للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِنْدَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْمِلْكِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ وَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالْكِتَابَةِ) لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ مَاءَهُ يَكُونُ مُسْتَهْلَكًا بِمَائِهَا فَيُرَجَّحُ جَانِبُهَا، وَلِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ بِهِ مِنْ جِهَتِهَا، وَلِهَذَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدُ الزِّنَا وَوَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ مِنْهَا حَتَّى تَرِثُهُ وَيَرِثُهَا، وَلِأَنَّهُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ هُوَ كَعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا حِسًّا وَحُكْمًا حَتَّى يَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا وَيَنْتَقِلُ بِانْتِقَالِهَا وَيَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ التَّصَرُّفَاتِ تَبَعًا لَهَا فَكَانَ جَانِبُهَا أَرْجَحَ، وَكَذَلِكَ يُعْتَبَرُ جَانِبُ الْأُمِّ فِي الْبَهَائِمِ أَيْضًا حَتَّى إذَا تَوَالَدَ بَيْنَ الْوَحْشِيِّ وَالْأَهْلِيِّ أَوْ بَيْنَ الْمَأْكُولِ وَغَيْرِ الْمَأْكُولِ يُؤْكَلُ إذَا كَانَتْ أُمُّهُ مَأْكُولَةً، وَتَجُوزُ الْأُضْحِيَّةُ بِهِ إذَا كَانَتْ أُمُّهُ مِمَّا يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِهَا، فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِيمَا ذَكَرْنَا وَالْأَبَ فِي النَّسَبِ لِأَنَّهُ لِلتَّعْرِيفِ، وَالْأُمُّ لَا تُشْهَرُ، وَخَيْرَهُمَا فِي الدِّينِ

وَقَوْلُهُ يَتْبَعُهَا فِي الرِّقِّ وَالْمِلْكِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الرِّقَّ هُوَ الذُّلُّ الَّذِي رَكَّبَهُ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ جَزَاءَ اسْتِنْكَافِهِمْ عَنْ طَاعَتِهِ، وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ حَقُّ الْعَامَّةِ عَلَى مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَالْمِلْكُ هُوَ الَّذِي يَتَمَكَّنُ الشَّخْصُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَهُوَ حَقُّهُ، وَأَوَّلُ مَا يُؤْخَذُ الْمَأْسُورُ يُوصَفُ بِالرِّقِّ، وَلَا يُوصَفُ بِالْمِلْكِ إلَّا بَعْدَ الْإِخْرَاجِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَالْمِلْكُ يُوجَدُ فِي الْجَمَادِ وَالْحَيَوَانِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ دُونَ الرِّقِّ، وَبِالْبَيْعِ يَزُولُ مِلْكُهُ دُونَ الرِّقِّ، وَبِالْعِتْقِ يَزُولُ مِلْكُهُ قَصْدًا لِأَنَّهُ حَقُّهُ، وَيَزُولُ الرِّقُّ ضِمْنًا ضَرُورَةَ فَرَاغِهِ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَيَتَبَيَّنُ لَك الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي الْوَلَدِ الْقِنِّ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ فَإِنَّ الرِّقَّ وَالْمِلْكَ كَامِلَانِ فِي الْقِنِّ، وَرِقُّ أُمِّ الْوَلَدِ نَاقِصٌ حَتَّى لَا يَجُوزُ عِتْقُهَا عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَالْمِلْكُ فِيهَا كَامِلٌ، وَالْمُكَاتَبُ رِقُّهُ كَامِلٌ حَتَّى جَازَ عِتْقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَمِلْكُهُ نَاقِصٌ حَتَّى خَرَجَ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى

وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَلَدُ الْأَمَةِ مِنْ سَيِّدِهَا حُرٌّ) لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَلَا يُعَارِضُهُ مَاءُ الْأَمَةِ لِأَنَّ مَاءَهَا مَمْلُوكٌ لَهُ بِخِلَافِ أَمَةِ الْغَيْرِ لِأَنَّ مَاءَهَا مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِهَا فَتَحَقَّقَتْ الْمُعَارَضَةُ فَرَجَّحْنَا جَانِبَهَا بِمَا ذَكَرْنَا، وَالزَّوْجُ قَدْ رَضِيَ بِذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِهِ بِخِلَافِ وَلَدِ الْمَغْرُورِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ الْوَالِدُ بِهِ فَلِهَذَا قُلْنَا عَلِقَ حُرًّا فِي حَقِّهِ فَلَا يَتْبَعُهَا الْوَلَدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

(بَابُ الْعَبْدُ يَعْتِقُ بَعْضُهُ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ لَمْ يَعْتِقْ كُلُّهُ، وَسَعَى لَهُ فِيمَا بَقِيَ، وَهُوَ كَالْمُكَاتَبِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْمِلْكِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالتَّدْبِيرِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ، وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ مُدَبَّرٌ، وَعَلَى ذَلِكَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَوْلُهُ وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَعَامَّةُ النُّسَخِ هُنَا بِالتَّأْنِيثِ فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالتَّذْكِيرِ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ وَلَدَ الْعَبْدِ الْمُدَبَّرِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَ مِنْ أَمَةٍ أَوْ حُرَّةٍ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَمَةٍ يَكُونُ رَقِيقًا لِمَوْلَاهُ وَلَا يَكُونُ مُدَبَّرًا كَأَبِيهِ

وَإِنْ كَانَ مِنْ حُرَّةٍ يَكُونُ حُرًّا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ مِنْ أَمَةٍ مُدَبَّرَةٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُدَبَّرًا تَبَعًا لِأُمِّهِ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ الْقَارَّةَ فِي الْأُمَّهَاتِ تَسْرِي إلَى الْأَوْلَادِ، وَلِهَذَا صَرَّحَ بِالتَّأْنِيثِ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ، وَقَالَ وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ بِمَنْزِلَتِهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّ وَلَدَ الْمُدَبَّرَةِ مُدَبَّرٌ، وَكَذَلِكَ فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ حَيْثُ قَالَ وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ بِمَنْزِلَتِهَا كَوَلَدِ الْحُرَّةِ، وَهَذَا مَذْهَبُنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَدْخُلُ فِي تَدْبِيرِهَا لَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ يَعْتِقُ بِعِتْقِهَا، وَيَرِقُّ بِرِقِّهَا اهـ قَوْلُهُ وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ مُدَبَّرٌ ثَمَّ الْمُرَادُ الْوَلَدُ الَّذِي كَانَتْ حَامِلًا بِهِ وَقْتَ التَّدْبِيرِ أَوْ الْوَلَدُ الَّذِي حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ التَّدْبِيرِ أَمَّا وَلَدُهَا الْمَوْلُودُ قَبْلَهُ فَلَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا بِتَدْبِيرِهَا أَمَّا الَّذِي كَانَ حَمْلًا فَبِالْإِجْمَاعِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهَا، وَهِيَ حَامِلٌ، وَأَمَّا الَّذِي حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَهُ فَفِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَوْلَى، وَالْمُدَبَّرَةُ فِي وِلَادَتِهَا فَقَالَ وَلَدْتِيهِ (قَوْلُهُ وَغَيْرُهُمَا) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ، وَغَيْرِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْمِلْكُ) هُوَ تَمَكُّنُ الشَّخْصِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَهُوَ حَقُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لِأَنَّ الرِّقَّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لِمَا أَنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا اسْتَنْكَفُوا عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَرِقَّاءَ لِعَبِيدِهِ فَكَانَ سَبَبُ رِقِّهِمْ كُفْرَهُمْ أَوْ كُفْرَ أُصُولِهِمْ أَوْ الرِّقُّ حَقُّ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ كَوْنُهُ وَسِيلَةٌ إلَى نَفْعِهِمْ، وَإِقَامَةِ مَصَالِحِهِمْ، وَدَفْعِ الشَّرِّ عَنْهُمْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ حَتَّى لَا يَجُوزَ عِتْقُهَا عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَالْمُلْكُ فِيهَا كَامِلٌ) وَلِهَذَا لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ تَدْخُلُ أُمُّ الْوَلَدِ فِيهِ، وَلَا تَدْخُلُ الْمُكَاتَبَةُ كَمَا سَيَأْتِي مَتْنًا وَشَرْحًا فِي الْأَيْمَانِ اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ حَتَّى جَازَ لَهُ وَطْؤُهَا، وَكَذَا الْمُدَبَّرَةُ، وَقَدْ مَرَّ مَبْسُوطًا فِي بَابِ الظِّهَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ حُرٌّ لِي) وَمِلْكُهُ نَاقِصٌ فَلَا يَحِلُّ لِلْمَوْلَى وَطْءُ الْمُكَاتَبَةِ لِنُقْصَانِ الْمِلْكِ فِيهَا اهـ.

[بَابُ الْعَبْدُ يَعْتِقُ بَعْضُهُ]

(بَابُ الْعَبْدِ يَعْتِقُ بَعْضُهُ) لَمَّا ذَكَرَ إعْتَاقَ الْكُلِّ شَرَعَ فِي إعْتَاقِ الْبَعْضِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ ثَابِتٍ كَمَالُهُ، وَنُقْصَانُهُ بِعَارِضٍ، وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي الثَّانِي اخْتِلَافٌ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الِاخْتِلَافِ، وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ كَثِيرُ الْوُقُوعِ فَاسْتَحَقَّ التَّقْدِيمَ، وَالثَّانِي قَلِيلٌ فَأَخَّرَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ) قَالَ الْكَمَالُ وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا إذَا عَيَّنَ مِقْدَارًا كَرُبْعُك حُرٌّ، وَنَحْوَهُ فَلَوْ قَالَ بَعْضُك حُرٌّ أَوْ جُزْءٌ مِنْك أَوْ شِقْصٌ أُمِرَ بِالْبَيَانِ، وَلَوْ قَالَ سَهْمٌ مِنْك حُرٌّ فَقِيَاسُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يُعَيَّنُ سُدُسُهُ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِالسَّهْمِ مِنْ عَبْدِهِ فَيَسْعَى فِي خَمْسَةِ أَسْدَاسِهِ اهـ.

وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَمْ يَعْتِقْ كُلُّهُ) قَالَ الرَّازِيّ فِيمَا كَتَبَهُ بِخَطِّهِ عَلَى حَوَاشِي شَرْحِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ لَمْ يَعْتِقْ كُلُّهُ، وَلَا بَعْضُهُ بَلْ يَزُولُ الْمِلْكُ عَنْ الشِّقْصِ، وَيَتَأَخَّرُ الْعِتْقُ إلَى زَوَالِ الْمِلْكِ عَنْ الْكُلِّ بِالسِّعَايَةِ، وَلِهَذَا كَانَ رَقِيقًا فِي شَهَادَاتِهِ، وَسَائِرِ أَحْكَامِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَسَعَى فِيمَا بَقِيَ، وَهُوَ كَالْمُكَاتَبِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>