فَتَبْطُلُ بِهِ الْوَصِيَّةُ بِخِلَافِ تَجْصِيصِ الدَّارِ الْمُوصَى بِهَا وَهَدْمِ بِنَائِهَا وَغَسْلِ الثَّوْبِ الْمُوصَى بِهِ حَيْثُ لَا يَكُونُ رُجُوعًا.
؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي التَّبَعِ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَ ثَوْبَهُ غَيْرَهُ يَغْسِلُهُ عَادَةً فَكَانَ تَقْرِيرًا مَعْنًى، وَلَوْ أَوْصَى بِرُطَبٍ فَصَارَ تَمْرًا لَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ اسْتِحْسَانًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِعِنَبٍ فَصَارَ زَبِيبًا وَالْفَرْقُ أَنَّ الرُّطَبَ وَالتَّمْرَ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَلِهَذَا جَازَ اسْتِيفَاءُ أَحَدِهِمَا مَكَانَ الْآخَرِ فِي السَّلَمِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِالْكُفُرَّى فَصَارَ رُطَبًا حَيْثُ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ لِلتَّبَدُّلِ، وَكَذَا إذَا أَوْصَى بِبِيضٍ فَصَارَ فَرْخًا، وَلَوْ كَانَ التَّغَيُّرُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي لَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبُولِ أَوْ بَعْدَهُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْجُحُودُ لَا يَكُونُ رُجُوعًا) كَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ رُجُوعٌ قِيلَ مَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الرُّجُوعَ كَانَ فِي حَضْرَةِ الْمُوصَى لَهُ وَمَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الرُّجُوعَ فِي غَيْبَتِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْهُمْ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْجُحُودَ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ فَكَانَ أَقْوَى مِنْ الرُّجُوعِ إذْ هُوَ نَفْيٌ فِي الْحَالِ فَقَطْ فَكَانَ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ رُجُوعًا وَلِهَذَا كَانَ جُحُودُ التَّوْكِيلِ عَزْلًا وَجُحُودُ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْبَيْعَ إقَالَةً وَلِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْجُحُودَ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَالِانْتِفَاءُ فِي الْحَالِ ضَرُورَةُ ذَلِكَ.
وَإِذَا كَانَ ثَابِتًا فِي الْمَاضِي كَانَ ثَابِتًا فِي الْحَالِ فَكَانَ الْجُحُودُ لَغْوًا، وَلِأَنَّ الرُّجُوعَ إثْبَاتٌ فِي الْمَاضِي وَنَفْيٌ فِي الْحَالِ وَالْجُحُودُ نَفْيٌ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَيَلْزَمُ مِنْهُ الِانْتِفَاءُ فِي الْحَالِ إنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَخَصَّ مِنْ الْآخَرِ مَعَ اخْتِلَافِ حَقِيقَتِهِمَا وَلِهَذَا لَا يَكُونُ جُحُودُ النِّكَاحِ طَلَاقًا، وَلَوْ قَالَ كُلُّ وَصِيَّةٍ أَوْصَيْت بِهَا لِفُلَانٍ فَهُوَ حَرَامٌ أَوْ رِبًا لَا يَكُونُ رُجُوعًا؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ يَسْتَدْعِي بَقَاءَ الْأَصْلِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ فَهِيَ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ الذَّاهِبَ الْمُتَلَاشِيَ، وَلَوْ قَالَ أَخَّرْتهَا لَا يَكُونُ رُجُوعًا؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ لَيْسَ لِلسُّقُوطِ كَتَأْخِيرِ الدَّيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ تَرَكْت؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ، وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ فَهُوَ لِفُلَانٍ كَانَ رُجُوعًا.
؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَدُلُّ عَلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ يَحْتَمِلُ الشَّرِكَةَ وَاللَّفْظُ صَالِحٌ لَهَا، وَكَذَا إذَا قَالَ فَهُوَ لِفُلَانٍ وَإِرْثِي يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ الْأَوَّلِ وَيَكُونُ وَصِيَّةً لِلْوَارِثِ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ إنْ أَجَازَتْهُ الْوَرَثَةُ، وَلَوْ كَانَ فُلَانٌ الْآخَرُ مَيِّتًا حِينَ أَوْصَى فَالْوَصِيَّةُ الْأُولَى عَلَى حَالِهَا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ الْأُولَى إنَّمَا تُبْطِلُ ضَرُورَةَ كَوْنِهَا لِلثَّانِي وَلَمْ تَكُنْ فَبَقِيَ الْأَوَّلُ عَلَى حَالِهِ، وَلَوْ كَانَ فُلَانٌ حِينَ قَالَ ذَلِكَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَهُوَ لِلْوَرَثَةِ لِبُطْلَانِ الْوَصِيَّتَيْنِ الْأُولَى بِالرُّجُوعِ وَالثَّانِيَةِ بِالْمَوْتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(بَابُ الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ الْمَالِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْصَى لِذَا بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِلْآخَرِ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَمْ تُجِزْهُ الْوَرَثَةُ فَثُلُثُهُ لَهُمَا) أَيْ إذَا لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّتَيْنِ كَانَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ ثُلُثَ الْمَالِ يَضِيقُ عَنْ حَقِّهِمَا إذْ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ، وَقَدْ تَسَاوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَالْمَحَلُّ يَقْبَلُ الشَّرِكَةَ فَيَكُونُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَاءِ حَقِّهِمَا وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ عَنْ الْأُولَى بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ فَهُوَ لِفُلَانٍ حَيْثُ يَكُونُ الْعَبْدُ كُلُّهُ لِلثَّانِي لِوُجُودِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ عَنْ الْأُولَى عَلَى مَا مَرَّ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَوْصَى لِآخَرَ بِسُدُسِ مَالِهِ فَالثُّلُثُ بَيْنُهُمَا أَثْلَاثًا) مَعْنَاهُ مَعَ الْوَصِيَّةِ الْأُولَى وَهِيَ الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَحِقُّ بِسَبَبٍ صَحِيحٍ شَرْعًا وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْ حَقِّهِمَا إذْ لَا مَزِيدَ لِلْوَصِيَّةِ عَلَى الثُّلُثِ فَيَقْتَسِمَانِ الثُّلُثَ عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا فَيَجْعَلُ السُّدُسَ سَهْمًا؛ لِأَنَّهُ الْأَقَلُّ فَصَارَتْ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ لِصَاحِبِ السُّدُسِ سَهْمٌ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ سَهْمَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَوْصَى لِأَحَدِهِمَا بِجَمِيعِ مَالِهِ وَلِلْآخَرِ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَمْ تُجِزْهُ فَثُلُثُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ)
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
إلَى يَوْمِ الْمَوْتِ وَمَثَّلَ لَهُ بِذَبْحِ الشَّاةِ وَقَالَ الْأَقْطَعُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمِلْكَ فِي الْوَصِيَّةِ يَقَعُ بِالْمَوْتِ وَالشَّاةُ الْمَذْبُوحَةُ لَا تَبْقَى إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ فَدَلَّ عَلَى الرُّجُوعِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ إلَخْ) وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ ثُمَّ قَالَ لَمْ أُوصِ لَهُ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا وَلَوْ قَالَ اشْهَدُوا أَنِّي لَا أُوصِي لَهُ فَهُوَ رُجُوعٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ ثُمَّ قَالَ اشْهَدُوا أَنِّي لَمْ أُوَكِّلْهُ فَهُوَ كَذِبٌ وَهُوَ وَكِيلٌ وَإِنْ قَالَ اشْهَدُوا أَنِّي لَا أُوَكِّلُهُ بِبَيْعِ الْعَبْدِ فَهُوَ عَزْلٌ. اهـ. أَجْنَاسٌ فِي الْغَصْبِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْجُحُودَ إلَخْ) فِي النِّهَايَةِ تَأْخِيرُ الْمُصَنِّفِ دَلِيلَ مُحَمَّدٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اخْتِيَارَهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَلَكِنْ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمَبْسُوطِ وَالْأَصَحُّ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. كَاكِيٌّ وَجَعَلَ فِي الْمَجْمَعِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مُخْتَارًا لِلْفَتْوَى. اهـ.
[بَابُ الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ الْمَالِ]
(بَابُ الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ). (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَمْ تُجِزْ) قَيَّدَ بِعَدَمِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ إذَا أَجَازَ الْوَرَثَةُ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ خَمْسَةٌ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ سَهْمٌ وَاحِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ رُبُعُهُ وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْقِسْمَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْوَصَايَا فِي الْعَيْنِ بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ وَالْمُضَارَبَةِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَوْ بِكُلٍّ وَثُلُثٍ فَالْكُلُّ مَقْسُومٌ أَسْدَاسًا مَعَ الْإِجَازَةِ وَالثُّلُثُ مَعَ عَدَمِهَا نِصْفَيْنِ وَقَالَا أَرْبَاعًا فِيهِمَا. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَثُلُثُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ).
قَالَ فِي الْمُصَفَّى إذَا لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ عِنْدَهُ نِصْفَيْنِ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَضْرِبُ