التَّوْفِيقُ وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ دَعْوَى التَّوْفِيقِ مِنْ الْمُدَّعِي وَإِلَّا فَلَا يُوَفَّقُ وَقِيلَ التَّوْفِيقُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَاهُ قِيَاسٌ وَعَدَمُ التَّوْفِيقِ بِدُونِ دَعْوَاهُ اسْتِحْسَانٌ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ اشْتَرَيْتُ مِنِّي هَذِهِ الْأَمَةَ فَأَنْكَرَ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَطَأَهَا إنْ تَرْكَ الْخُصُومَةَ) لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا جَحَدَ الشِّرَاءَ كَانَ ذَلِكَ فَسْخًا مِنْهُ إذْ الْجُحُودُ كِنَايَةٌ عَنْ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ رَفْعُ الْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ وَالْجُحُودُ إنْكَارٌ لِلْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ فَكَانَ بَيْنَهُمَا مُنَاسَبَةٌ فَجَازَتْ الِاسْتِعَارَةُ فَكَانَ فَسْخًا مِنْ جِهَتِهِ، فَإِذَا سَاعَدَهُ الْبَائِعُ بِتَرْكِ الْخُصُومَةِ تَمَّ الْفَسْخُ فَحَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى بَائِعِهَا بِالْعَيْبِ إنْ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا قَدِيمًا بَعْدَ ذَلِكَ لِتَمَامِ الْفَسْخِ بِالتَّرَاضِي حَتَّى إذَا أَقَامَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، وَفِي النِّهَايَةِ إذَا عَزَمَ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ قَبْلَ تَحْلِيفِ الْمُشْتَرِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى بَائِعِهَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ الثَّانِي لِاحْتِمَالِ أَنْ يَنْكُلَ عِنْدَ التَّحْلِيفِ فَاعْتُبِرَ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقٍّ ثَالِثٍ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا التَّفْصِيلُ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَأَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُرَدَّ عَلَيْهِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ، فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْبَيْعِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ، فَإِنْ قِيلَ الْحُكْمُ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ فَكَيْفَ يَكُونُ فَسْخًا قُلْنَا نَحْنُ لَا نُثْبِتُهُ بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ وَإِنَّمَا نُثْبِتُهُ بِالْعَزْمِ وَالْيَمِينِ أَوْ بِالْعَزْمِ وَالْفِعْلِ وَهُوَ التَّصَرُّفُ فِي الْجَارِيَةِ بِالنَّقْلِ مِنْ مَوْضِعِ الْخُصُومَةِ إلَى بَيْتِهِ أَوْ بِالِاسْتِخْدَامِ أَوْ إمْسَاكِهَا بِيَدِهِ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِيهَا لَا يَحِلُّ إلَّا بِالْفَسْخِ فَكَانَ فَسْخًا دَلَالَةً إذْ الْفِعْلُ قَدْ يُوجَدُ دَلَالَةً كَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَجَرْتُك هَذَا الدَّابَّةَ يَوْمًا لِتَرْكَبَهَا فَأَخَذَهَا وَاسْتَعْمَلَهَا كَانَ ذَلِكَ قَبُولًا مِنْهُ دَلَالَةً؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ وَالِاسْتِعْمَالَ لَا يَحِلُّ بِدُونِ الْقَبُولِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَقَرَّ بِقَبْضِ عَشَرَةٍ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ زُيُوفٌ صُدِّقَ) مَعْنَاهُ إذَا قَالَ قَبَضْت مِنْهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا زُيُوفٌ صُدِّقَ سَوَاءٌ قَالَ ذَلِكَ مَوْصُولًا أَوْ مَفْصُولًا، وَكَذَا إذَا ادَّعَى أَنَّهَا نَبَهْرَجَةٌ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهَا سَتُّوقَةٌ لَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يَقَعُ عَلَى الْجِيَادِ وَالزُّيُوفِ وَالنَّبَهْرَجَةِ دُونَ السَّتُّوقَةِ وَلِهَذَا لَوْ تَجَوَّزَ بِالزُّيُوفِ وَالنَّبَهْرَجَةِ جَازَ حَتَّى فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ دُونَ السَّتُّوقَةِ، وَالْقَبْضُ لَا يَخْتَصُّ بِالْجِيَادِ فَيُصَدَّقُ فِي إنْكَارِهِ قَبْضَ حَقِّهِ مَعَ يَمِينِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ الْجِيَادَ أَوْ حَقَّهُ أَوْ الثَّمَنَ أَوْ اسْتَوْفَى حَيْثُ لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ الزُّيُوفَ؛ لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ؛ لِأَنَّ الزُّيُوفَ ضِدُّ الْجِيَادِ وَحَقُّهُ فِي الْجِيَادِ فَكَانَ الْإِقْرَارُ بِقَبْضِ حَقِّهِ مُطْلَقًا إقْرَارًا مِنْهُ بِقَبْضِ الْجِيَادِ وَالِاسْتِيفَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ قَبْضِ الْحَقِّ بِوَصْفِ التَّمَامِ فَكَانَ عِبَارَةً عَنْ قَبْضِ حَقِّهِ أَيْضًا وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ، ثُمَّ ادَّعَى الْعَيْبَ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مُتَعَيِّنٌ فِي الْبَيْعِ، فَإِذَا قَبَضَهُ فَقَدْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ اسْتَوْفَى عَيْنَ حَقِّهِ دَلَالَةً، ثُمَّ بِدَعْوَاهُ الْعَيْبَ بَعْدَ ذَلِكَ صَارَ مُنَاقِضًا، فَلَا يُقْبَلُ كَلَامُهُ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ وَحَقُّهُ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ وَلَمْ يُقِرَّ بِقَبْضِ حَقِّهِ وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِقَبْضِ الدَّرَاهِمِ وَهِيَ مُتَنَوِّعَةٌ فَبِالْإِقْرَارِ بِقَبْضِهَا لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِقَبْضِ حَقِّهِ، ثُمَّ فِي قَوْلِهِ قَبَضْت دَرَاهِمَ جِيَادًا لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ الزُّيُوفَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مَوْصُولًا أَوْ مَفْصُولًا، وَفِيمَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ الثَّمَنَ أَوْ حَقَّهُ أَوْ اسْتَوْفَى، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ زُيُوفًا يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ مَفْصُولًا لَا يُصَدَّقُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِمَا ذَكَرْنَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
[ قَالَ لِآخِرِ اشتريت مِنِّي هَذِهِ الْأَمَة فَأَنْكَرَ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَطَأَهَا إنْ تَرَكَ الْخُصُومَةَ) وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا وَيُقَالُ هُوَ قَوْلُ زُفَرَ كَذَا قَالَ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْثُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَمَّا بَاعَهَا فَهِيَ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي مَا لَمْ يَبِعْهَا مِنْ الْبَائِعِ أَوْ يَتَقَابَلَا وَلَنَا أَنَّ الْإِقَالَةَ قَدْ تَكُونُ بِلَفْظِ الْإِقَالَةِ وَبِلَفْظِ الرَّدِّ وَبِجُحُودِهِمَا بِأَنْ تَجَاحَدَا الْبَيْعَ، ثُمَّ إذَا جَحَدَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ حَصَلَ الْفَسْخُ مِنْ جِهَتِهِ، فَإِذَا عَزَمَ الْبَائِعُ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ بَعْدَ ذَلِكَ وَاقْتَرَنَ عَزْمُهُ بِالْفِعْلِ، وَهُوَ إمْسَاكُ الْجَارِيَةِ وَنَقْلُهَا مِنْ مَجْلِسِ الْخُصُومَةِ إلَى مَنْزِلِهِ وَاسْتِخْدَامُهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ دَلَالَةَ الْفَسْخِ فَتَمَّ الْفَسْخُ بَيْنَهُمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ أَقَرَّ بِقَبْضِ عَشَرَةٍ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا زُيُوفٌ صُدِّقَ) يَعْنِي أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْ مَدْيُونِهِ بِدَيْنِ قَرْضٍ اقْتَرَضَهُ أَوْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ بَدَلِ إجَارَةٍ أَوْ قَالَ غَصَبْتُ مِنْهُ أَوْ أَوْدَعَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَالَ إلَّا أَنَّهَا زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ أَوْ قَالَ بَعْدَ نَعَمْ هِيَ زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ. اهـ. فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ سَوَاءٌ قَالَ ذَلِكَ مَوْصُولًا أَوْ مَفْصُولًا) وَفِي الْمَبْسُوطِ أَقَرَّ الطَّالِبُ أَنَّهُ قَبَضَ مِمَّا لَهُ عَلَى فُلَانٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَالَ وَجَدْتهَا زُيُوفًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ قَوْلَهُ صُدِّقَ يُفِيدُهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ فِي الْمَبْسُوطِ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ إجَارَةٍ إلَّا أَنَّهَا زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ لَمْ يُصَدَّقْ فِي دَعْوَى الزِّيَافَةِ وَصَلَ أَوْ فَصَلَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يُصَدَّقُ إنْ وَصَلَ لَا إنْ فَصَلَ، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ سَبَبِ تِجَارَةٍ أَوْ غَصْبٍ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ يَنْصَرِفُ إلَى الِالْتِزَامِ أَوْ بِالتِّجَارَةِ إذْ هُوَ اللَّائِقُ بِحَالِ الْمُسْلِمِ وَقِيلَ يُصَدَّقُ هُنَا إذَا وَصَلَ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْجَوْدَةِ تَصِيرُ مُسْتَحَقَّةً بِعَقْدِ التِّجَارَةِ، فَإِذَا لَمْ يُصَرِّحْ فِي كَلَامِهِ بِجِهَةِ التِّجَارَةِ لَا تَصِيرُ صِفَةُ الْجَوْدَةِ مُسْتَحَقَّةً اهـ كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَالْقَبْضُ لَا يَخْتَصُّ بِالْجِيَادِ) أَيْ فَلَا يَكُونُ بِدَعْوَى الزُّيُوفِ مُتَنَاقِضًا فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى أَنَّهَا سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ حَيْثُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ لِأَنَّهُ قَالَ اُقْتُضِيَتْ الدَّرَاهِمُ، ثُمَّ دَعْوَاهُ السَّتُّوقَةَ أَوْ الرَّصَاصَ إنْكَارٌ مِنْهُ لِقَبْضِ الدَّرَاهِمِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ (قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ الزُّيُوفَ لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ) أَيْ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقَبْضِ حَقِّهِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ، فَإِنْ كَانَ مَفْصُولًا لَا يُصَدَّقُ) أَيْ لِأَنَّ قَوْلَهُ جِيَادٌ مُفَسِّرٌ، فَلَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ أَوْ نَصٌّ فَيَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute