حَقِّ الْمُتَمَتِّعِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا إلَى آخِرِ وَقْتِهَا فَيَصُومَ يَوْمَ السَّابِعِ وَيَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمَ عَرَفَةَ كَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ وَلِأَنَّ الصَّوْمَ بَدَلُ الْهَدْيِ فَيُنْدَبُ تَأْخِيرُهُ لِاحْتِمَالِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْأَصْلِ وَقَوْلُهُ وَلَوْ بِمَكَّةَ أَيْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصُومَ السَّبْعَةَ بَعْدَمَا فَرَغَ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَلَوْ صَامَهَا بِمَكَّةَ يَعْنِي بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِلنَّهْيِ عَنْ الصَّوْمِ فِيهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنْ يُقِيمَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالرُّجُوعِ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّيْءِ لَا يَجُوزُ قَبْلَهُ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ بِالْإِقَامَةِ هُنَاكَ وَلَنَا أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يُصَامَ بِمَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الدَّمِ وَأَنَّهُ يَكُونُ بِمَكَّةَ فَكَذَا بَدَلُهُ إلَّا أَنَّ النَّصَّ عَلَّقَهُ بِالرُّجُوعِ تَيْسِيرًا إذْ الصَّوْمُ فِي وَطَنِهِ أَيْسَرُ لَهُ فَإِذَا تَحَمَّلَهُ جَازَ كَالْمُسَافِرِ إذَا صَامَ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالرُّجُوعِ بَلْ بِالْفَرَاغِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ الرُّجُوعِ فَأَطْلَقَ الْمُسَبَّبُ عَلَى السَّبَبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ لَمْ يَصُمْ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ تَعَيَّنَ الدَّمُ) أَيْ إنْ لَمْ يَصُمْ الثَّلَاثَةَ فِي الْحَجِّ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصُومَ الثَّلَاثَةَ وَلَا السَّبْعَةَ بَعْدَهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصُومُ الثَّلَاثَةَ بَعْدَ هَذِهِ الْأَيَّامِ؛ لِأَنَّهُ صَوْمٌ مُؤَقَّتٌ فَيُقْضَى بَعْدَ فَوَاتِهِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ وَقَالَ مَالِكٌ يَصُومُهَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٦] وَهَذَا وَقْتُهُ وَلَنَا النَّهْيُ الْمَعْرُوفُ عَنْ صَوْمِ هَذِهِ الْأَيَّامِ فَجَازَ تَخْصِيصُ مَا تَلِي بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَشْهُورٌ وَيَدْخُلُهُ نَقْصٌ لِمَكَانِ النَّهْيِ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْكَامِلُ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَالْكَفَّارَاتِ وَلَا يُؤَدِّي بَعْدَهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ أَصْلٌ وَقَدْ نُقِلَ حُكْمُهُ إلَى بَدَلٍ مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ إذْ الصَّوْمُ لَيْسَ بِمَثَلٍ لَهُ لَا صُورَةً وَلَا مَعْنًى فَتُرَاعَى فِيهِ تِلْكَ الْأَوْصَافُ فَإِذَا فَاتَتْ فَقَدْ تَعَذَّرَ أَدَاؤُهُ عَلَى الْوَصْفِ الْمَشْرُوعِ فَنُقِلَ الْحُكْمُ إلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ الْهَدْيُ وَلَوْ جَازَ الصَّوْمُ بَعْدَ هَذِهِ الْأَيَّامِ لَكَانَ بَدَلًا عَنْ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ وَالْأَبْدَالُ لَا تُعْرَفُ إلَّا شَرْعًا وَجَوَازُ الدَّمِ عَلَى الْأَصْلِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ أَمَرَ فِي مِثْلِهِ بِذَبْحِ الشَّاةِ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ تَحَلَّلَ وَعَلَيْهِ دَمَانِ دَمُ الْقِرَانِ وَدَمُ التَّحَلُّلِ قَبْلَ الذَّبْحِ وَلَوْ وَجَدَ هَدْيًا بَعْدَمَا صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَطَلَ صَوْمِهِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الذَّبْحُ، وَإِنْ وَجَدَهُ بَعْدَمَا تَحَلَّلَ فَلَا ذَبْحَ عَلَيْهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالصَّوْمِ، وَهُوَ التَّحَلُّلُ فَصَارَ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَمَا صَلَّى وَلَوْ صَامَ مَعَ وُجُودِ الْهَدْيِ يَنْظُرُ فَإِنْ بَقِيَ الْهَدْيُ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ لَمْ يُجْزِئْهُ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ، وَإِنْ هَلَكَ قَبْلَ الذَّبْحِ جَازَ لِلْعَجْزِ عَنْ الْأَصْلِ فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ وَقْتَ التَّحَلُّلِ لَا وَقْتَ الصَّوْمِ وَشَرْطُ جَوَازِ هَذَا الصَّوْمِ وُجُودُ الْإِحْرَامِ وَأَنْ يَكُونَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مُتَمَتِّعًا شَرْطٌ بِالنَّصِّ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبُهُ فَلَا يَجُوزُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِرَفْضِ الْعُمْرَةِ وَقَضَاؤُهَا) أَيْ إنْ لَمْ يَدْخُلْ الْقَارِنُ مَكَّةَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ صَارَ رَافِضًا لِعُمْرَتِهِ، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِرَفْضِ الْعُمْرَةِ وَقَضَاؤُهَا، وَإِنَّمَا يَصِيرُ رَافِضًا لِلْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَدَّاهَا بَعْدَ الْوُقُوفِ لَصَارَ بَانِيًا أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْرُوعِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَصِيرُ رَافِضًا لِعُمْرَتِهِ بِالتَّوَجُّهِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ وَلِأَنَّ التَّوَجُّهَ مِنْ خَصَائِصِ الْوُقُوفِ وَمُقَدَّمَاتِهِ فَيَعْتَبِرُ بِحَقِيقَتِهِ كَالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ بَعْدَمَا صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ فَإِنَّهُ يَنْتَقِضُ بِهِ الظُّهْرُ عِنْدَهُ بِمُجَرَّدِ السَّعْيِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ، وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِنَقْضِ الظُّهْرِ وَالتَّوَجُّهِ إلَى الْجُمُعَةِ فَيُعْطَى لِخَصَائِصِهَا حُكْمُ الْجُمُعَةِ وَالْقَارِنُ مَنْهِيٌّ عَنْ رَفْضِ الْعُمْرَةِ وَمَأْمُورٌ بِالرُّجُوعِ إلَى مَكَّةَ لِيُقِيمَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ فَلَا يُعْطَى لِمُقَدَّمَاتِهِ حُكْمُ عَيْنِهِ فَافْتَرَقَا، وَإِنَّمَا يَقْضِي الْعُمْرَةَ لِتَحَقُّقِ الشُّرُوعِ فِيهَا، وَهُوَ مُلْزَمٌ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ مَوْضِعِهِ وَسَقَطَ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَفَّقْ لِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِرَفْضِ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا بَعْدَ صِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا قَبْلَ أَدَاءِ الْأَفْعَالِ فَصَارَ كَالْمُحْصَرِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَصِيرُ رَافِضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَرَى الْإِتْيَانَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ وَلَنَا أَنَّ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَتْ مُعْتَمِرَةً أَوْ قَارِنَةً، وَهُوَ الصَّحِيحُ فَلَمَّا حَاضَتْ بِسَرِفٍ وَقَدِمَتْ لَمْ تَطُفْ لِعُمْرَتِهَا حَتَّى مَضَتْ إلَى عَرَفَاتٍ فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَرْفُضَ عُمْرَتَهَا وَتَصْنَعَ مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ» الْحَدِيثَ.
[بَابُ التَّمَتُّعِ]
{بَابُ التَّمَتُّعِ} التَّمَتُّعُ مِنْ الْمَتَاعِ، وَهُوَ الِانْتِفَاعُ أَوْ النَّفْعُ، قَالَ الشَّاعِرُ
وَقَفْت عَلَى قَبْرٍ غَرِيبٍ بِقَفْرَةٍ ... مَتَاعٍ قَلِيلٍ مِنْ حَبِيبٍ مُفَارِقِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا إلَخْ) وَيَجُوزُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ إحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ وَلَا يَجُوزُ قَبْلَ إحْرَامِهِ وَفِيهِ بَحْثٌ طَوِيلٌ فِي أَحْكَامِ الرَّازِيّ اهـ. (قَوْلُهُ فَأَطْلَقَ الْمُسَبَّبَ عَلَى السَّبَبِ إلَخْ)، وَإِنَّمَا صِرْنَا إلَى الْمَجَازِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ لَيْسَ بِشَرْطٍ بِالِاتِّفَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ جَازَ لَهُ صَوْمُ السَّبْعَةِ بِمَكَّةَ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الرُّجُوعُ إلَى أَهْلِهِ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الرُّجُوعَ لَيْسَ بِشَرْطٍ أَوْ مَعْنَاهُ إذَا رَجَعْتُمْ إلَى مَكَّةَ أَوْ إذَا رَجَعْتُمْ إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى يَعْنِي إذَا فَرَغْتُمْ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الرُّجُوعَ إلَى أَهْلِهِ شَرْطٌ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الشَّرْطَ يُوجِبُ الْعَدَمَ عِنْدَ الْعَدَمِ؛ لِأَنَّ أَقْصَى دَرَجَاتِ الْوَصْفِ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً وَلَا أَثَرَ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ فِي انْتِفَاءِ الْحُكْمِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مَعْلُولًا بِعِلَلٍ شَتَّى فَأَوْلَى وَأَحْرَى أَنْ لَا يَنْتَفِيَ الْحُكْمُ بِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَصُمْ الثَّلَاثَةَ فِي الْحَجِّ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ) وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْمُتَمَتِّعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ تَحَلَّلَ، وَعَلَيْهِ دَمَانِ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ أَحَلَّ بِغَيْرِ هَدْيٍ وَلَا صَوْمٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
{بَابُ التَّمَتُّعِ}
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute