وَهُوَ إنْهَارُ الدَّمِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ ذَبَحَ أَعْلَى مِنْ الْحُلْقُومِ، أَوْ أَسْفَلَ مِنْهُ يَحْرُمُ لِأَنَّهُ ذَبَحَ فِي غَيْرِ الْمَذْبَحِ ذَكَرَهُ فِي الْوَاقِعَاتِ وَفِي فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَا يُخَالِفُ هَذَا عَنْ الْإِمَامِ الرُّسْتُغْفَنِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ سُئِلَ عَمَّنْ ذَبَحَ شَاةً فَبَقِيَتْ عُقْدَةُ الْحُلْقُومِ مِمَّا يَلِي الصَّدْرَ وَكَانَ يَجِبُ أَنْ تَبْقَى مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ أَتُؤْكَلُ أَمْ لَا قَالَ هَذَا قَوْلُ الْعَوَامّ مِنْ النَّاسِ وَلَيْسَ هَذَا بِمُعْتَبَرٍ وَيَجُوزُ أَكْلُهَا سَوَاءٌ بَقِيَتْ الْعُقْدَةُ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ، أَوْ مِمَّا يَلِي الصَّدْرَ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَنَا قَطْعُ أَكْثَرِ الْأَوْدَاجِ وَقَدْ وُجِدَ، ثُمَّ حَكَى أَنَّ شَيْخَهُ كَانَ يُفْتِي بِهِ وَهَذَا مُشْكِلٌ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَلَا الْمَرِيءِ وَأَصْحَابُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وَإِنْ اشْتَرَطُوا قَطْعَ الْأَكْثَرِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ أَحَدِهِمَا عِنْدَ الْكُلِّ، وَإِذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ عُقْدَةِ الْحُلْقُومِ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ لَمْ يَحْصُلْ قَطْعُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا يُؤْكَلْ بِالْإِجْمَاعِ، وَفِي الْوَاقِعَاتِ لَوْ قَطَعَ الْأَعْلَى أَوْ الْأَسْفَلَ، ثُمَّ عَلِمَ فَقَطَعَ مَرَّةً أُخْرَى الْحُلْقُومَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِالْأَوَّلِ يُنْظَرُ: فَإِنْ كَانَ قُطِعَ بِتَمَامِهِ لَا يَحِلُّ لِأَنَّ مَوْتَهُ بِالْأَوَّلِ أَسْرَعُ مِنْهُ بِالْقَطْعِ الثَّانِي، وَإِلَّا حَلَّ وَذَكَرَ فِي فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ: قَصَّابٌ ذَبَحَ الشَّاةَ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَقَطَعَ أَعْلَى مِنْ الْحُلْقُومِ أَوْ أَسْفَلَ مِنْهُ يَحْرُمُ أَكْلُهَا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَذْبَحُ الْمَرِيءُ وَالْحُلْقُومُ وَالْوَدَجَانِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَفْرِ الْأَوْدَاجَ بِمَا شِئْت» وَهِيَ عُرُوقُ الْحَلْقِ فِي الْمَذْبَحِ، وَالْمَرِيءُ مَجْرَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَالْحُلْقُومُ مَجْرَى النَّفَسِ وَالْمُرَادُ بِالْأَوْدَاجِ كُلُّهَا، وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ تَغْلِيبًا، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِقَطْعِهِنَّ وَهُوَ التَّوْحِيَةُ، وَإِخْرَاجُ الدَّمِ؛ لِأَنَّهُ بِقَطْعِ الْمَرِيءِ وَالْحُلْقُومِ يَحْصُلُ التَّوْحِيَةُ وَبِقَطْعِ الْوَدَجَيْنِ يَحْصُلُ إنْهَارُ الدَّمِ وَلَوْ قَطَعَ الْأَوْدَاجَ وَهِيَ الْعُرُوقُ مِنْ غَيْرِ قَطْعِ الْمَرِيءِ وَالْحُلْقُومِ لَا يَمُوتُ فَضْلًا عَنْ التَّوْحِيَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَطْعِهِمَا، أَوْ قَطْعِ أَحَدِهِمَا لِيَحْصُلَ التَّوْحِيَةُ وَلَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ الْوَدَجَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا لِيَحْصُلَ إنْهَارُ الدَّمِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَطْعُ الثَّلَاثِ كَافٍ وَلَوْ بِظُفُرٍ وَقَرْنٍ وَعَظْمٍ وَسِنٍّ مَنْزُوعٍ وَلِيطَةٍ وَمَرْوَةِ وَمَا أَنْهَرَ الدَّمَ إلَّا سِنًّا وَظُفُرًا قَائِمَيْنِ) وَهَذَا الِاكْتِفَاءُ بِالثَّلَاثِ مُطْلَقًا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ قَطْعُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
[ مَوْضِع الذَّبْح]
قَوْلُهُ: مِمَّا يَلِي الصَّدْرَ) يَعْنِي أَنَّ الذَّبْحَ وَقَعَ فَوْقَ الْعُقْدَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ حَكَى) أَيْ صَاحِبُ النِّهَايَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا مُشْكِلٌ إلَخْ) قَالَ الْجَلَالُ الْخَبَّازِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ الذَّبْحُ بَيْنَ الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ يَعْنِي مَحَلُّهُ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَعْلَى الْحَلْقِ وَوَسَطَهُ وَأَسْفَلَهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ كَمَا هُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إلَّا أَنَّ رِوَايَةَ الْجَامِعِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الذَّبْحَ فَوْقَ الْحَلْقِ قَبْلَ الْعُقْدَةِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْحَلْقَ مَحَلًّا لِلذَّبْحِ وَإِنَّهُ يَنْتَهِي بِالْعُقْدَةِ وَهَكَذَا رَوَى فِي الْفَتَاوَى وَوَضْعُ الْأَصْلِ يَقْتَضِي الْحِلَّ لِأَنَّهُ بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ، وَإِنْ كَانَ فَوْقَ الْعُقْدَةِ إلَّا أَنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيَّ فَسَّرَ رِوَايَةَ الْأَصْلِ عَلَى نَحْوِ مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ فَكَانَ الْمُرَادُ بِمَا أُطْلِقَ فِي الْأَصْلِ الْمُقَيَّدَ فِي الْجَامِعِ اهـ وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يُؤْكَلُ بِالْإِجْمَاعِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ حِكَايَةِ قَوْلِ الرُّسْتُغْفَنِيُّ وَيَجُوزُ أَكْلُهَا سَوَاءٌ بَقِيَتْ الْعُقْدَةُ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ أَوْ مِمَّا يَلِي الصَّدْرَ، وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ عِنْدَنَا قَطْعُ أَكْثَرِ الْأَوْدَاجِ مَا نَصُّهُ وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِكَوْنِ الْعُقْدَةِ مِنْ فَوْقُ أَوْ مِنْ تَحْتُ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا بَأْسَ بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ كُلِّهِ أَسْفَلِ الْحَلْقِ أَوْ وَسَطِهِ أَوْ أَعْلَاهُ فَإِذَا ذَبَحَ فِي الْأَعْلَى لَا بُدَّ أَنْ تَبْقَى الْعُقْدَةُ مِنْ تَحْتُ وَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى الْعُقْدَةِ لَا فِي كَلَامِ اللَّهِ وَلَا فِي كَلَامِ رَسُولِهِ بَلْ الذَّكَاةُ بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ بِالْحَدِيثِ وَقَدْ حَصَلَتْ لَا سِيَّمَا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِالثَّلَاثِ مِنْ الْأَرْبَعِ أَيَّ ثَلَاثٍ كَانَتْ وَيَجُوزُ تَرْكُ الْحُلْقُومِ أَصْلًا فَبِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى أَنْ يَحِلَّ الذَّبِيحُ إذَا قُطِعَ الْحُلْقُومُ وَبَقِيَتْ الْعُقْدَةُ إلَى أَسْفَلِ الْحُلْقُومِ وَبَلَغَنَا أَنَّ وَاحِدًا مِمَّنْ يَتَسَمَّى فَقِيهًا فِي زَعْمِ الْعَوَامّ وَقَدْ كَانَ مُشْتَهِرًا بَيْنَهُمْ أَمْرُ رَمْيِ الذَّبِيحِ إلَى الْكِلَابِ حَيْثُ بَقِيَتْ الْعُقْدَةُ إلَى الصَّدْرِ لَا إلَى مَا يَلِي الرَّأْسَ فَيَا لَيْتَ شِعْرِي مِمَّنْ أَخَذَ هَذَا أَمِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَلَا أَثَرَ لَهُ فِيهِ أَوْ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ وَلَمْ يُسْمَعْ لَهُ فِيهِ نَبَأٌ أَوْ مِنْ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَوْ مِنْ إمَامِهِ الَّذِي هُوَ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ ذَلِكَ أَصْلًا بَلْ الْمَنْقُولُ عَنْهُ وَعَنْ أَصْحَابِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْ ارْتَكَبَ الرَّجُلُ هَوَاهُ فَضَلَّ وَأَضَلَّ قَالَ تَعَالَى {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص: ٢٦] أَوْ اسْتَحَى عَنْ الرُّجُوعِ عَنْ الْبَاطِلِ إلَى الْحَقِّ وَخَجِلَ مِنْ الْعَوَامّ كَيْ لَا يُفْسِدَ اعْتِقَادَهُمْ فِيهِ إذَا عَمِلَ بِخِلَافِ مَا أَفْتَى أَوَّلًا فَالرُّجُوعُ إلَى الْحَقِّ خَيْرٌ مِنْ التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ اهـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي مُخَالَفَةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
(قَوْلُهُ: وَذَكَرَ فِي فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ قَصَّابٌ ذَبَحَ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ مِسْكِينٌ، وَفِي ذَبَائِحِ الذَّخِيرَةِ فَإِنَّ الذَّبْحَ إذَا وَقَعَ أَعْلَى مِنْ الْحُلْقُومِ أَوْ أَسْفَلَ مِنْهُ لَا يَحِلُّ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: وَهُوَ التَّوْحِيَةُ) هِيَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ تَفْعِلَةٌ مِنْ وَحَاهُ إذَا عَجَّلَهُ. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ بِظُفُرٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يَذْبَحُ الشَّاةَ بِظُفُرٍ مَنْزُوعٍ أَوْ بِقَرْنٍ أَوْ عَظْمٍ أَوْ سِنٍّ مَنْزُوعَةٍ فَيُنْهِرُ الدَّمَ وَيَفْرِي الْأَوْدَاجَ قَالَ أَكْرَهُ هَذَا، وَإِنْ فَعَلَ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالذَّكَاةُ فِي اللَّبَّةِ وَمَا فَوْقَ ذَلِكَ أَيْ اللَّحْيَيْنِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا بَأْسَ بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ كُلِّهِ أَسْفَلِ الْحَلْقِ أَوْ وَسَطِهِ أَوْ أَعْلَاهُ فَإِذَا كَانَتْ الذَّكَاةُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي وَصَفْنَا مَقْدُورًا عَلَيْهَا وَهِيَ فَرْيُ الْأَوْدَاجِ وَالْأَوْدَاجُ أَرْبَعَةٌ الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ وَالْعِرْقَانِ اللَّذَانِ بَيْنَهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute