للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا تَحْجُبُ الْجَدَّاتِ إلَّا الْأُمُّ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ الْقُرْبَى إذَا كَانَتْ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ لَا تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ، وَبِالْعَكْسِ تَحْجُبُ لِأَنَّ الْجَدَّاتِ يَرِثْنَ بِوِلَادَةِ الْأَبَوَيْنِ فَوَجَبَ أَنْ يُعْطَى كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ حُكْمَ مَنْ تَدَنَّى بِهِ، وَالْأَبُ لَا يَحْجُبُ الْجَدَّاتِ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ فَكَذَا أُمُّهُ، وَالْأُمُّ تَحْجُبُ كُلَّ جَدَّةٍ هِيَ أَبْعَدُ مِنْهَا فَكَذَا أُمُّهَا، وَلَنَا أَنَّ الْجَدَّاتِ يَرِثْنَ بِاعْتِبَارِ الْوِلَادِ فَوَجَبَ أَنْ يُقَدَّمَ الْأَدْنَى عَلَى الْأَبْعَدِ كَالْأَبِ الْأَدْنَى مَعَ الْأَبِ الْأَبْعَدِ.

وَلَيْسَ كُلُّ حُكْمٍ يَثْبُتُ لِلْوَاسِطَةِ يَثْبُتُ لِمَنْ يُدْلِي بِهِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ أُمَّ الْأَبِ لَا يَزِيدُ إرْثُهَا عَلَى السُّدُسِ وَتُحْجَبُ بِالْأُمِّ، وَالْأَبُ بِخِلَافِ ذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْكُلُّ بِالْأُمِّ) أَيْ تُحْجَبُ الْجَدَّاتُ كُلُّهُنَّ بِالْأُمِّ، وَالْمُرَادُ إذَا كَانَتْ الْأُمُّ وَارِثَةً، وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْجَدَّاتِ إنَّمَا يَرِثْنَ بِطَرِيقِ الْوِلَادِ، وَالْأُمُّ أَبْلَغُ حَالًا مِنْهُنَّ فِي ذَلِكَ فَلَا يَرِثْنَ مَعَهَا.

وَلِأَنَّ الْأُمَّ أَصْلٌ فِي قَرَابَةِ الْجَدَّةِ الَّتِي مِنْ قِبَلِهَا إلَى الْمَيِّتِ، وَتُدْلِي بِهَا فَلَا تَرِثُ مَعَ وُجُودِهَا لِمَا عُرِفَ فِي بَابِ الْحَجْبِ فَإِذَا حُجِبَتْ الْجَدَّةُ الَّتِي مِنْ قِبَلِهَا كَانَتْ أَوْلَى أَنْ تُحْجَبَ الَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ لِأَنَّهَا أَضْعَفُ حَالًا مِنْهَا.

وَلِهَذَا تُؤَخَّرُ فِي الْحَضَانَةِ فَتُحْجَبُ بِهَا، وَكَذَا الْأَبَوِيَّاتُ مِنْهُنَّ يُحْجَبْنَ بِالْأَبِ إذَا كَانَ وَارِثًا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَبِهِ أَخَذَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ.

وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَأَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَائِلَةَ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهَا السُّدُسَ مَعَ الْأَبِ، وَبِهِ أَخَذَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَرَّثَ جَدَّةً، وَابْنُهَا حَيٌّ»، وَلِأَنَّهَا تَرِثُ مِيرَاثَ الْأُمِّ فَلَا يَحْجُبُهَا الْأَبُ كَمَا لَا يَحْجُبُ الْأُمَّ، وَكَمَا لَا يَحْجُبُهَا الْجَدُّ، وَلِأَنَّهَا تَرِثُ بِطَرِيقِ الْفَرْضِ فَلَا تَكُونُ الْعُصُوبَةُ حَاجِبَةً لَهَا كَمَا لَا يَحْجُبُهَا عَمُّ الْمَيِّتِ الَّذِي هُوَ ابْنُهَا.

قُلْنَا إنَّ أُمَّ الْأَبِ تُدْلِي بِالْأَبِ فَلَا تَرِثُ مَعَ وُجُودِهِ كَبِنْتِ الِابْنِ مَعَ وُجُودِ الِابْنِ.

وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ حِكَايَةُ حَالٍ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ ذَلِكَ الِابْنَ كَانَ عَمًّا لِلْمَيِّتِ لَا أَبًا، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا تَرِثُ مِيرَاثَ الْأُمِّ بَلْ مِيرَاثَ الْأَبِ لِأَنَّ لَهُ السُّدُسَ فَرْضًا فَتَرِثُ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِهِ، وَلَئِنْ كَانَ مِيرَاثَ الْأُمِّ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْحَجْبِ بِغَيْرِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ بَنَاتِ الِابْنِ يَرِثْنَ مِيرَاثَ الْبَنَاتِ، وَمَعَ هَذَا يُحْجَبْنَ بِالِابْنِ، وَكَذَا الْجَدُّ يَحْجُبُ الْأَبَوِيَّاتِ لِمَا ذَكَرْنَا إلَّا أُمَّ الْأَبِ فَإِنَّهُ لَا يَحْجُبُهَا وَإِنْ عَلَتْ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ قِبَلِهِ.

وَكَذَا كُلُّ جَدٍّ لَا يَحْجُبُ الْجَدَّةَ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ قِبَلِهِ فَصَارَ لِلْجَدَّاتِ حَالَتَانِ: السُّدُسُ وَالسُّقُوطُ.

[أحوال الزَّوْج فِي الْمِيرَاث]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَمَعَ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ الرُّبُعُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ} [النساء: ١٢] فَيَسْتَحِقُّ كُلُّ زَوْجٍ إمَّا النِّصْفَ، وَإِمَّا الرُّبُعَ مِمَّا تَرَكَتْ امْرَأَتُهُ لِأَنَّ مُقَابَلَةَ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ تَقْتَضِي مُقَابَلَةَ الْفَرْدِ بِالْفَرْدِ كَقَوْلِهِمْ رَكِبَ الْقَوْمُ دَوَابَّهُمْ، وَلَبِسُوا ثِيَابَهُمْ.

وَلَفْظُ الْوَلَدِ يَتَنَاوَلُ وَلَدَ الِابْنِ فَيَكُونُ مِثْلَهُ بِالنَّصِّ أَوْ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ فَيَكُونُ لَهُ الرُّبُعُ مَعَهُ فَصَارَ لِلزَّوْجِ حَالَتَانِ النِّصْفُ وَالرُّبُعُ.

[أحوال الزَّوْجَة فِي الْمِيرَاث]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلزَّوْجَةِ نِصْفُهُ) أَيْ لِلزَّوْجَةِ نِصْفُ مَا لِلزَّوْجِ فَيَكُونُ لَهَا الرُّبُعُ، وَمَعَ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ الثُّمُنُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: ١٢] وَإِنْ كُنَّ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ اشْتَرَكْنَ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا لِئَلَّا يَلْزَمَ الْإِجْحَافُ بِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْطَى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رُبُعًا يَأْخُذْنَ الْكُلَّ إذَا تَرَكَ أَرْبَعَ زَوْجَاتٍ بِلَا وَلَدٍ، وَالنِّصْفَ مَعَ الْوَلَدِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ مُقَابَلَةَ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ تَقْتَضِي مُقَابَلَةَ الْفَرْدِ بِالْفَرْدِ فَيَكُونُ لِوَاحِدَةٍ الرُّبُعُ أَوْ الثُّمُنُ عِنْدَ انْفِرَادِهَا بِالنَّصِّ، وَإِذَا كَثُرْنَ وَقَعَتْ الْمُزَاحَمَةُ بَيْنَهُنَّ فَيُصْرَفُ إلَيْهِنَّ جَمِيعًا عَلَى السَّوَاءِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ كَمَا إذَا مَاتَتْ امْرَأَةٌ، وَادَّعَى رَجُلَانِ أَوْ أَكْثَرُ نِكَاحَهَا، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ، وَلَمْ تَكُنْ فِي بَيْتِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَا دَخَلَ بِهَا فَإِنَّهُمْ يَقْتَسِمُونَ مِيرَاثَ زَوْجٍ وَاحِدٍ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَكَذَا هُنَا فَصَارَ لِلزَّوْجَاتِ حَالَتَانِ الرُّبُعُ بِلَا وَلَدٍ وَالثُّمُنُ مَعَ الْوَلَدِ.

[أحوال الْبِنْت فِي الْمِيرَاث]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: ١١] قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْأَكْثَرِ الثُّلُثَانِ) وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ جَعَلَ حُكْمَ الْبِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ حُكْمَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>