للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا أَوْ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا عَلَى مَا بَيَّنَّا فَإِنْ قِيلَ: إذَا بَطَلَتْ الثَّمَنِيَّةُ وَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا؛ لِأَنَّ النُّحَاسَ مَوْزُونٌ وَإِنَّمَا صَارَ مَعْدُودًا بِالِاصْطِلَاحِ عَلَى الثَّمَنِيَّةِ فَإِذَا بَطَلَتْ الثَّمَنِيَّةُ عَادَ إلَى أَصْلِهِ مَوْزُونًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا قُلْنَا لَا يَعُودُ مَوْزُونًا؛ لِأَنَّ اصْطِلَاحَهُمَا عَلَى الْعَدِّ بَاقٍ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ الثَّمَنِيَّةِ بُطْلَانُ الْعَدِّ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ مَعْدُودٍ لَا يَكُونُ ثَمَنًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَوَانِيَ مِنْ النُّحَاسِ أَوْ نَحْوِهِ غَيْرَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا إذَا كَانَتْ فِي اصْطِلَاحِهِمْ مَعْدُودَةً وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي كَوْنِهِ مَوْزُونًا أَوْ مَكِيلًا فِي غَيْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ الْعُرْفُ بِخِلَافِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ كَالْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمُسْتَنْبَطَةَ لَا تُعْتَبَرُ فِي مَحَلِّ النَّصِّ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا بِالنَّصِّ وَلِهَذَا إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ الْمُسْتَنْبَطَةُ قَاصِرَةً لَا تُعْتَبَرُ أَصْلًا بِخِلَافِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ اصْطِلَاحُهُمَا عَلَى الْعَدِّ لَمْ يَعُدْ وَزْنِيًّا فَجَازَ مُتَفَاضِلًا وَلَا يُقَالُ إذَا كَسَدَتْ الْفُلُوسُ بِاتِّفَاقِ الْكُلِّ لَا تَكُونُ ثَمَنًا بِاصْطِلَاحِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ حَتَّى لَا تَجْرِي فِيهَا أَحْكَامُ الْأَثْمَانِ فِي حَقِّهِمَا فَكَذَا إلَّا تَكُونُ عُرُوضًا أَيْضًا بِاصْطِلَاحِهِمَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْأَصْلُ فِيهَا أَنْ تَكُونَ عُرُوضًا فَاصْطِلَاحُهُمَا عَلَى الثَّمَنِيَّةِ بَعْدَ الْكَسَادِ مُخَالِفٌ لِلْأَصْلِ وَلِرَأْيِ الْجَمَاعَةِ فَلَا يَصِحُّ بِخِلَافِ اصْطِلَاحِهِمَا عَلَى جَعْلِهَا عُرُوضًا؛ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْأَصْلِ فَيَصِحُّ وَإِنْ كَانَ فِيهِ خِلَافُ رَأْيِ الْكُلِّ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَاللَّحْمُ بِالْحَيَوَانِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْحَيَوَانِ مِنْ جِنْسِهِ إلَّا إذَا كَانَ اللَّحْمُ الْمُفْرَزُ أَكْثَرَ مِمَّا فِي الْحَيَوَانِ لِيَكُونَ قَدْرُهُ مُقَابَلًا بِاللَّحْمِ وَالزَّائِدُ بِالسَّقَطِ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ رَوَاهُ فِي الْمُوَطَّإِ وَلِأَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ نَسِيئَةً فَكَذَا: مُتَفَاضِلًا كَالزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ وَلَهُمَا أَنَّهُ بَيْعُ الْمَعْدُودِ بِالْمَوْزُونِ فَيَجُوزُ مُتَفَاضِلًا لِاخْتِلَافِهِمَا جِنْسًا وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَيْسَتْ فِيهِ مَالِيَّةُ اللَّحْمِ إذْ هِيَ مُعَلَّقَةٌ بِفِعْلٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ الذَّكَاةُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ انْتِفَاعُ اللَّحْمِ فَصَارَ جِنْسًا آخَرَ غَيْرَ اللَّحْمِ وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون: ١٤] أَيْ بِنَفْخِ الرُّوحِ فَإِذَا كَانَ جِنْسًا آخَرَ جَازَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا بِخِلَافِ الزَّيْتِ مَعَ الزَّيْتُونِ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ إذْ الزَّيْتُ مَوْجُودٌ فِيهِ لِلْحَالِ وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَتِرٌ وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ.

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَمَّا بَيْعُ الْفَلْسِ بِالْفَلْسَيْنِ فَهُوَ عَلَى وُجُوهٍ إمَّا إنْ كَانَا دَيْنَيْنِ أَوْ عَيْنَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا دَيْنًا فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا دَيْنًا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَا دَيْنَيْنِ لِهَذَا الْمَعْنَى وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهْي عَنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَيْنًا جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ اسْتِحْسَانًا وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ قَالُوا هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفُلُوسَ هَلْ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ أَمْ لَا فَعِنْدَهُمَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ يَنْتَقِضُ الْعَقْدُ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُعْطِي غَيْرَهُ لَا يَجُوزُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَتَعَيَّنُ اهـ وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ صُوَرَ بَيْعِ الْفَلْسِ بِالْفَلْسَيْنِ أَرْبَعٌ: الْأُولَى أَنْ يَبِيعَ فَلْسًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ بِفَلْسَيْنِ بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا الثَّانِيَةُ أَنْ يَبِيعَ فَلْسًا بِعَيْنِهِ بِفَلْسَيْنِ بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا الثَّالِثَةُ أَنْ يَبِيعَ فَلْسَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا بِفَلْسٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ الرَّابِعَةُ أَنْ يَبِيعِ فَلْسًا بِعَيْنِهِ بِفَلْسَيْنِ بِعَيْنِهِمَا وَهَذِهِ الصُّورَةُ فِيهَا خِلَافٌ وَالصُّوَرُ الثَّلَاثَةُ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ جَوَازِهَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا غَيْرَ مُتَعَيِّنَيْنِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْوَاحِدِ بِالِاثْنَيْنِ؛ لِأَنَّهُ كَالِئٌ بِكَالِئٍ وَهُوَ حَرَامٌ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ عَيْنٍ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ اهـ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ اصْطِلَاحَهُمَا عَلَى الْعَدِّ بَاقٍ) إذْ فِي نَقْضِهِ فِي حَقِّ الْعَدِّ فَسَادُ الْعَقْدِ وَهُمَا قَصَدَا صِحَّةَ الْعَقْدِ لَا فَسَادَهُ وَلَا صِحَّةَ لِلْعَقْدِ إلَّا بَعْدَ بُطْلَانِ الثَّمَنِيَّةِ فَكَانَ لَهُمَا نَقْضُهَا فَإِذَا عَادَ مُثَمَّنًا جَازَ بَيْعُ الْوَاحِدِ بِالِاثْنَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَدَدِيَّ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَنًا جَازَ بَيْعُهُ كَذَلِكَ كَالثَّوْبِ بِالثَّوْبَيْنِ وَالْجَوْزَةِ بِالْجَوْزَتَيْنِ. اهـ. هِدَايَةٌ وَشَرْحُهَا لِلْأَتْقَانِيِّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمُسْتَنْبَطَةَ لَا تُعْتَبَرُ فِي مَحَلِّ النَّصِّ)؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ صِيرَ إلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِالْمَنْقُولِ إلَى شُبْهَتِهِ فِي الْفَرْعِ وَلَا حُجَّةَ إلَيْهِ فِي الْأَصْلِ لِوُجُودِ النَّصِّ فِيهِ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ الْمُسْتَنْبَطَةُ قَاصِرَةً) وَمَعْنَى الْقَاصِرَةِ أَنْ لَا تَتَعَدَّى الْعِلَّةُ إلَى الْفَرْعِ بِأَنْ لَا تُوجَدَ تِلْكَ الْعِلَّةُ إلَّا فِي الْأَصْلِ كَتَعْلِيلِ الشَّافِعِيِّ بِالثَّمَنِيَّةِ مَثَلًا اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

[بَيْع اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ]

(قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْحَيَوَانِ مِنْ جِنْسِهِ) بِأَنْ بَاعَ لَحْمَ الشَّاةِ بِالشَّاةِ اهـ أَمَّا إذَا كَانَ بِلَحْمٍ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ جَازَ كَيْفَمَا كَانَ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ عَيْنًا بِعَيْنٍ عِنْدَنَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَقَوْلُهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ بِأَنْ بَاعَ لَحْمَ الْبَقَرِ بِالشَّاةِ وَمَا أَشْبَهَهُ اهـ وَقَوْلُهُ جَازَ أَيْ بِالِاتِّفَاقِ اهـ (قَوْلُهُ وَالزَّائِدُ بِالسَّقَطِ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْمُرَادُ بِالسَّقَطِ مَا لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ اللَّحْمِ كَالْكَرِشِ وَالْمِعْلَاقِ وَالْجِلْدِ وَالْأَكَارِعِ اهـ (قَوْلُهُ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ) فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ مُطْلَقًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخِرِ نَسِيئَةً) لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ جَوَازِهِ نَسِيئَةً أَنْ لَا يَجُوزَ مُتَفَاضِلًا كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ اهـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَيَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ قَالَ الْكَمَالُ: سَوَاءٌ كَانَ اللَّحْمُ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ أَوْ لَا مُسَاوِيًا لِمَا فِي الْحَيَوَانِ أَمْ لَا يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ أَمَّا بِالنَّسِيئَةِ فَلَا لِامْتِنَاعِ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ وَاللَّحْمِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّهُ بَيْعُ الْمَعْدُودِ إلَخْ) قَالَ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَنَا أَنَّهُ بَاعَ مَوْزُونًا بِغَيْرِ مَوْزُونٍ فَيَصِحُّ كَيْفَمَا كَانَ وَالنَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا نَسِيئَةً وَلِهَذَا قُيِّدَ بِهِ فِي رِوَايَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون: ١٤] فَعُلِمَ أَنَّ الْحَيَّ مَعَ الْجَمَادِ جِنْسَانِ. اهـ. فَتْحٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>