[بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ]
(بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (جِيرَانُهُ مُلَاصِقُوهُ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمُجَاوَرَةِ وَهِيَ الْمُلَاصَقَةُ وَلِهَذَا حُمِلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ» حَتَّى لَا يَسْتَحِقَّ الشُّفْعَةَ غَيْرُ الْمُلَاصِقِ بِالْجِوَارِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ صَرْفُهُ إلَى الْجَمِيعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِيهِ جَارُ الْمَحَلَّةِ وَجَارُ الْأَرَاضِيِ وَجَارُ الْقَرْيَةِ وَجَبَ صَرْفُهُ إلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ وَهُوَ الْمُلَاصِقُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا جَارُ الرَّجُلِ مَنْ يَسْكُنُ مَحَلَّتَهُ وَيَجْمَعُهُمْ مَسْجِدُ الْمَحَلَّةِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يُسَمُّونَ جَارًا عُرْفًا وَشَرْعًا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» فَفُسِّرَ بِكُلِّ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْوَصِيَّةِ لِلْجِيرَانِ أَنْ يَبَرَّهُمْ وَيُحْسِنَ إلَيْهِمْ وَاسْتِحْبَابُهُ يَنْتَظِمُ الْمُلَاصِقِينَ وَغَيْرَهُمْ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِاخْتِلَاطِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الِاسْمِ وَالِاخْتِلَاطُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَسْجِدِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْجَارُ إلَى أَرْبَعِينَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حَقُّ الْجَارِ أَرْبَعُونَ دَارًا» هَكَذَا وَهَكَذَا قُلْنَا هَذَا ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ فَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَيَسْتَوِي فِي الْجَارِ السَّاكِنِ وَالْمَالِكِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْعَبْدُ السَّاكِنُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ هَذَا الِاسْمِ يَتَنَاوَلُهُ وَلَا يَدْخُلُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُ وَصِيَّةٌ لِمَوْلَاهُ وَهُوَ لَيْسَ بِجَارٍ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ مَا فِي يَدِهِ وَالِاخْتِصَاصَ بِهِ ثَبَتَ لَهُ وَلَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى إلَّا بِالتَّمْلِيكِ مِنْهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ مَوْلَاهُ غَنِيًّا بِخِلَافِ الْقِنِّ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْأَرْمَلَةِ تَدْخُلُ؛ لِأَنَّ سُكْنَاهَا مُضَافٌ إلَيْهَا وَلَا تَدْخُلُ الَّتِي لَهَا بَعْلٌ؛ لِأَنَّ سُكْنَاهَا غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهَا، وَإِنَّمَا هِيَ تَبَعٌ فَلَمْ تَكُنْ جَارًا حَقِيقَةً.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَصْهَارُهُ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ امْرَأَتِهِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا تَزَوَّجَ صَفِيَّةَ أَعْتَقَ كُلَّ مَنْ مَلَكَ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا إكْرَامًا لَهَا وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ أَصْهَارَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهَذَا التَّفْسِيرُ اخْتِيَارُ مُحَمَّدٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَفِي الصِّحَاحِ الْأَصْهَارُ أَهْلُ بَيْتِ الْمَرْأَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْمَحْرَمِ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} [الفرقان: ٥٤] النَّسَبُ مَا لَا يَحِلُّ نِكَاحُهُ وَالصِّهْرُ الَّذِي يَحِلُّ نِكَاحُهُ كَبَنَاتِ الْعَمِّ وَالْخَالِ وَأَشْبَاهِهِنَّ مِنْ الْقَرَابَةِ الَّتِي يَحِلُّ تَزْوِيجُهَا وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - خِلَافُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ النَّسَبِ سَبْعًا {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: ٢٣] إلَى قَوْلِهِ {وَبَنَاتُ الأُخْتِ} [النساء: ٢٣] وَمِنْ الصِّهْرِ سَبْعًا {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: ٢٣] إلَى قَوْلِهِ {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: ٢٣] قَالَ فِي الْمُغْرِبِ عَقِيبَ ذِكْرِهِ، قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لَا ارْتِيَابَ فِيهِ هَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ، وَكَذَا يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ زَوْجَةِ أَبِيهِ وَزَوْجَةِ ابْنِهِ وَزَوْجَةِ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ أَصْهَارٌ وَشَرْطُهُ أَنْ يَمُوتَ وَهِيَ مَنْكُوحَتُهُ أَوْ مُعْتَدَّتُهُ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ لَا مِنْ بَائِنٍ سَوَاءٌ وَرِثَتْ بِأَنْ أَبَانَهَا فِي الْمَرَضِ أَوْ لَمْ تَرِثْ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يَقْطَعُ النِّكَاحَ وَالْبَائِنَ يَقْطَعُهُ، وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ الْأَصْهَارُ فِي عُرْفِهِمْ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ نِسَائِهِ الَّتِي يَمُوتُ هُوَ وَهُنَّ نِسَاؤُهُ أَوْ فِي عِدَّةٍ مِنْهُ وَفِي عُرْفِنَا أَبُو الْمَرْأَةِ وَأُمُّهَا وَلَا يُسَمَّى غَيْرُهُمَا صِهْرًا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَخْتَانُهُ زَوْجُ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ كَأَزْوَاجِ الْبَنَاتِ وَالْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ)؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يُسَمَّى خَتَنًا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ جِيرَانُهُ مُلَاصِقُوهُ) قَالَ فِي الْإِمْلَاءِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا أَوْصَى فَقَالَ ثُلُثُ مَالِي لِجِيرَانِي الْمُلَاصِقِينَ لِدَارِهِ فَكُلُّ دَارٍ كَانَتْ تَلْزَقُهُ فَالْوَصِيَّةُ لِجَمِيعِ مَنْ فِيهَا مِنْ الْمَكَانِ وَغَيْرِهِمْ عَبِيدًا كَانُوا أَوْ أَحْرَارًا نِسَاءً كَانُوا أَوْ رِجَالًا بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ ذِمَّةً كَانُوا أَوْ مُسْلِمِينَ بِالسَّوِيَّةِ قَرُبَتْ الْأَبْوَابُ أَوْ بَعُدَتْ إنْ كَانُوا مُلَازِقِينَ الدَّارَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الثُّلُثُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ وَلِغَيْرِهِمْ مِنْ الْجِيرَانِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ مِمَّنْ يَضُمُّهُمْ مَسْجِدٌ وَاحِدٌ وَجَمَاعَةٌ وَاحِدَةٌ وَدَعْوَةٌ وَاحِدَةٌ فَهَؤُلَاءِ جِيرَانُهُ فِي كَلَامِ النَّاسِ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ الْأُنْثَى وَالذَّكَرُ سَوَاءٌ وَالْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ سَوَاءٌ وَقَالَ فِي الزِّيَادَاتِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا أَوْصَى الرَّجُلُ بِثُلُثِ مَالِهِ لِجِيرَانِهِ فَالْقِيَاسُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الثُّلُثُ لِلسُّكَّانِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَسْكُنُ تِلْكَ الدُّورِ الَّتِي يَجِبُ لِأَهْلِهَا الشُّفْعَةُ وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ لَهُ دَارٌ مِنْ تِلْكَ الدُّورِ وَلَيْسَ بِسَاكِنٍ فِيهَا فَلَيْسَ مِنْ جِيرَانِهِ (قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَقَوْلُ زُفَرَ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَفُسِّرَ بِكُلِّ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي كِتَابِ التَّقْرِيبِ وَقَدْ قَالَ هِلَالٌ الرَّأْيُ أَنَّ الْجَارَ مَنْ أَسْمَعَهُ الْمُنَادِي لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ فَقِيلَ لَهُ وَمَنْ جَارُ الْمَسْجِدِ؟ قَالَ مَنْ أَسْمَعَهُ الْمُنَادِي قَالَ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ اعْتِبَارُ الْوَصِيَّةِ بِهَذَا لَجَازَ فِي الشُّفْعَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) قَالَ فِي وَجِيزِهِمْ إذَا أَوْصَى لِجِيرَانِهِ أُعْطِي أَرْبَعُونَ جَارًا مِنْ أَرْبَعَةِ جَوَانِبَ أَيْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ أَرْبَعُونَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حَقُّ الْجَارِ أَرْبَعُونَ دَارًا هَكَذَا وَهَكَذَا») الْحَدِيثَ وَقَوْلُهُ هَكَذَا وَهَكَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ خَبَرٌ لَا يُعْرَفُ وَرَاوِيهِ مَطْعُونٌ. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ صَفِيَّةُ) صَوَابُهُ جَوَيْرِيَةَ كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَأَخْتَانُهُ إلَخْ) قَالَ مُحَمَّدٌ فِي إمْلَائِهِ إذَا قَالَ قَدْ أَوْصَيْت لِأَخْتَانِي بِثُلُثِ مَالِي فَأَخْتَانُهُ زَوْجُ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ وَكُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الزَّوْجِ فَهَؤُلَاءِ أَخْتَانُهُ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ أُخْتٌ وَبِنْتُ أُخْتٍ وَخَالَةٌ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ زَوْجٌ وَلِزَوْجِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أَرْحَامٌ فَكُلُّهُمْ جَمِيعًا أَخْتَانُهُ وَالثُّلُثُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ الْأُنْثَى وَالذَّكَرُ فِيهِ سَوَاءٌ أُمُّ الزَّوْجِ وَجَدَّتُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ سَوَاءٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute