للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلِ مُحَمَّدٍ عُشْرٌ وَاحِدٌ كَمَا مَرَّ مِنْ أَصْلِهِمَا وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَرْضٍ اسْتَقَرَّ فِيهَا الْعُشْرُ وَصَارَ وَظِيفَةً لَهَا بِأَنْ كَانَتْ فِي يَدِ مُسْلِمٍ ثُمَّ الْمَاءُ الْخَرَاجِيُّ هُوَ الْمَاءُ الَّذِي كَانَ فِي أَيْدِي الْكَفَرَةِ وَأُقِرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا وَالْعُشْرِيُّ مَا عَدَا ذَلِكَ كَمَاءِ السَّمَاءِ وَالْبِحَارِ الَّتِي لَا تَدْخُلُ تَحْتَ وِلَايَةِ أَحَدٍ وَاخْتَلَفُوا فِي سَيْحُونَ وَجَيْحُونَ وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتَ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عُشْرِيٌّ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خَرَاجِيٌّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَدْخُلُ تَحْتَ وِلَايَةِ أَحَدٍ أَوْ لَا يَدْخُلُ وَهَلْ تَرِدُ عَلَيْهِ يَدُ أَحَدٍ أَمْ لَا وَهَكَذَا ذَكَرُوا وَهَذَا فِي حَقِّ الْخَرَاجِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ لَهُ مَاءً حَقِيقَةٌ لِأَنَّ الْأَنْهُرَ الَّتِي احْتَفَرَتْهَا الْأَعَاجِمُ حَوَتْهَا أَيْدِينَا قَهْرًا كَأَرَاضِيِهِمْ وَأَمَّا فِي حَقِّ الْعُشْرِ فَلَا يَظْهَرُ لِأَنَّهُ لَا مَاءَ لَهُ حَقِيقَةً وَلِهَذَا اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ الْخَرَاجِ فِي أَرْضٍ لِكَافِرٍ تُسْقَى بِمَاءِ السَّمَاءِ وَالْبِحَارِ وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْمِيَاهُ عُشْرِيَّةً لَاخْتَلَفُوا فِيهَا عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ اشْتَرَاهَا ذِمِّيٌّ لِأَنَّ الْوَظِيفَةَ تَدُورُ مَعَ الْمَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَارُهُ حُرٌّ) أَيْ دَارُ الذِّمِّيِّ حُرَّةٌ لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ لِأَنَّ عُمَرَ جَعَلَ الْمَسَاكِنَ عَفْوًا وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَلِأَنَّهَا لَا تُسْتَنْمَى وَوُجُوبُ الْخَرَاجِ بِاعْتِبَارِهِ وَعَلَى هَذَا الْمَقَابِرُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كَعَيْنِ قِيرٍ وَنِفْطٍ فِي أَرْضِ عُشْرٍ وَلَوْ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ يَجِبُ الْخَرَاجُ) أَيْ لَا يَجِبُ فِي دَارِ الذِّمِّيِّ شَيْءٌ كَمَا لَا يَجِبُ فِي عَيْنِ قِيرٍ وَنِفْطٍ إذَا كَانَتْ فِي أَرْضِ عُشْرٍ وَلَوْ كَانَتْ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ يَجِبُ الْخَرَاجُ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَنْزَالِ الْأَرْضِ وَإِنَّمَا هُمَا عَيْنٌ فَوَّارَةٌ كَعَيْنِ الْمَاءِ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ حَرِيمُهُ يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ يَجِبُ فِيهِ الْخَرَاجُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ يَجِبُ الْخَرَاجُ. وَأَمَّا إذَا كَانَ حَرِيمُهُ لَا يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ فَلَا يَجِبُ فِيهِ الْخَرَاجُ أَيْضًا وَالْقِيرُ الزِّفْتُ وَيُقَالُ الْقَارُ وَالنِّفْطُ دُهْنٌ يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(بَابُ الْمَصْرِفِ) أَيْ مَصْرِفِ الزَّكَاةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: ٦٠] الْآيَةَ فَهَذِهِ ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ وَقَدْ سَقَطَ مِنْهَا الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ لِأَنَّ اللَّهَ أَعَزَّ الْإِسْلَامَ وَأَغْنَى عَنْهُمْ وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ انْتِهَاءِ الْحُكْمِ لِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ إذْ لَا نَسْخَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ) أَيْ الْمَصْرِفُ هُوَ الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ لِمَا تَلَوْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْفَقِيرِ) أَيْ الْمِسْكِينُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْهُ إذْ الْمِسْكِينُ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ وَالْفَقِيرُ مَنْ لَهُ أَدْنَى شَيْءٍ وَالشَّافِعِيُّ بِعَكْسِهِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِكُلٍّ وَجْهٌ فَوَجْهُ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْفَقِيرَ أَسْوَأُ حَالًا قَوْله تَعَالَى {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} [الكهف: ٧٩] فَأَثْبَتَ لِلْمَسَاكِينِ السَّفِينَةَ وَرُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَأَلَ الْمَسْكَنَةَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

