِنَّهَا تَمْلِكُهُ) أَيْ تَمْلِكُ اسْتِخْدَامَ وَلَدِهَا وَإِجَارَتَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ) سَيَأْتِي فِي آخِرِ الْكَرَاهِيَةِ أَنَّ هَذَا أَقْرَبُ لِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا مَحْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَثْقِيفِهِ) أَيْ تَقْوِيمِهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُسَلِّمُهُ فِي حِرْفَةٍ) أَيْ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّثْقِيفِ وَحِفْظِ حَالِهِ عَنْ الشَّتَاتِ وَصِيَانَتِهِ عَنْ الْفَسَادِ. اهـ. فَتْحٌ

(كِتَابُ اللُّقَطَةِ) مُنَاسَبَةُ الْكِتَابَيْنِ أَعْنِي كِتَابَ اللَّقِيطِ وَكِتَابَ اللُّقَطَةِ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ لِوُجُودِ مَعْنَى اللَّقْطِ فِيهِمَا جَمِيعًا إلَّا أَنَّ اللَّقِيطَ اخْتَصَّ بِالْمَنْبُوذِ مِنْ بَنِي آدَمَ وَاللُّقَطَةَ اخْتَصَّتْ بِالْمَنْبُوذِ مِنْ الْمَالِ لِأَنَّ فُعَّلَةٌ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْفَاعِلِ كَالْهُمَزَةِ وَاللُّمَزَةِ وَالضُّحَكَةِ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمَالُ الْمَنْبُوذُ كَأَنَّهَا تَلْقُطُ نَفْسَهَا لِكَثْرَةِ رَغَبَاتِ النَّاسِ فِيهَا وَمَيَلَانِ الطَّبْعِ إلَيْهَا فَسُمِّيَ لُقَطَةً عَلَى الْإِسْنَادِ الْمَجَازِيِّ وَفِي الْمَنْبُوذِ مِنْ بَنِي آدَمَ إبَاءٌ عَنْ قَبُولِهِ لِلُزُومِ نَفَقَتِهِ وَمُؤْنَتِهِ فَسُمِّيَ لَقِيطًا أَيْ مَلْقُوطًا عَلَى سَبِيلِ التَّفَاؤُلِ وَإِرَادَةِ السِّلَاحِ فِي حَالِهِ كَمَا سُمِّيَ اللَّدِيغُ سَلِيمًا وَالْمَهْلَكَةُ مَفَازَةً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَقَالَ الْكَمَالُ هِيَ أَيْ اللُّقَطَةُ فُعَّلَةٌ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَصْفُ مُبَالَغَةٍ لِلْفَاعِلِ كَهُمَزَةٍ وَلُمَزَةٍ وَلُعَنَةٍ وَضُحَكَةٍ لِكَثِيرِ الْهَمْزِ وَغَيْرِهِ وَبِسُكُونِهَا لِلْمَفْعُولِ كَضُحْكَةٍ وَهُزْأَةٍ الَّذِي يُضْحَكُ مِنْهُ وَيُهْزَأُ بِهِ وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْمَالِ لُقَطَةٌ بِالْفَتْحِ لِأَنَّ طِبَاعَ النُّفُوسِ فِي الْغَالِبِ تَتَبَادَرُ إلَى الْتِقَاطِهِ لِأَنَّهُ مَالٌ فَصَارَ الْمَالُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ دَاعٍ إلَى أَخْذِهِ بِمَعْنًى فِيهِ نَفْسِهِ كَأَنَّهُ الْكَثِيرُ الِالْتِقَاطِ مَجَازًا وَإِلَّا فَحَقِيقَةُ الْمُلْتَقَطِ الْكَثِيرُ الِالْتِقَاطِ وَمَا عَنْ الْأَصْمَعِيِّ وَابْنِ الْأَعْرَابِيِّ أَنَّهُ بِفَتْحِ الْقَافِ اسْمٌ لِلْمَالِ أَيْضًا مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا يَعْنِي يُطْلَقُ عَلَى الْمَالِ أَيْضًا اهـ كَلَامُ الْكَمَالِ.

(قَوْلُهُ وَيَجِبُ إلَخْ) تَبِعَ صَاحِبُ الْكَافِي فِي التَّعْبِيرِ بِلَفْظِ الْوُجُوبِ وَفِي الْخُلَاصَةِ يُفْتَرَضُ وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ الِافْتِرَاضُ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ أَيْ الِالْتِقَاطُ الْوَاجِبُ إذَا خَافَ الضَّيَاعَ عَلَى مَا قَالُوا اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ يُفْتَرَضُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي اللَّقِيطِ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ الْأَصْلُ فِي جَوَازِ أَخْذِ اللُّقَطَةِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَخَذَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَوَيْ عَدْلٍ» قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ أَخْذُ اللُّقَطَةِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: ٢] وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا وَجَدَ لُقَطَةً فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَرْفَعَهَا إذَا كَانَ يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ وَإِذَا كَانَ لَا يَأْمَنُ لَا يَرْفَعُهَا وَقَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ يُسْتَحَبُّ أَخْذُ اللُّقَطَةِ وَلَا يَجِبُ قَالَ فِي النَّوَازِلِ قَالَ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامٍ تَرْكُ اللُّقَطَةِ أَفْضَلُ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا مِنْ رَفْعِهَا وَرَفْعُ اللَّقِيطِ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ وَقَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى إنْ خَافَ ضَيَاعَهَا يُفْتَرَضُ الرَّفْعُ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ يُبَاحُ رَفْعُهَا أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهِ وَالْأَفْضَلُ الرَّفْعُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ إلَى هُنَا لَفْظُهُ وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الْوَلْوَالِجيَّةِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي رَفْعِهَا قَالَ بَعْضُهُمْ رَفْعُهَا أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَحِلُّ رَفْعُهَا وَتَرْكُهَا أَفْضَلُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا لَا يَأْمَنُ مِنْ أَنْ يَصِلَ إلَيْهَا يَدٌ خَائِنَةٌ فَيَمْنَعُهَا عَنْ مَالِكِهَا وَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ صَاحِبَهَا رُبَّمَا يَطْلُبُهَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي سَقَطَتْ مِنْهُ فَإِذَا تَرَكَهَا وَجَدَهَا صَاحِبُهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ ثُمَّ قَالَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.

وَقَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>