عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ يُسَاوِي الْبَصِيرَ فِي السَّمَاعِ إذْ لَا خَلَلَ فِي سَمْعِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: يَجُوزُ إذَا كَانَ بَصِيرًا وَقْتَ التَّحَمُّلِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْمُعَايَنَةِ وَهُوَ الْعِلْمُ، وَالْأَدَاءُ يَخْتَصُّ بِالْقَوْلِ وَلِسَانُهُ صَحِيحٌ فَصِيحٌ، وَالتَّعْرِيفُ يَحْصُلُ بِالنِّسْبَةِ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا خَلَلَ فِي حِفْظِهِ وَلَمْ يَفُتْ فِي حَقِّهِ إلَّا الْإِشَارَةُ وَذِكْرُ الِاسْمِ يَقُومُ مَقَامَهَا عِنْدَ تَعَذُّرِهَا كَمَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَقَالَ مَالِكٌ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مُطْلَقًا كَالْبَصِيرِ وَلَنَا أَنَّ الْأَدَاءَ يَفْتَقِرُ إلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إلَّا بِالنَّغْمَةِ فَيُخْشَى عَلَيْهِ التَّلْقِينُ مِنْ الْخَصْمِ إذْ النَّغْمَةُ تُشْبِهُ النَّغْمَةَ وَرُبَّمَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِي الِاسْمِ، وَالنَّسَبِ فَكَانَ فِيهِ شُبْهَةٌ وَهَذِهِ الشُّبْهَةُ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا بِحَبْسِ الشُّهُودِ، وَالنِّسْبَةِ لِتَعْرِيفِ الْغَائِبِ دُونَ الْحَاضِرِ فَصَارَ كَالْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ بِخِلَافِ وَطْءِ امْرَأَتِهِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ مَعَ هَذِهِ الشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَفِيهِ ضَرُورَةٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى اقْتِضَاءِ الشَّهْوَةِ وَبَقَاءِ النَّسْلِ وَلِأَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ فَيُعْتَمَدُ عَلَى خَبَرِ الْمَرْأَةِ وَكَذَا إذَا عَمِيَ بَعْدَ الْأَدَاءِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْأَهْلِيَّةِ شَرْطٌ وَقْتَ الْقَضَاءِ لِتَصِيرَ حُجَّةً فَصَارَ كَمَا إذَا خَرِسَ أَوْ جُنَّ أَوْ فَسَقَ أَوْ ارْتَدَّ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتُوا أَوْ غَابُوا؛ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ تَنْتَهِي بِالْمَوْتِ وَبِالْغَيْبَةِ بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَالْمَمْلُوكِ، وَالصَّبِيِّ)؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ إلْزَامِ الْغَيْرِ وَلَيْسَ مَعْنَى الْوِلَايَةِ سِوَى هَذَا، وَالْأَصْلُ وِلَايَةُ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمَا الْوِلَايَةُ عَلَى الْغَيْرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنْ يَتَحَمَّلَا فِي الرِّقِّ، وَالصِّغَرِ وَأَدَّيَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ، وَالْبُلُوغِ)؛ لِأَنَّهُمَا أَهْلٌ لِلتَّحَمُّلِ؛ لِأَنَّ التَّحَمُّلَ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَالسَّمَاعِ وَيَبْقَى إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ بِالضَّبْطِ وَهُمَا لَا يُنَافِيَانِ ذَلِكَ وَعِنْدَ الْأَدَاءِ هُمَا أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَالْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ، وَإِنْ تَابَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: ٤] وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا تَابَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [البقرة: ١٦٠]، وَالِاسْتِثْنَاءُ إذَا تَعَقَّبَ جُمْلَةً بَعْضُهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى بَعْضٍ يَنْصَرِفُ إلَى الْكُلِّ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَعَبْدُهُ حُرٌّ وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ الدَّارَ فَهُوَ مُنْصَرِفٌ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَلِأَنَّ هَذَا افْتِرَاءٌ عَلَى عَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالِافْتِرَاءُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ كُفْرٌ لَا يُوجِبُ رَدَّ الشَّهَادَةِ عَلَى التَّأْبِيدِ بَلْ إذَا أَسْلَمَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَهَذَا أَوْلَى. وَلِأَنَّهُ
لَوْ تَابَ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَا جَائِزَ أَنْ تَكُونَ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهِ هِيَ الْمُوجِبَةَ لِرَدِّ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْغَيْرِ بِهِ وَهُوَ مُطَهِّرٌ أَيْضًا فَلَا يَصْلُحُ مَنَاطًا لِرَدِّ الشَّهَادَةِ فَتَعَيَّنَ الرَّدُّ لِفِسْقِهِ وَلَنَا مَا تَلَوْنَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
لَفْظُ التَّقْرِيبِ ثُمَّ قَالَ فِيهِ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ شُجَاعٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ جَوَازَ شَهَادَةِ الْأَعْمَى فِي النَّسَبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَقَعُ بِالِاسْتِفَاضَةِ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى نَظَرٍ وَمُعَايَنَةٍ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْأَسْرَارِ وَعِنْدَ زُفَرَ يَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى فِيمَا تَجُوزُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالِاسْتِفَاضَةِ كَالنَّسَبِ وَالْمَوْتِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ اهـ.
