للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ نَسِيئَةً؛ لِأَنَّ الْمُتَأَخِّرَ مِنْهُمَا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي بَابِ السَّلَمِ لَا لِأَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا بِيعَ بِغَيْرِهِ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ أَيْضًا وَلَوْ كَانَ الْمَذْبُوحُ غَيْرَ مَسْلُوخٍ وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ عِنْدَهُ أَيْضًا عَلَى وَجْهِ الِاعْتِبَارِ بِأَنْ يُجْعَلَ لَحْمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجِلْدِ الْآخَرِ كَمَا قَالُوا فِي شَاتَيْنِ مَذْبُوحَتَيْنِ غَيْرَ مَسْلُوخَتَيْنِ بِيعَتْ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْكِرْبَاسُ بِالْقُطْنِ) وَكَذَا بِالْغَزْلِ كَيْفَمَا كَانَ لِاخْتِلَافِهِمَا جِنْسًا؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ لَا يُنْقَضُ فَيَعُودُ غَزْلًا أَوْ قُطْنًا وَكَذَا الْقُطْنُ وَالْغَزْلُ مَوْزُونَانِ وَالثَّوْبُ لَيْسَ بِمَوْزُونٍ وَلَوْ بَاعَ الْقُطْنَ بِغَزْلِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ: جَازَ كَيْفَمَا كَانَ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْغَزْلَ لَا يُنْقَضُ فَيَعُودُ قُطْنًا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَجُوزُ إلَّا مُتَسَاوِيًا؛ لِأَنَّ غَزْلَ الْقُطْنِ قُطْنٌ؛ لِأَنَّ الْقُطْنَ غَزْلُ دِقَاقٍ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَظْهَرُ وَلَوْ بَاعَ الْمَحْلُوجَ بِغَيْرِ الْمَحْلُوجِ جَازَ إذَا عُلِمَ أَنَّ الْخَالِصَ أَكْثَرُ مِمَّا فِي الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ لَا يَدْرِي لَا يَجُوزُ وَلَوْ بَاعَ الْقُطْنَ غَيْرَ الْمَحْلُوجِ بِحَبِّ الْقُطْنِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْحَبُّ الْخَالِصُ أَكْثَرَ مِنْ الْحَبِّ الَّذِي فِي الْقُطْنِ حَتَّى يَكُونَ قَدْرَهُ مُتَقَابِلًا بِهِ وَالزَّائِدُ بِالْقُطْنِ وَكَذَا لَوْ بَاعَ شَاةً عَلَى ظَهْرِهَا صُوفٌ أَوْ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ بِصُوفٍ أَوْ بِلَبَنٍ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الصُّوفُ أَوْ اللَّبَنُ أَكْثَرَ مِمَّا عَلَى الشَّاةِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى وَهُوَ نَظِيرُ بَيْعِ الزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ عَلَى مَا يَجِيءُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (: وَالرُّطَبُ بِالرُّطَبِ أَوْ بِالتَّمْرِ مُتَمَاثِلًا وَالْعِنَبُ بِالزَّبِيبِ) يَعْنِي مُتَمَاثِلًا أَيْضًا أَمَّا الرُّطَبُ بِالتَّمْرِ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ سُئِلَ عَنْهُ أَيَنْقُصُ إذَا جَفَّ فَقِيلَ: نَعَمْ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا إذًا فَأَفْسَدَ الْبَيْعَ وَأَشَارَ إلَى الْعِلَّةِ وَهِيَ النُّقْصَانُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْعَقْدِ الْمُمَاثَلَةُ فِي أَعْدَلِ الْأَحْوَالِ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْجَفَافِ لَا فِي الْحَالِ فَصَارَ نَظِيرَ بَيْعِ الدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلتَّفَاوُتِ بَعْدَ الطَّحْنِ وَلَهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» وَالرُّطَبُ تَمْرٌ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِالتَّمْرِ مُتَمَاثِلًا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ تَمْرٌ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أُهْدِيَ إلَيْهِ رُطَبٌ قَالَ أَوَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا» وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يُزْهِي فَقِيلَ: وَمَا يُزْهِي قَالَ: يَحْمَرُّ» وَهُوَ اسْمٌ لَهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يَنْعَقِدُ إلَى أَنْ يُدْرِكَ وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ تَمْرًا جَازَ بَيْعُهُ بِهِ بِأَوَّلِ.