مَعْلُومُ الْحُدُوثِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَإِمَّا مَجْهُولُ الْحَالِ أَمَّا ثُبُوتُ مَعْلُومِيَّةِ أَنَّهُ جَاهِلِيٌّ فَمُتَعَذِّرٌ إذْ أَكْثَرُ مَا كَانَ مِنْ فِعْلِهِمْ قَدْ دُثِّرَ وَسَفَّتْهُ الرِّيَاحُ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ ثُبُوتِ ذَلِكَ الْأَقْوَالِ الْعَوَامّ غَيْرُ مُسْتَنِدِينَ فِيهِ إلَى ثَبْتٍ فَيَجِبُ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَا يَرَاهُ بِأَنَّهُ إسْلَامِيٌّ إضَافَةً لِلْحَادِثِ إلَى أَقْرَبِ وَقْتَيْهِ الْمُمْكِنَيْنِ وَيَكُونُ ظُهُورُ الْقِسْمَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى سَقْيِ الْمُسْلِمِ مَا لَمْ تَسْبِقْ فِيهِ وَظِيفَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ مِنْ أَصْلِهِمَا) أَيْ فِي الْمُسْلِمِ إذَا بَاعَ أَرْضًا عُشْرِيَّةً مِنْ نَصْرَانِيٍّ اهـ (قَوْلُهُ كَمَاءِ السَّمَاءِ) أَيْ وَالْآبَارِ وَالْعُيُونِ اهـ هِدَايَةٌ

(قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي سَيْحُونَ) أَيْ نَهْرِ التُّرْكِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَجِيحُونَ) أَيْ نَهْرِ تِرْمِذَ. اهـ. فَتْحٌ وَدِجْلَةَ هِيَ نَهْرُ بَغْدَادَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْفُرَاتَ) هُوَ نَهْرُ الْكُوفَةِ (قَوْلُهُ وَهَلْ تَرِدُ عَلَيْهِ يَدٌ إلَى آخِرِهِ) عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ نَعَمْ فَإِنَّ السُّفُنَ يُشَدُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ حَتَّى تَصِيرَ جِسْرًا يَمُرُّ عَلَيْهِ كَالْقَنْطَرَةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَيْهَا فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ اهـ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَكَذَا النِّيلُ خَرَاجِيٌّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِدُخُولِهِ تَحْتَ الْحِمَايَةِ بِاِتِّخَاذِ قَنْطَرَةِ السُّفُنِ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ كَعَيْنِ قِيرٍ وَنِفْطٍ) وَالنِّفْطُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ وَهُوَ أَفْصَحُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِيَسْتَأْمِنَ أَنْزَالَ الْأَرْضِ) جَمْعُ نُزْلٍ بِسُكُونِ الزَّايِ وَضَمِّ النُّونِ وَهُوَ الرِّيعُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ إنْ كَانَ حَرِيمُهُ يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ إلَى آخِرِهِ) وَلَا شَيْءَ فِي الْمِلْحِ فِي الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ أَوْ الْخَرَاجِيَّةِ كَالْمَاءِ وَالْجَمَدِ. اهـ. غَايَةٌ

[بَابُ الْمَصْرِفِ]

(قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ) قَالَ الْحَسَنُ وَالزُّهْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَالظَّاهِرِيَّةُ إنَّ سَهْمَ الْمُؤَلَّفَةِ بَاقٍ لَمْ يَسْقُطْ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ حَنْبَلٍ مِثْلُ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ وَقَوْلِ صَاحِبِ الْكِتَابِ وَعَلَى ذَلِكَ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ فِيهِ بَعْدُ مَعَ مُخَالَفَةِ مَنْ ذَكَرْنَاهُمْ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ السُّكُوتِيَّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ انْتِهَاءِ الْحُكْمِ لِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ) أَيْ كَانْتِهَاءِ النَّفِيرِ الْعَامِّ بِانْدِفَاعِ الْعَدُوِّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْفَقِيرُ مَنْ لَهُ أَدْنَى شَيْءٌ) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَالزُّهْرِيِّ وَالْحَسَنِ وَمَالِكٍ وَمِثْلُهُ عَنْ أَبِي زَيْدٍ وَابْنِ دُرَيْدٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَيُونُسَ وَابْنِ السِّكِّيتِ وَابْنِ قُتَيْبَةَ وَالْقُتَبِيِّ وَالْأَخْفَشِ وَثَعْلَبٍ نَقَلْته مِنْ عِدَّةِ كُتُبٍ وَقَالَ السَّفَاقِسِيُّ هُوَ قَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ جَمِيعًا اهـ غَايَةٌ وَقَوْلُهُ مَنْ لَهُ أَدْنَى شَيْءٍ وَهُوَ مَا دُونَ النِّصَابِ أَوْ قَدْرَ نِصَابٍ غَيْرِ تَامٍّ وَهُوَ مُسْتَغْرِقٌ فِي الْحَاجَةِ. اهـ. فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ وَالشَّافِعِيُّ بِعَكْسِهِ) وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ لَا تَظْهَرُ فِي الزَّكَاةِ بَلْ تَظْهَرُ فِي الْوَصَايَا وَالْأَوْقَافِ وَالنُّذُورِ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ وَرُوِيَ أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ الْمَسْكَنَةَ» إلَى آخِرِهِ) رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَحَدِيثُ التَّعَوُّذِ مِنْ الْفَقْرِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ اهـ غَايَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>