للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يُجَرَّدُ إظْهَارًا لِلتَّخْفِيفِ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا قُلْنَا أَظْهَرْنَا التَّخْفِيفَ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ حَيْثُ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ أَقَلَّ الْحُدُودِ عَدَدًا وَأَخَفَّ مِنْ حَدِّ الزِّنَا وَصْفًا فَلَا يُخَفَّفُ ثَالِثًا بِتَرْكِ التَّجْرِيدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

(بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ) وَهُوَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الرَّمْيِ مُطْلَقًا وَمِنْهُ الْقَذَّافَةُ وَالْقَذِيفَةُ لِلْمِقْلَاعِ وَالتَّقَاذُفُ التَّرَامِي وَفِي الشَّرْعِ رَمْيٌ مَخْصُوصٌ وَهُوَ الرَّمْيُ بِالزِّنَا صَرِيحًا وَهُوَ الْقَذْفُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ وَشَرْطُهُ إحْصَانُ الْمَقْذُوفِ وَعَجْزُ الْقَاذِفِ عَنْ إثْبَاتِهِ بِالْبَيِّنَةِ وَلَوْ قَالَ لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ فِي الْمِصْرِ أَمْهَلَهُ الْقَاضِي إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُؤَخِّرُهُ إلَى الْمَجْلِسِ الثَّانِي وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَحَقَّقَ وَبِالتَّأْخِيرِ يَتَضَرَّرُ الْمَقْذُوفُ بِالْعَارِ وَفِي الْمَجْلِسِ لَا يُعَدُّ تَأْخِيرًا كَتَأْخِيرِهِ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْجَلَّادُ وَلَوْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِزِنًا مُتَقَادِمٍ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يُحَدَّ لِأَنَّ الزِّنَا لَمْ يَثْبُتْ بِهِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الشَّهَادَةَ وُجِدَتْ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا رُدَّتْ لِلتُّهْمَةِ فَتُعْتَبَرُ لِلدَّرْءِ عَنْ الزَّانِي لَا لِلْوُجُوبِ عَلَى الْقَاذِفِ كَشَهَادَةِ الْفُسَّاقِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ كَحَدِّ الشُّرْبِ كَمِيَّةً وَثُبُوتًا) أَيْ حَدُّ الْقَذْفِ كَحَدِّ الشُّرْبِ عَدَدًا وَهُوَ ثَمَانُونَ جَلْدَةً وَكَذَا ثُبُوتًا حَتَّى يَثْبُتَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ وَلَا تُقْبَلُ فِيهِمَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَلِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ لَا تُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ عَلَى مَا مَرَّ فِي حَدِّ الزِّنَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ قَذَفَ مُحْصَنًا أَوْ مُحْصَنَةً بِزِنًا حُدَّ بِطَلَبِهِ مُفَرَّقًا) أَيْ بِطَلَبِ الْمَقْذُوفِ مُفَرَّقًا عَلَى أَعْضَاءِ الْقَاذِفِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ) أَيْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

[بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ]

(بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ) قَدْ ذَكَرَ وَجْهَ الْمُنَاسَبَةِ فِي أَوَّلِ بَابِ حَدِّ الشُّرْبِ قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: ٢٣] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قِيلَ وَمَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَقَامَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَاجْتَنَبَ السَّبْعَ الْكَبَائِرَ نُودِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِيَدْخُلَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَ وَذُكِرَ مِنْهَا قَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ» وَتَعَلَّقَ الْحَدُّ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ مُسْتَنِدِينَ إلَى قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: ٤] وَالْمُرَادُ بِالرَّمْيِ بِالزِّنَا حَتَّى لَوْ رَمَاهُ بِسَائِرِ الْمَعَاصِي غَيْرِهِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بَلْ التَّعْزِيرُ وَفِي النَّصِّ إشَارَةٌ إلَيْهِ أَيْ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ الزِّنَا وَهُوَ اشْتِرَاطُ أَرْبَعَةٍ مِنْ الشُّهُودِ يَشْهَدُونَ عَلَيْهَا بِمَا رَمَاهَا بِهِ لِيَظْهَرَ بِهِ صِدْقُهُ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ وَلَا شَيْءَ يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُهُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ إلَّا الزِّنَا ثُمَّ ثَبَتَ وُجُوبُ جَلْدِ الْقَاذِفِ لِلْمُحْصَنِ بِدَلَالَةِ هَذَا النَّصِّ لِلْقَطْعِ بِإِلْغَاءِ الْفَارِقِ وَهُوَ صِفَةُ الْأُنُوثَةِ وَاسْتِقْلَالُ دَفْعِ عَارِ مَا نُسِبَ إلَيْهِ بِالتَّأْثِيرِ بِحَيْثُ لَا يَتَوَقَّفُ فَهْمُهُ عَلَى ثُبُوتِ أَهْلِيَّةِ الِاجْتِهَادِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَهُوَ ثَمَانُونَ جَلْدَةً) يَعْنِي فِي الْحُرِّ لِأَنَّ الْقَاذِفَ إذَا كَانَ عَبْدًا فَحَدُّهُ أَرْبَعُونَ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: ٢٥] وَلِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ عَلَى مَا مَرَّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلَوْ قَذَفَ مُحْصَنًا أَوْ مُحْصَنَةً بِزِنًا) قَالَ الْهِدَايَةُ بِصَرِيحِ الزِّنَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بِأَنْ قَالَ لِمُحْصَنٍ يَا زَانِي أَوْ لِمُحْصَنَةٍ أَوْ قَالَ يَا وَلَدَ الزِّنَا أَوْ يَا ابْنَ الزِّنَا أَوْ لَسْتَ لِأَبِيك وَأُمُّهُ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ اهـ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ مَنْ قَذَفَ أَحَدًا بِفِعْلٍ يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَى الْمَقْذُوفِ لَوْ ظَهَرَ ذَلِكَ مِنْهُ فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ بِقَوْلِ الْقَاذِفِ فَيَجِبُ الْحَدُّ ثَمَانُونَ جَلْدَةً إذَا كَانَ حُرًّا وَأَرْبَعُونَ إذَا كَانَ عَبْدًا سَوَاءٌ كَانَ الْقَاذِفُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْفِعْلُ مُوجِبًا لِلْحَدِّ عَلَى الْمَقْذُوفِ لَوْ ظَهَرَ ذَلِكَ فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ وَيَجِبُ التَّعْزِيرُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَقَوْلُهُ بِصَرِيحِ الزِّنَا يُحْتَرَزُ عَنْ الْقَذْفِ بِالْكِنَايَةِ كَقَائِلٍ صَدَقْتَ لِمَنْ قَالَ يَا زَانِي بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ هُوَ كَمَا قُلْتَ فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَلَوْ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّك زَانٍ فَقَالَ الْآخَرُ وَأَنَا أَشْهَدُ لَا حَدَّ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّ كَلَامَهُ مُحْتَمَلٌ وَلَوْ قَالَ أَنَا أَشْهَدُ بِمِثْلِ مَا شَهِدْت بِهِ حُدَّ وَيُحَدُّ بِقَوْلِهِ زَنَى فَرْجُكِ وَبِقَوْلِهِ زَنَيْتِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَمَا قَطَعَ كَلَامَهُ وَأَنْتِ مُكْرَهَةٌ بِخِلَافِهِ مَوْصُولًا وَكَذَا إذَا قَالَ لَيْسَتْ أُمِّي بِزَانِيَةٍ أَوْ أَبِي فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَسُفْيَانُ وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحِ وَقَالَ مَالِكٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ يُحَدُّ بِالتَّعْرِيضِ لِمَا رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ عُمَرُ يَضْرِبُ الْحَدَّ فِي التَّعْرِيضِ وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ جَلَدَ رَجُلًا بِالتَّعْرِيضِ وَلِأَنَّهُ إذَا عُرِفَ الْمُرَادُ بِدَلِيلِهِ مِنْ الْقَرِينَةِ صَارَ كَالصَّرِيحِ قُلْنَا لَمْ يَعْتَبِرْ الشَّارِعُ مِثْلَهُ فَإِنَّا رَأَيْنَاهُ حَرَّمَ صَرِيحَ خِطْبَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا فِي الْعِدَّةِ وَأَبَاحَ التَّعْرِيضَ فَقَالَ {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [البقرة: ٢٣٥] وَقَالَ {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: ٢٣٥] فَإِذَا ثَبَتَ فِي الشَّرْعِ نَفْيُ اتِّحَادِ حُكْمِهِمَا فِي غَيْرِ الْحَدِّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْتَبَرَ مِثْلُهُ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ الْحَدَّ الْمُحْتَاطَ فِي دَرْئِهِ وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمْ يُلْزِمْ. الْحَدَّ لِلَّذِي قَالَ إنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ» يُعَرِّضُ بِنَفْيِهِ فَغَيْرُ لَازِمٍ لِأَنَّ إلْزَامَ حَدِّ الْقَذْفِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الدَّعْوَى وَالْمَرْأَةُ لَمْ تَدَّعِ وَأُورِدَ أَنَّ الْحَدِيثَ يَثْبُتُ بِنَفْيِ النَّسَبِ وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي الْقَذْفِ وَوُرُودُهُ بِاعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ وَلَيْسَ حُجَّةً فِي الرِّوَايَاتِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا بِالِاقْتِضَاءِ وَالثَّابِتُ مُقْتَضًى كَالثَّابِتِ بِالْعِبَارَةِ وَالْحَقُّ أَنْ لَا دَلَالَةَ اقْتِضَاءٍ فِي ذَلِكَ لِمَا سَيَظْهَرُ بَلْ حَدُّهُ بِالْأَثَرِ وَالْإِجْمَاعِ فَهُوَ وَارِدٌ لَا يَنْدَفِعُ وَلَا فَرْقَ فِي ثُبُوتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>