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمُتَأَخِّرَ مِنْهُمَا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ اللَّحْمُ أَوْ الْحَيَوَانُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْمَذْبُوحُ غَيْرَ مَسْلُوخٍ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ كَانَتْ الشَّاةُ مَذْبُوحَةً غَيْرَ مَسْلُوخَةٍ فَاشْتَرَاهَا بِلَحْمِ الشَّاةِ فَالْجَوَابُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ وَأَرَادَ بِالْمَذْبُوحَةِ غَيْرَ الْمَفْصُولَةِ مِنْ السَّقَطِ وَلَوْ اشْتَرَى شَاةً حَيَّةً بِشَاةٍ مَذْبُوحَةٍ يَجُوزُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يُشْكِلُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهَا بِاللَّحْمِ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ فَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَاهَا بِشَاةٍ مَذْبُوحَةٍ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّمَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَحْمٌ بِلَحْمٍ وَزِيَادَةُ اللَّحْمِ فِي أَحَدِهِمَا مَعَ سَقَطِهَا بِإِزَاءِ سَقَطِ الْأُخْرَى فَلَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا فَيَجُوزُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

(قَوْلُهُ وَلَوْ بَاعَ الْقُطْنَ بِغَزْلِهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَاخْتَلَفُوا فِي الْقُطْنِ بِغَزْلِهِ وَالْكِرْبَاسُ بِالْقُطْنِ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ بِالْإِجْمَاعِ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْقُطْنِ بِغَزْلِهِ أَيْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي بَيْعِ الْقُطْنِ بِغَزْلِ الْقُطْنِ مُتَسَاوِيًا وَزْنًا قَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُمَا وَاحِدٌ وَكِلَاهُمَا مَوْزُونٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ صَاحِبُ خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى؛ لِأَنَّ الْقُطْنَ يَنْقُصُ إذَا غُزِلَ فَصَارَ كَالْحِنْطَةِ مَعَ الدَّقِيقِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ بَاعَ الْمَحْلُوجَ بِغَيْرِ الْمَحْلُوجِ جَازَ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْخَالِصَ أَكْثَرُ مِمَّا فِي الْآخَرِ) لِيَكُونَ الزَّائِدُ مُقَابِلَ الْحَبِّ. اهـ. .

(قَوْلُهُ وَالْعِنَبُ بِالزَّبِيبِ إلَخْ) وَأَمَّا الرُّطَبُ بِالرُّطَبِ فَيَجُوزُ مُتَمَاثِلًا كَيْلًا وَكَذَا الْعِنَبُ بِالْعِنَبِ يَجُوزُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْمُزَنِيِّ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ) وَقَدْ تَفَرَّدَ أَبُو حَنِيفَةَ بِالْقَوْلِ بِالْجَوَازِ اهـ فَتْحٌ قَالَ عَلَاءُ الدِّينِ: الْعَالِمُ فِي طَرِيقَتِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مُتَسَاوِيًا كَيْلًا يَجُوزُ وَقَالَ الْبَاقُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَا يَجُوزُ وَأَجْمَعُوا أَنَّ بَيْعَ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ مُتَفَاضِلًا لَا يَجُوزُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَا: لَا يَجُوزُ) وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْجَفَافِ) وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالرُّطَبُ تَمْرٌ) فَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ كَيْلًا بِكَيْلٍ جَائِزٌ وَكَذَا الرُّطَبُ بِالتَّمْرِ إلَّا أَنَّ الرُّطَبَ اخْتَصَّ بِاسْمٍ خَاصٍّ كَالْبَرْنِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ حِينَ أُهْدِيَ إلَيْهِ رُطَبٌ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْهَدِيَّةَ كَانَتْ تَمْرًا أَلَا تَرَى إلَى مَا حَدَّثَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ فَجَاءَ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَوَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ فَقَالَ: لَا، وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَلَا تَفْعَلْ بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا» قَالَ صَاحِبُ الْفَائِقِ: الْجَمْعُ صُنُوفٌ مِنْ التَّمْرِ تُجْمَعُ وَالْجَنِيبُ لَوْنٌ مِنْهُ جَيِّدٌ وَكَانُوا يَبْتَاعُونَ صَاعَيْنِ مِنْ الْجَمْعِ بِصَاعٍ مِنْ الْجَنِيبِ فَقَالَ ذَلِكَ تَنْبِيهًا لَهُمْ عَلَى الرِّبَا اهـ (قَوْلُهُ «قَالَ: أَوَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا») فَسَمَّاهُ أَيْ الرُّطَبَ تَمْرًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ) فِيهِ نَظَرٌ إذْ الثَّمَرَةُ أَعَمُّ مِنْ التَّمْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ تَمْرًا إلَخْ) هَذَا اللَّفْظُ يُحْكَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ دَخَلَ بَغْدَادَ وَكَانُوا أَشِدَّاءَ عَلَيْهِ لِمُخَالَفَةِ الْخَبَرِ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ الرُّطَبُ إمَّا أَنْ يَكُونَ تَمْرًا أَوْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ كَانَ تَمْرًا جَازَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ» وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَازَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» فَأُورِدَ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ فَقَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ دَارَ عَلَى زَيْدِ بْنِ عَيَّاشٍ وَزَيْدُ بْنُ عَيَّاشٍ مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ حَدِيثُهُ وَأَبْدَلَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ ضَعِيفٌ عِنْدَ النَّقَلَةِ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>