للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَرَفَ الْمَالِكَ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَوَجْهِهِ وَعَرَفَ الْمِلْكَ بِحُدُودِهِ وَرَآهُ فِي يَدِهِ بِلَا مُنَازَعَةِ أَحَدٍ ثُمَّ رَآهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ بَعْدُ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ لِلْأَوَّلِ بِالْمِلْكِ إذَا ادَّعَاهُ بِنَاءً عَلَى يَدِهِ، وَالثَّانِي أَنْ يُعَايِنَ الْمِلْكَ دُونَ الْمَالِكِ بِأَنْ عَايَنَ مِلْكًا بِحُدُودِهِ يُنْسَبُ إلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ وَهُوَ لَمْ يَعْرِفْهُ بِوَجْهِهِ وَنَسَبِهِ ثُمَّ جَاءَ الَّذِي نُسِبَ إلَيْهِ الْمِلْكُ وَادَّعَى أَنَّ الْمَحْدُودَ مِلْكُهُ عَلَى شَخْصٍ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِالتَّسَامُعِ فَصَارَ الْمَالِكُ مَعْلُومًا بِالتَّسَامُعِ، وَالْمِلْكُ بِالْمُعَايَنَةِ وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْ مِثْلَ هَذَا لَضَاعَ حُقُوقُ النَّاسِ؛ لِأَنَّ فِيهِمْ الْمَحْجُوبَ وَمَنْ لَا يُبْرِزْ أَصْلًا وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَرَاهُ مُتَصَرِّفًا فِيهِ وَلَيْسَ هَذَا إثْبَاتُ الْمِلْكِ بِالتَّسَامُعِ، وَإِنَّمَا هُوَ إثْبَاتُ النَّسَبِ بِالتَّسَامُعِ وَفِي ضِمْنِهِ إثْبَاتُ الْمِلْكِ بِهِ وَهُوَ لَا يَمْتَنِعُ، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ إثْبَاتُهُ قَصْدًا.

وَالثَّالِثُ أَنْ لَا يُعَايِنَ الْمِلْكَ وَلَا الْمَالِكَ وَلَكِنْ سَمِعَ مِنْ النَّاسِ أَنَّهُمْ قَالُوا لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ ضَيْعَةٌ فِي قَرْيَةِ كَذَا حُدُودُهَا كَذَا وَهُوَ لَا يَعْرِفُ تِلْكَ الضَّيْعَةَ وَلَمْ يُعَايِنْ يَدَهُ عَلَيْهَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِالْمِلْكِ، وَالرَّابِعُ أَنْ يُعَايِنَ الْمَالِكَ دُونَ الْمِلْكِ بِأَنْ عَرَفَ الرَّجُلَ مَعْرِفَةً تَامَّةً وَسَمِعَ أَنَّ لَهُ فِي قَرْيَةِ كَذَا ضَيْعَةً وَهُوَ لَا يَعْرِفُ تِلْكَ الضَّيْعَةَ بِعَيْنِهَا لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْعِلْمُ بِالْمَحْدُودِ وَهُوَ شَرْطٌ لِلشَّهَادَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَقَوْلُهُ سِوَى الرَّقِيقِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ فِي الرَّقِيقِ إذَا رَآهُ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ لِلرَّقِيقِ يَدًا عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى إذَا ادَّعَى أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَلَا يَثْبُتُ لِغَيْرِهِ عَلَيْهِ يَدٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ حَتَّى يُعْتَبَرَ لِإِطْلَاقِ الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ التَّصَرُّفُ وَهُوَ الِاسْتِخْدَامُ لِإِطْلَاقِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ أَيْضًا يُسْتَخْدَمُ طَائِعًا كَالْعَبْدِ فَلَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى الْمِلْكِ وَفِي الْكَافِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ فِي الرَّقِيقِ أَيْضًا وَفِي الْهِدَايَةِ جَعَلَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَوَجْهُهُ أَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ مُطْلَقًا أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ ادَّعَى رَقِيقًا فِي يَدِ غَيْرِهِ وَذُو الْيَدِ يَدَّعِيهِ لِنَفْسِهِ كَانَ الْقَوْلُ لِذِي الْيَدِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ بِالْمِلْكِ وَهُوَ قِيَامُ يَدِهِ عَلَيْهِ هَذَا إذَا كَانَ الرَّقِيقُ مُمَيِّزًا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَمْ يَعْرِفْ بِالرِّقِّ، وَإِنْ كَانَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالرِّقِّ جَازَ لَهُ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ إذَا رَآهُ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ أَوْ الصَّغِيرَ الَّذِي لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ يَكُونُ فِي يَدِ غَيْرِهِ إذْ لَا يَدَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَصَارَ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ لَهُ بِالتَّسَامُعِ أَوْ بِمُعَايَنَةِ الْيَدِ لَا تُقْبَلُ) أَيْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ بِالتَّسَامُعِ فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ لَهُ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ أَوْ فَسَّرَ أَنَّهُ يَشْهَدُ لَهُ بِالْمِلْكِ بِرُؤْيَتِهِ فِي يَدِهِ فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ لَهُ الشَّهَادَةُ بِرُؤْيَتِهِ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ التَّسَامُعَ أَوْ الرُّؤْيَةَ فِي الْيَدِ مُجَوِّزٌ لِلشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ، وَالْقَاضِي يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِالْمِلْكِ بِالشَّهَادَةِ إذَا كَانَتْ عَنْ عِيَانٍ وَمُشَاهَدَةٍ أَوْ إطْلَاقٍ لِاحْتِمَالِ الْمُشَاهَدَةِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَتْ عَنْ تَسَامُعٍ أَوْ رُؤْيَةٍ فِي يَدِهِ فَلَا يَزِيدُهُ عِلْمًا فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِسَمَاعِ نَفْسِهِ وَلَوْ تَوَاتَرَ عِنْدَهُ وَلَا بِرُؤْيَةِ نَفْسِهِ فِي يَدِ إنْسَانٍ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَجُوزَ بِسَمَاعِ غَيْرِهِ أَوْ بِرُؤْيَةِ غَيْرِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ بِمَا تَجِبُ بِهِ الشَّهَادَةُ وَفِيمَا لَا تَجِبُ لَا يَجِبُ فَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ الشَّهَادَةُ فِيمَا لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِهِ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا لِلضَّرُورَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَبَقِيَ الْقَضَاءُ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ شَهِدَ أَنَّهُ حَضَرَ دَفْنَ فُلَانٍ أَوْ صَلَّى عَلَى جِنَازَتِهِ فَهُوَ مُعَايَنَةٌ حَتَّى لَوْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي قُبِلَ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ إلَّا بِمَا عَلِمَ فَوَجَبَ قَبُولُهَا لِدُخُولِهِ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: ٨٦] وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا} [يوسف: ٨١] وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى) وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قُبِلَ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ التَّسَامُعُ وَهُوَ رِوَايَةٌ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ لِلْأَوَّلِ بِالْمِلْكِ إذَا ادَّعَاهُ بِنَاءً عَلَى يَدِهِ) وَظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِلْكِ الْمَمْلُوكُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ تَمْنَعُ جَوَازَ الشَّهَادَةِ فَكَذَا فِي الْمَشْهُودِ لَهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ إلَخْ)؛ لِأَنَّهُ مُجَازِفٌ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ فُسِّرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ لَهُ بِالتَّسَامُعِ أَوْ بِمُعَايَنَةِ الْيَدِ لَا تُقْبَلُ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ شَهِدُوا بِالْمِلْكِ وَقَالُوا شَهِدْنَا؛ لِأَنَّا رَأَيْنَاهُ فِي يَدِهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ. اهـ.

[بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ]

(بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ) لَمَّا ذَكَرَ مَا تُسْمَعُ فِيهِ الشَّهَادَةُ وَمَا لَا تُسْمَعُ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ تُسْمَعُ مِنْهُ الشَّهَادَةُ وَمَنْ لَا تُسْمَعُ إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ شَرْطٌ وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ كَالطَّهَارَةِ فِي الصَّلَاةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَأَخَّرَهُ؛ لِأَنَّ الْمَحَالَّ شُرُوطٌ وَالشَّرْطُ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِذَاتِهِ وَالْأَصْلُ أَنَّ التُّهْمَةَ تُبْطِلُ الشَّهَادَةَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا شَهَادَةَ لِمُتَّهَمٍ» وَالتُّهْمَةُ تَثْبُتُ مَرَّةً بِعَدَمِ الْعَدَالَةِ وَمَرَّةً بِعَدَمِ التَّمْيِيزِ مَعَ قِيَامِ الْعَدَالَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى) أَيْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ عَمِيَ قَبْلَ التَّحَمُّلِ أَوْ بَعْدَهُ فِيمَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ فِيهِ بِالتَّسَامُعِ أَوْ لَا تَجُوزُ. اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ شَهَادَةَ الْأَعْمَى لَا تَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ كَانَ بَصِيرًا عِنْدَ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ أَعْمَى عِنْدَ الْأَدَاءِ أَوْ أَعْمَى فِي الْحَالَيْنِ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا كَانَ بَصِيرًا عِنْدَ التَّحَمُّلِ أَعْمَى عِنْدَ الشَّهَادَةِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي غَيْرِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى كَذَا ذُكِرَ الْخِلَافُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْحَصْرِ وَكَذَا ذُكِرَ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فِي أَدَبِ الْقَاضِي وَفِي الْأَسْرَارِ وَلَكِنْ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ كَذَلِكَ وَذَكَرَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْقُدُورِيُّ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ بَلْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ بِلَا خِلَافٍ كَمَا تَرَى وَلَكِنْ قَالَ فِي الْكِتَابِ الْمُسَمَّى بِالتَّقْرِيبِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ إذَا تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ وَهُوَ بَصِيرٌ ثُمَّ عَمِيَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تُقْبَلُ إلَى هُنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>