للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْعَامِلُ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ إلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ يُعْطِيهِ بَعْضَ الْخَارِجِ عَمَّا وَجَبَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ فِي ذِمَّةِ صَاحِبِ الْبَذْرِ فَيَجُوزَ ذَلِكَ بِتَرَاضِيهِمَا كَمَا فِي سَائِرِ الدُّيُونِ إذَا أَعْطَاهُ خِلَافَ جِنْسِهِ ثُمَّ إذَا فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ عِنْدَهُ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْبَذْرِ أَجْرُ الْمِثْلِ لِلْعَامِلِ، أَوْ لِلْأَرْضِ وَالْغَلَّةُ لَهُ لِأَنَّهَا نَمَاءُ مِلْكِهِ وَقَالُوا: الْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى قَوْلِهِمَا لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا وَلِتَعَامُلِهِمْ

وَالْقِيَاسُ قَدْ يُتْرَكُ بِالتَّعَامُلِ وَالضَّرُورَةِ كَمَا فِي الِاسْتِصْنَاعِ، ثُمَّ شَرَطَ فِي الْمُخْتَصَرِ لِجَوَازِهَا عِنْدَ مَنْ يُجِيزُهَا أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِدُونِهِ وَأَنْ يَكُونَ رَبُّ الْأَرْضِ وَالْمُزَارِعُ مِنْ أَهْلِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ الْأَهْلِ، وَأَنْ يُبَيِّنَ الْمُدَّةَ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنَافِعِ الْأَرْضِ أَوْ الْعَامِلِ وَهِيَ تُعْرَفُ بِالْمُدَّةِ.

وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ قَدْرَ مَا يَتَمَكَّنُ فِيهَا مِنْ الزِّرَاعَةِ، أَوْ أَكْثَرَ وَأَنْ لَا تَكُونَ قَدْرَ مَا لَا يَعِيشُ إلَيْهِ مِثْلُهُمَا، أَوْ مِثْلُ أَحَدِهِمَا غَالِبًا وَعِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ: لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْمُدَّةِ وَتَقَعُ عَلَى سَنَةٍ وَاحِدَةٍ.

وَأَنْ يُبَيِّنَ مَنْ عَلَيْهِ الْبَذْرُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ - وَهُوَ مَنَافِعُ الْعَامِلِ أَوْ مَنَافِعُ الْأَرْضِ - لَا يُعْرَفُ إلَّا بِبَيَانِ مَنْ عَلَيْهِ الْبَذْرُ لِأَنَّهُ الْمُسْتَأْجِرُ فَبِبَيَانِهِ يُعْرَفُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ مِنْ مَنَافِعِ الْعَامِلِ، أَوْ مَنَافِعِ الْأَرْضِ.

وَأَنْ يُبَيِّنَ جِنْسَ الْبَذْرِ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ مِنْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ جِنْسِ الْأُجْرَةِ.

وَأَنْ يُبَيِّنَ نَصِيبَ مَنْ لَا بَذْرَ مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " وَحَظِّ الْآخَرِ "؛ لِأَنَّهُ أُجْرَةُ عَمَلِهِ أَوْ أَرْضِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

إلَّا بِعَقْدٍ وَالْمُزَارَعَةُ لَازِمَةٌ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَا بَذْرَ مِنْ جِهَتِهِ - حَتَّى لَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ إلَّا بِعُذْرٍ - غَيْرُ لَازِمَةٍ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْبَذْرُ قَبْلَ إلْقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ حَتَّى يَمْلِكَ الْفَسْخَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَبَعْدَ مَا أَلْقَى الْبَذْرَ فِي الْأَرْضِ تَصِيرُ لَازِمَةً مِنْ الْجَانِبَيْنِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ أَحَدُهُمَا الْفَسْخَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا بِعُذْرٍ اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ إذَا فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ عِنْدَهُ) أَيْ فَسَدَ الْعَقْدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنْ سَقَى الْأَرْضَ وَكَرَبَهَا وَلَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى إجَارَةٍ فَاسِدَةٍ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُ كَانَ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ فَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ فَالْخَارِجُ كُلُّهُ لَهُ وَيَطِيبُ لَهُ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الْمُزَارِعِ وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْمُزَارِعِ فَالْخَارِجُ كُلُّهُ لَهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ الْأَرْضَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَمَا كَانَ مِنْ الْخَارِجِ بِإِزَاءِ الْبَذْرِ وَالْمُؤْنَةِ يَطِيبُ لَهُ وَمَا فَضَلَ مِنْ ذَلِكَ يَتَصَدَّقُ بِهِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَإِنْ حَصَلَ مِنْ الْخَارِجِ شَيْءٌ يَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ فَلَا شَيْءَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ وَلَا عَلَى الْمُزَارِعِ. اهـ. غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ: وَأَنْ يَكُونَ رَبُّ الْأَرْضِ وَالْمُزَارِعُ مِنْ أَهْلِ الْعَقْدِ) أَيْ وَهُوَ لَا يَخْتَصُّ بِهِ لِأَنَّ عَقْدًا مَا، لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ الْأَهْلِ. اهـ. هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنَافِعِ الْأَرْضِ أَوْ الْعَامِلِ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَعَقْدُ الْمُزَارَعَةِ قَدْ يَكُونُ اسْتِئْجَارَ الشَّخْصِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ كَمَا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ وَقَدْ يَكُونُ اسْتِئْجَارَ الْأَرْضِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ كَمَا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْمُزَارِعِ. اهـ. غَايَةٌ.

[شُرُوط صِحَّة الْمُزَارَعَة]

(قَوْلُهُ: وَعِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ الْمُدَّةِ جَائِزَةٌ أَيْضًا وَيَقَعُ عَلَى سَنَةٍ وَاحِدَةٍ يَعْنِي عَلَى زَرْعٍ وَاحِدٍ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ اهـ قَوْلُهُ: جَائِزَةٌ أَيْضًا يَعْنِي كَالْمُعَامَلَةِ وَانْظُرْ إلَى الْحَاشِيَةِ الَّتِي كَتَبْتهَا فِي أَوَّلِ الْمُسَاقَاةِ فَهَذِهِ تَتِمَّتُهَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَحُكِيَ عَنْ أَئِمَّةِ بَلْخٍ أَنَّ بَيَانَ مَنْ عَلَيْهِ الْبَذْرُ إنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ عُرْفٌ ظَاهِرٌ أَنَّ الْبَذْرَ عَلَى مَنْ يَكُونُ أَوْ كَانَ الْعُرْفُ مُشْتَرَكًا وَكُلُّ مَوْضِعٍ كَانَ بَيْنَهُمْ عُرْفٌ ظَاهِرٌ أَنَّ الْبَذْرَ يَكُونُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَنْ عَلَيْهِ إذْ الْمَعْرُوفُ كَالْمَشْرُوطِ كَمَا فِي نَقْدِ الْبَلَدِ. اهـ. .

(قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ جِنْسِ الْأُجْرَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَوَّلَ الْمُزَارَعَةِ: وَمِنْ الشَّرَائِطِ بَيَانُ مَا يُزْرَعُ فِي الْأَرْضِ وَهَذَا قِيَاسٌ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ بَيَانُ مَا يُزْرَعُ فِي الْأَرْضِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَوَّضَ الرَّأْيَ إلَى الْمُزَارِعِ أَوْ لَمْ يُفَوِّضْ بَعْدَ أَنْ يَنُصَّ عَلَى الْمُزَارَعَةِ هَكَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي أَوَّلِ شَرْحِ الْمُزَارَعَةِ، ثُمَّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بَعْدَ أَوْرَاقٍ مَا نَصُّهُ: وَالثَّامِنُ بَيَانُ جِنْسِ الْبَذْرِ لِيَصِيرَ الْأَجْرُ مَعْلُومًا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَجْرَ بَعْضُ الْخَارِجِ، وَإِعْلَامُ جِنْسِ الْأَجْرِ شَرْطٌ وَهَذَا قِيَاسٌ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ مَرَّ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ أَرْضًا مُزَارَعَةً وَلَمْ يُسَمِّ مَا يُزْرَعُ فِيهَا فَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ فَإِنْ اخْتَصَمَا قَبْلَ أَنْ يَزْرَعَ فُسِخَتْ وَإِنْ لَمْ يَخْتَصِمَا فِيهَا حَتَّى زُرِعَتْ وَحَصَدَ زَرْعَهَا وَانْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ جَازَ لِرَبِّ الْأَرْضِ الَّتِي وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ بِهِ، لَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ إلَى هُنَا لَفْظُ الطَّحَاوِيِّ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي تَعْلِيلِهِ: لِأَنَّ الْأَرْضَ مِمَّا يُخْتَلَفُ بِاخْتِلَافِ الزَّرْعِ فَرُبَّ زَرْعٍ يَنْقُصُ الْأَرْضَ نُقْصَانًا كَثِيرًا وَرُبَّ زَرْعٍ يَنْقُصُهَا نُقْصَانًا قَلِيلًا وَرُبَّ زَرْعٍ يَزِيدُ فِي الْأَرْضِ فَلَا يَجُوزُ مَا لَمْ يُبَيِّنْ فَإِنْ اخْتَصَمَا قَبْلَ الزِّرَاعَةِ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُ الْإِجَارَةِ وَلَوْ زَرَعَ الْمُسْتَأْجِرُ فِيهَا شَيْئًا قَبْلَ الْفَسْخِ تَعَيَّنَ ذَلِكَ لِلْعَقْدِ وَلِلْمُؤَجِّرِ الْمُسَمَّى مِنْ الْأُجْرَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً وَلَمْ يُسَمِّ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا أَوْ اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا وَلَمْ يُبَيِّنْ مَنْ يَلْبَسُهُ أَوْ اسْتَأْجَرَ قِدْرًا وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا يُطْبَخُ فِيهَا وَقَالَ أَيْضًا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا دَفَعَ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً عَلَى أَنَّ الْبَذْرَ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمَا وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَزْرَعَ شَيْئًا مَعْلُومًا فَزَرَعَ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُخَالِفًا سَوَاءٌ أَضَرَّ بِالْأَرْضِ أَوْ لَمْ يُضِرَّ بِخِلَافِ مَا إذَا آجَرَ أَرْضَهُ بِدَرَاهِمَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأُجْرَةَ هُنَا بَعْضُ الْخَارِجِ وَالْخَارِجُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّرْعِ فَإِذَا شَرَطَ الْحِنْطَةَ فَقَدْ رَضِيَ أَنْ تَكُونَ أُجْرَتُهَا حِنْطَةً فَإِذَا زَرَعَ الشَّعِيرَ صَارَ مُخَالِفًا وَلَا كَذَلِكَ الْإِجَارَةُ بِدَرَاهِمَ لِأَنَّ هُنَاكَ الْإِجَارَةَ دَرَاهِمُ كُلَّهَا فَلَوْ بَطَلَ الْعَقْدُ إنَّمَا يَبْطُلُ لِأَجْلِ الْمَضَرَّةِ فَإِنْ كَانَ مَا زُرِعَ فِيهَا يَكُونُ فِي الْمَضَرَّةِ مِثْلُهُ أَوْ دُونَهُ لَمْ يُوجَدْ الْخِلَافُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يَكُونُ مُخَالِفًا. اهـ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>