(فَرْعٌ لَطِيفٌ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَوَاخِرِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي مَا نَصُّهُ وَلَوْ شَهِدَ ذِمِّيٌّ عَلَى ذِمِّيٍّ وَلَمْ يُنَفِّذْ الْحَاكِمُ الشَّهَادَةَ حَتَّى أَسْلَمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فَالشَّهَادَةُ تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تَصِيرُ حُجَّةً عِنْدَ اتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا وَعِنْدَ اتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا الشَّاهِدُ كَافِرٌ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ فَلَا تَصِيرُ حُجَّةً، وَإِنْ أَسْلَمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحُكْمِ فَالْحُكْمُ مَاضٍ عَلَيْهِ وَيُؤْخَذُ بِالْحُقُوقِ كُلِّهَا إلَّا الْحُدُودَ؛ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ فِي بَابِ الْحُدُودِ مِنْ الْقَضَاءِ فَصَارَ الْإِسْلَامُ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ كَالْإِسْلَامِ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَكَذَا الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَ النَّفْسِ لَا يُنَفِّذُ الْقَاضِي اسْتِحْسَانًا لِمَا قُلْنَا وَقَدْ ذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ بَعْدَ هَذَا فَوَائِدَ جَمَّةً فَلْتُنْظَرْ ثَمَّةَ اهـ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ قُبَيْلَ الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ: نَصْرَانِيَّانِ شَهِدَا عَلَى نَصْرَانِيٍّ بِقَطْعِ يَدٍ أَوْ قِصَاصٍ ثُمَّ أَسْلَمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْقَضَاءِ بَطَلَتْ؛ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْعُقُوبَاتِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا عَمِيَ بَعْدَ الْأَدَاءِ قُبِلَ الْحُكْمُ بِهَا؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْأَهْلِيَّةِ شَرْطٌ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا عَمِيَ أَوْ خَرِسَ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ قُبِلَ الْحُكْمُ بِهَا لَمْ يَجُزْ الْحُكْمُ بِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ الْخِلَافَ فِي أَدَبِ الْقَاضِي وَذَكَرَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ مَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَسْرَارِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ مَعْنًى طَرَأَ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَلَا يُمْنَعُ الْحُكْمُ بِهَا كَمَا لَوْ مَاتَ الشَّاهِدَانِ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ أَوْ غَابَا أَوْ جُنَّا أَوْ عَمِيَا بَعْدَ الْحُكْمِ بِهَا اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَاكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمَبْسُوطِ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَخْرَسِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ يَخْتَصُّ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ حَتَّى لَوْ قَالَ أَنَا أُخْبِرُ أَوْ أَعْلَمُ أَوْ أَتَيَقَّنُ لَا يُقْبَلُ وَلَفْظَةُ الشَّهَادَةِ لَا تَتَحَقَّقُ مِنْ الْأَخْرَسِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأَصَحِّ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ لَهُ إشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ؛ لِأَنَّ إشَارَتَهُ حِينَئِذٍ كَتَرْجَمَةِ لَفْظِ الشَّهَادَةِ بِلِسَانٍ آخَرَ وَقُلْنَا فِي إشَارَتِهِ تُهْمَةٌ وَيُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا بِحَبْسِ الشُّهُودِ كَمَا فِي الْأَعْمَى. اهـ.
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَالْمَمْلُوكِ وَالصَّبِيِّ) قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ شَهِدَ الصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ وَالْكَافِرُ عَلَى مُسْلِمٍ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ ثُمَّ شَهِدُوا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ وَالْإِسْلَامِ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْمَرْدُودَ لَيْسَ بِشَهَادَةٍ وَالْفَاسِقُ لَوْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ ثُمَّ شَهِدَ بِهَا بَعْدَ التَّوْبَةِ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْمَرْدُودَ شَهَادَةٌ فَيَكُونُ فِيهِ نَقْضُ قَضَاءٍ قَدْ أُمْضِيَ بِالِاجْتِهَادِ كَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ ثُمَّ أَعَادَهَا بَعْدَ الْإِبَانَةِ لَا تُقْبَلُ وَلَوْ شَهِدَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ ثُمَّ أَعَادَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ كَذَلِكَ وَلَوْ شَهِدَ لِمَوْلَاهُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَقَدْ تَحَمَّلَهَا حَالَ الرِّقِّ جَازَ لِمَا عُرِفَ إلَى هُنَا لَفْظُ الشَّامِلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَوَاخِرِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي وَلَوْ كَانَتْ عِنْدَ الذِّمِّيِّ شَهَادَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِ فَأَسْلَمَ الذِّمِّيُّ وَشَهِدَ عَلَى الْمُسْلِمِ جَازَتْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ لِأَهْلِيَّةِ الْأَدَاءِ فَيُرَاعَى وَقْتَ الْأَدَاءِ إذَا وُجِدَ اهـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute