للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، بِخِلَافِ مَا إذَا وَهَبَ عَبْدَهُ الْمَدِينَ مِمَّنْ لَهُ الدَّيْنُ أَوْ عَبْدَهُ الْجَانِي مِنْ رَبِّ الْجِنَايَةِ حَتَّى سَقَطَ الدَّيْنُ وَالْجِنَايَةُ ثُمَّ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ حَيْثُ يَعُودَانِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَالْعُذْرُ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ حَقَّ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَضْعَفُ مِنْهُمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ) وَهُوَ مَا يَخْلُو عَنْهُ أَصْلُ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَنْ وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا أَخَذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ رَدَّهُ)؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ مِنْ الْعَيْبِ فَكَانَتْ السَّلَامَةُ كَالْمَشْرُوطَةِ فِي الْعَقْدِ صَرِيحًا لِكَوْنِهَا مَطْلُوبَةً عَادَةً فَعِنْدَ فَوَاتِهَا يَتَخَيَّرُ كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ بِإِلْزَامِ مَا لَا يَرْضَى بِهِ كَمَا إذَا فَاتَ الْوَصْفُ الْمَرْغُوبُ فِيهِ الْمَشْرُوطُ فِي الْعَقْدِ كَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ أَوْ نَحْوُهُ فَوَجَدَهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَلِكَوْنِ السَّلَامَةِ كَالْمَشْرُوطَةِ فِي الْعَقْدِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْمَعِيبَ حَتَّى يُبَيِّنَ عَيْبَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا وَفِيهِ عَيْبٌ إلَّا بَيَّنَهُ لَهُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَأَحْمَدُ بِمَعْنَاهُ «وَمَرَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِرَجُلٍ يَبِيعُ طَعَامًا فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ فَإِذَا هُوَ مَبْلُولٌ فَقَالَ مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ «وَكَتَبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كِتَابًا بَعْدَ مَا بَاعَ فَقَالَ فِيهِ هَذَا مَا اشْتَرَى الْعَدَاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هَوْدَةَ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرَى مِنْهُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً لَا دَاءَ وَلَا غَائِلَةَ وَلَا خِبْثَةَ بَيْعُ الْمُسْلِمِ لِلْمُسْلِمِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ فَإِذَا اخْتَارَ الْأَخْذَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلَا يَنْقُصُ مِنْ الثَّمَنِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِالْعَقْدِ لِكَوْنِهَا تَبَعًا فَلَا تَكُونُ أَصْلًا وَلَا مُزَاحِمًا لَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا صَارَتْ مَقْصُودَةً بِالْإِتْلَافِ بِأَنْ حَدَثَ الْعَيْبُ بِفِعْلِ الْبَائِعِ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ حَيْثُ يَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ بِحِصَّتِهِ إذَا اخْتَارَ الْأَخْذَ؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ يَكُونُ لَهَا حِصَّةٌ بِالْإِتْلَافِ قَصْدًا وَالْمُرَادُ بِهِ عَيْبٌ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ بِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُشْتَرِي مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِهِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ.

قَالَ (وَمَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ الثَّمَنِ عِنْدَ التُّجَّارِ عَيْبٌ)؛ لِأَنَّ التَّضَرُّرَ بِنُقْصَانِ الْمَالِيَّةِ وَذَلِكَ بِانْتِقَاصِ الْقِيمَةِ وَالْمَرْجِعُ فِي

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

أَبُو بَكْرٍ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَالْإِمَامُ الْقُدُورِيُّ هُوَ أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ سِينَا الْحَكِيمُ وَالْقُدُورِيُّ تِلْمِيذُ الشَّيْخِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيِّ وَهُوَ تِلْمِيذُ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ وَهُوَ تِلْمِيذُ الْكَرْخِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْقُدُورِيُّ) أَيْ وَصَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ. اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَحَقِيقَةُ الْمَلْحَظِ مُخْتَلِفٌ فَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ لَحَظَ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ مَانِعًا زَالَ فَيَعْمَلُ الْمُقْتَضِي وَهُوَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ عَمَلَهُ وَلَحَظَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ مُسْقِطًا وَإِذَا سَقَطَ لَا يَعُودُ بِلَا سَبَبٍ وَهَذَا أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ هَذَا التَّصَرُّفِ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَيَبْطُلُ الْخِيَارُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَبَعْدَهَا. اهـ. فَتْحٌ.

[بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ]

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ مِنْ الْعَيْبِ) أَيْ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي عُرْفِ التُّجَّارِ وَالْمَعْرُوفُ بِالْعُرْفِ كَالْمَشْرُوطِ بِالشَّرْطِ صَرِيحًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: اشْتَرَى مِنْهُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً) شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا دَاءَ وَلَا غَائِلَةَ وَلَا خِبْثَةَ) الدَّاءُ مَا كَانَ فِي الْجَسَدِ وَالْخِلْقَةِ وَالْخِبْثَةُ مَا كَانَ فِي الْخُلُقِ وَالْغَائِلَةُ هُوَ سُكُوتُ الْبَائِعِ عَمَّا يَعْلَمُ فِي الْمَبِيعِ مِنْ مَكْرُوهٍ. اهـ. وَالْعَدَاءُ بِالْعَيْنِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ هُوَ ابْنُ خَالِدِ بْنُ هَوْذَةَ بْنِ خَالِدٍ كَانَ إسْلَامُهُ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ حَسَنٌ غَرِيبٌ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا خِبْثَةَ مَا نَصُّهُ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ أَرَادَ بِالْخِبْثَةِ الْحَرَامَ كَمَا عَبَّرَ عَنْ الْحَلَالِ بِالطَّيِّبِ وَالْخِبْثَةُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَبِيثِ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ عَبْدٌ رَقِيقٌ لَا أَنَّهُ مِنْ قَوْمٍ لَا يَحِلُّ سَبْيُهُمْ كَمَنْ أُعْطِيَ عَهْدًا أَوْ أَمَانًا أَوْ مَنْ هُوَ حُرٌّ فِي الْأَصْلِ. اهـ. فَقَوْلُهُ: نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَبِيثِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَسُكُونِ الْبَاءِ وَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ فِي الْحَدِيثِ وَقَدْ ضَبَطَهُ الْمُصَنِّفُ بِالْقَلَمِ بِضَمِّ الْخَاءِ وَسُكُونِ الْبَاءِ وَفِيهِ نَظَرٌ. اهـ.

(قَوْلُهُ: بَيْعَ الْمُسْلِمِ لِلْمُسْلِمِ) بِنَصْبِ بَيْعٍ وَرَفْعِهِ، النَّصْبُ عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْ بَاعَهُ بَيْعَ الْمُسْلِمِ وَالرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هَذَا بَيْعُ الْمُسْلِمِ وَهُوَ مُضَافٌ إلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولُ مَنْصُوبٌ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا بَاعَ غَيْرَ الْمُسْلِمِ جَازَ أَنْ يُعَامِلَهُ بِمَا يَتَضَمَّنُ خِيَانَةً أَوْ غَبْنًا، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ إذَا بَاعَ الْمُسْلِمَ يَرَى لَهُ مِنْ النُّصْحِ أَكْثَرَ مِمَّا يَرَى لِغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.

(قَوْلُهُ: فَإِذَا اخْتَارَ الْأَخْذَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلَا يَنْقُصُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي إمْسَاكُ الْمَعِيبِ وَأَخْذُ نُقْصَانِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَلْزَمُ الضَّرَرُ عَلَى الْبَائِعِ فَلَا يَجُوزُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَرْضَ أَنْ يُخْرِجَ الْمَبِيعَ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا بِالثَّمَنِ الْمَذْكُورِ فَعَلَى تَقْدِيرِ أَخْذِ النُّقْصَانِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ أَقَلَّ مِمَّا رَضِيَ بِهِ وَالْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ يَتَضَرَّرُ بِالْعَيْبِ أَيْضًا يُمْكِنُ تَدَارُكُ ذَلِكَ بِرَدِّ الْمَبِيعِ فَلَا ضَرُورَةَ فِي أَخْذِ النُّقْصَانِ اهـ.

(فَرْعٌ) لَوْ صَالَحَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَنْ حَقِّ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَى مَالٍ يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَفِي وَجْهٍ لَا يَجُوزُ وَالِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِهِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ قَالَهُ الْكَمَالُ اهـ.

(قَوْلُهُ: حَيْثُ يَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ بِحِصَّتِهِ) أَيْ وَكَمَا إذَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ آخَرُ حَيْثُ يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ عَلَى الْبَائِعِ اهـ (قَوْلُهُ: وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ بِهِ) أَيْ عِنْدَ الْبَيْعِ وَلَا عِنْدَ الْقَبْضِ أَمَّا إذَا رَأَى ذَلِكَ عِنْدَ أَحَدِ هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ يَسْقُطُ خِيَارُهُ لِرِضَاهُ بِالْعَيْبِ دَلَالَةً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَمَا أَوْجَبَ نُقْصَانَ الثَّمَنِ إلَخْ) أَرَادَ بِهَذَا بَيَانَ مَعْرِفَةِ الْعُيُوبِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ مَنْ وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا إلَخْ وَقَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى مَعْرِفَةِ الْعُيُوبِ فَبَيَّنَ الْعَيْبَ بِهَذَا اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>