للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذْ لَا يَبْقَى وَقْتُ الْعِشَاءِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إجْمَاعًا وَقَوْلُهُ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ وَقْتَهُمَا لَمْ يَجِبَا أَيْ لَمْ يَجِبَا عَلَيْهِ فَحَذَفَ الْعَائِدَ عَلَى مَنْ وَهُوَ لَا يَسُوغُ حَذْفُهُ فِي مِثْلِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ مَنْ مَوْصُولَةً أَوْ شَرْطِيَّةً، أَمَّا إذَا كَانَتْ مَوْصُولَةً فَلِأَنَّهَا مُبْتَدَأٌ أَوْ مَا بَعْدَهَا صِلَتُهَا وَلَمْ يَجِبَا خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرُ مَتَى كَانَ جُمْلَةً لَا بُدَّ مِنْ ضَمِيرٍ يَعُودُ عَلَى الْمُبْتَدَإِ وَلَا يَجُوزُ حَذْفُهُ إلَّا إذَا كَانَ مَنْصُوبًا فِي الشِّعْرِ كَقَوْلِهِ

وَخَالِدٌ يَحْمَدُ سَادَاتُنَا

أَيْ يَحْمَدُهُ أَوْ كَانَ مَجْرُورًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يُؤَدِّي إلَى تَهْيِئَةِ الْعَامِلِ لِلْعَمَلِ وَقَطْعِهِ عَنْهُ كَقَوْلِهِمْ السَّمْنُ مَنَوَانِ بِدِرْهَمٍ أَيْ مِنْهُ، وَأَمَّا إذَا أَدَّى فَلَا يَسُوغُ حَذْفُهُ لَا يُقَالُ زَيْدٌ مَرَرْت وَهَذَا مِنْهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ شَرْطِيَّةً فَلِأَنَّ اسْمَ الشَّرْطِ أَوْ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ لَا بُدَّ فِي الْجُمْلَةِ الْوَاقِعَةِ جَوَابًا لَهُ مِنْ ضَمِيرٍ عَائِدٍ عَلَيْهِ فَتَقُولُ مَنْ يَقُمْ أَقُمْ مَعَهُ وَغُلَامُ مَنْ تُكْرِمُ أُكْرِمُهُ وَلَا يَجُوزُ مَنْ يَقُمْ أَقُمْ وَلَا غُلَامُ مَنْ تُكْرِمُ أُكْرِمُ فَكَذَا هَذَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنُدِبَ تَأْخِيرُ الْفَجْرِ) أَيْ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الْفَجْرِ وَلَا يُؤَخِّرُهَا بِحَيْثُ يَقَعُ الشَّكُّ فِي طُلُوعِ الشَّمْسِ بَلْ يُسْفِرُ بِهَا بِحَيْثُ لَوْ ظَهَرَ فَسَادُ صَلَاتِهِ يُمْكِنُهُ أَنْ يُعِيدَهَا فِي الْوَقْتِ بِقِرَاءَةٍ مُسْتَحَبَّةٍ وَقِيلَ يُؤَخِّرُهَا جِدًّا؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ مَوْهُومٌ فَلَا يُتْرَكُ الْمُسْتَحَبُّ لِأَجْلِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْأَفْضَلُ التَّعْجِيلُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ لَا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَسِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ وَوَسَطُهُ رَحْمَةُ اللَّهِ وَآخِرُهُ عَفْوُ اللَّهِ»، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ «مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي صَلَاةً لِغَيْرِ مِيقَاتِهَا إلَّا صَلَاتَيْنِ جَمَعَ بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالْمَغْرِبِ بِجَمْعٍ وَصَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ مِيقَاتِهَا بِغَلَسٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي دَاوُد بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يُصَلِّي بِنَا الْفَجْرَ وَنَحْنُ نَتَرَاءَى الشَّمْسَ مَخَافَةَ أَنْ تَكُونَ قَدْ طَلَعَتْ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَذَكَرَهُ فِي الْإِلْمَامِ؛ وَلِأَنَّ فِي الْإِسْفَارِ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ وَتَوْسِيعَ الْحَالِ عَلَى النَّائِمِ وَالضَّعِيفِ فِي إدْرَاكِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَلَسِ فِيهِ غَلَسُ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ فِي مَسْجِدِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مَصَابِيحُ وَقْتَ الصُّبْحِ أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ وَلَوْ كَانَ فِيهِ مَصَابِيحُ لَعُرِفَ فِي نِصْفِ اللَّيْلِ وَالْغَلَسُ فِي الْأَبْنِيَةِ يَسْتَمِرُّ إلَى وَقْتِ الْإِسْفَارِ جِدًّا يُقَالُ هَذَا بَيْتٌ غَلَسٌ بِالنَّهَارِ فَمَا ظَنُّك قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا تَلَفَّعَتْ بِمُرُوطِهَا لَا تُعْرَفُ فِي النَّهَارِ فَمَا ظَنُّك قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعَدَمُ مَعْرِفَتِهِنَّ وَبَقَاءُ الْغَلَسِ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّاهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ.

وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ غَلَسُ الْمَسْجِدِ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمُتَقَدِّمُ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ «وَصَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ مِيقَاتِهَا بِغَلَسٍ» وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ غَلَسِ الْمَسْجِدِ لَوَقَعَ التَّنَاقُضُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ؛ وَلِأَنَّ مَا رَوَاهُ فِعْلٌ وَمَا رَوَيْنَاهُ قَوْلٌ وَالْقَوْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفِعْلِ؛ وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ إعْلَامًا لِلْجَوَازِ فَلَا يَضُرُّنَا ذَلِكَ وَالْحَدِيثُ الثَّانِي لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْرَاهِيمَ بْنَ زَكَرِيَّا وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ وَلَئِنْ صَحَّ فَالْمُرَادُ بِهِ الْفَضْلُ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ يُرَادُ بِهِ الْفَضْلُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: ٢١٩] أَيْ الْفَضْلَ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ أَلْيَقُ هُنَا مِنْ مَعْنَى التَّجَاوُزِ لِعَدَمِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ يُبَاحُ وَفِي الْفَضْلِ رِضْوَانٌ فَلَا تَنَافِي وَحَمْلُهُمْ الْإِسْفَارَ فِيمَا رَوَيْنَاهُ عَلَى بَيَانِ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَظُهُورِهِ لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ قَبْلَ ذَلِكَ أَصْلًا وَالْحَدِيثُ يَقْتَضِي الْجَوَازَ مَعَ زِيَادَةِ الْأَجْرِ بِالْإِسْفَارِ وَلَا يُقَالُ بِأَنَّهُ يُؤْجَرُ عَلَى نِيَّتِهِ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ فَيَكُونُ أَجْرُ الْإِسْفَارِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ أَعْظَمَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَتَّبَ الْأَجْرَ عَلَى الصَّلَاةِ لَا عَلَى النِّيَّةِ فَيَكُونُ أَجْرُ الْإِسْفَارِ أَفْضَلَ مَعَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: بِشَرْطِ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَهْيِئَةِ الْعَامِلِ لِلْعَمَلِ) أَيْ فِي غَيْرِ الْمَجْرُورِ.

(قَوْلُهُ: وَهَذَا مِنْهُ) أَيْ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مِنْهُ.

[الْأَوْقَات الَّتِي يُسْتَحَبّ فِيهَا الصَّلَاة]

(قَوْلُهُ: أَيْ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الْفَجْرِ) أَيْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ صَيْفًا أَوْ شِتَاءً. اهـ. رَازِيٌّ.

(قَوْلُهُ: يُمْكِنُهُ أَنْ يُعِيدَهَا) أَيْ وَيُعِيدَ الْوُضُوءَ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ: أَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) هِيَ مُخَفَّفَةٌ مِنْ الثَّقِيلَةِ أَيْ أَنَّهُ (قَوْلُهُ: مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ) تَلَفَّعَتْ الْمَرْأَةُ بِالثَّوْبِ تَسَتَّرَتْ بِهِ وَالْمِرْطُ كِسَاءٌ مِنْ صُوفٍ أَوْ خَزٍّ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانٌ» إلَخْ) وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ رِضْوَانَ اللَّهِ تَعَالَى أَحَبُّ مِنْ عَفْوِهِ وَسَبَبُ الْأَحَبِّ أَفْضَلُ اهـ.

(قَوْلُهُ: عَفْوُ اللَّهِ) قَالَ الشَّافِعِيُّ الرِّضْوَانُ لِلْمُحِبِّينَ وَالْعَفْوُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُقَصِّرِينَ. اهـ. كَاكِيٌّ.

(قَوْلُهُ: «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ إلَى آخِرِهِ») وَالْوُجُوبُ لَيْسَ بِمُرَادٍ بِالْإِجْمَاعِ بِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى النَّدْبِ اهـ رَازِيٌّ وَأَسْفَرَ الْفَجْرُ أَضَاءَ وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ أَيْ اُدْخُلُوا صَلَاةَ الْفَجْرِ فِي وَقْتِ الْإِسْفَارِ.

(قَوْلُهُ: إلَّا صَلَاتَيْنِ إلَى آخِرِهِ) الْمَغْرِبُ وَالْفَجْرُ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْجَمْعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَاتٍ اهـ.

(قَوْلُهُ: قَبْلَ مِيقَاتِهَا) وَمَعْنَاهُ قَبْلَ وَقْتِهَا الْمُعْتَادِ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ فِعْلُهَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَلَا عِنْدَ الشَّكِّ فِي طُلُوعِهِ وَلَا حَالَ طُلُوعِهِ إجْمَاعًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لَمْ تَكُنْ مُعْتَادَةً لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَلْ الْمُعْتَادُ تَأْخِيرَ الصُّبْحِ وَأَنَّهُ عَجَّلَ بِهَا يَوْمَئِذٍ قَبْلَ وَقْتِهَا الْمُعْتَادِ. اهـ. غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ) أَيْ الْغَلَسُ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - يَدُلُّ عَلَى مُدَاوَمَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الصَّلَاةِ مَعَ الْغَلَسِ، وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الصَّلَاةِ مَعَ الْغَلَسِ إلَّا يَوْمًا اهـ.

(قَوْلُهُ: وَحَمْلُهُمْ الْإِسْفَارَ) أَيْ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ وَآخِرُ الْوَقْتِ عَفْوُ اللَّهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: مَعَ زِيَادَةِ الْأَجْرِ بِالْإِسْفَارِ) قَدْ يُقَالُ زِيَادَةُ الْأَجْرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا قَبْلَ الْوَقْتِ فَلَا يَرِدُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. اهـ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>