فَيُحْكَمُ لَهُ بِهِ.
وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُسْتَدِيرَةِ يَعْنِي بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الزَّائِغَةُ الثَّانِيَةُ مُسْتَدِيرَةً حَيْثُ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْأُولَى فَتْحُ الْبَابِ إلَيْهَا لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ مُسْتَدِيرَةً وَهِيَ الَّتِي فِيهَا اعْوِجَاجٌ حَتَّى بَلَغَ عِوَجُهَا رَأْسَ السِّكَّةِ صَارَتْ كِلْتَاهُمَا سِكَّةً وَاحِدَةً وَهِيَ بَيْنَهُمْ عَلَى الشَّرِكَةِ حَتَّى إذَا بِيعَ دَارٌ فِيهَا يَجِبُ حَقُّ الشُّفْعَةِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ السِّكَّةُ الْمُسْتَدِيرَةُ غَيْرَ نَافِذَةٍ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَتْ نَافِذَةً فَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا حَقُّ الْمُرُورِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ مَا شَاءَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِغَيْرِهِ ضَرَرًا ظَاهِرًا فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَّخِذَ فِي دَارِهِ حَمَّامًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِالْجِيرَانِ وَمَا فِيهِ مِنْ النَّدَاوَةِ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ بِأَنْ يَبْنِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَارِهِ حَائِطًا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْجِيرَانَ إذَا مَا تَأَذَّوْا مِنْ دُخَانِهِ فَلَهُمْ مَنْعُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ دُخَانُ الْحَمَّامِ مِثْلَ دُخَانِهِمْ، وَلَوْ اتَّخَذَ دَارِهِ حَظِيرَةَ غَنَمٍ وَالْجِيرَانُ يَتَأَذَّوْنَ مِنْ نَتْنِ السِّرْقِينِ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْحُكْمِ مَنْعُهُ، وَلَوْ حَفَرَ فِي دَارِهِ بِئْرًا فَنَزَّ مِنْهَا حَائِطٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهُ وَقِيلَ إنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ يَقِينًا فَلَهُ مَنْعُهُ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وَلَوْ أَرَادَ بِنَاءَ تَنُّورٍ فِي دَارِهِ لِلْخُبْزِ الدَّائِمِ كَمَا يَكُونُ فِي الدَّكَاكِينِ أَوْ رَحًا لِلطَّحْنِ أَوْ مِدَقَّاتٍ لِلْقَصَّارِينَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَضُرُّ بِالْجِيرَانِ ضَرَرًا ظَاهِرًا فَاحِشًا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجُوزَ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِهِ وَتُرِكَ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا لِأَجْلِ الْمَصْلَحَةِ، وَلَوْ سَقَطَ حَائِطٌ بَيْنَ دَارَيْنِ وَلِأَحَدِهِمَا عَوْرَاتٌ فَطَلَبَ مِنْ جَارِهِ أَنْ يُسَاعِدَهُ فِي الْبِنَاءِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يُجْبَرُ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُجْبَرُ فِي زَمَانِنَا؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ سُتْرَةٍ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ قَاضِي خَانْ إنْ كَانَ الْحَائِطُ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَيَبْنِي كُلُّ وَاحِدٍ فِي نَصِيبِهِ السُّتْرَةَ لَا يُجْبَرُ وَإِلَّا أُجْبِرَ وَقِيلَ إنْ كَانَ يَقَعُ بَصَرُهُ فِي دَارِ جَارِهِ فَلَهُ مَنْعُهُ عَنْ الصُّعُودِ حَتَّى يَتَّخِذَ سِتْرَهُ، وَإِنْ كَانَ يَقَعُ فِي سَطْحِهِ فَلَا يَمْنَعُهُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ وَهَبَهَا لَهُ فِي وَقْتٍ فَسَأَلَ الْبَيِّنَةَ فَقَالَ جَحَدَنِيهَا فَاشْتَرَيْتهَا وَبَرْهَنَ عَلَى الشِّرَاءِ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي يَدَّعِي فِيهِ الْهِبَةَ لَا يُقْبَلُ وَبَعْدَهُ يُقْبَلُ) لِوُجُودِ التَّنَاقُضِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الشِّرَاءَ بَعْدَ الْهِبَةِ وَشُهُودُهُ يَشْهَدُونَ لَهُ بِهِ قَبْلَهَا وَهَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ لَا يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يُمْكِنُ إذْ الشِّرَاءُ وُجِدَ بَعْدَ الْوَقْتِ الَّذِي يَدَّعِي فِيهِ الْهِبَةَ، فَلَا يَكُونُ مُتَنَاقِضًا، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ جَحَدَنِي الْهِبَةَ وَالْمَسْأَلَتَانِ بِحَالِهِمَا لَا يُقْبَلُ فِي الْأُولَى وَيُقْبَلُ فِي الثَّانِيَةِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْإِمْكَانِ وَعَدَمِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ جَحَدَنِي الْهِبَةَ أَوَّلًا، وَلَا يُقَالُ فِي الثَّانِي أَيْضًا وُجِدَ التَّنَاقُضُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي شِرَاءَ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَهُ فِي وَقْتٍ بِالْهِبَةِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَمْلِكَهُ بِالشِّرَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا جَحَدَ الْهِبَةَ وَوَافَقَهُ بِالتَّرْكِ انْفَسَخَتْ الْهِبَةُ إذْ جَمِيعُ الْعُقُودِ تَنْفَسِخُ بِالْجُحُودِ إذَا وَافَقَهُ صَاحِبُهُ بِالتَّرْكِ غَيْرَ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ الْفَسْخَ، فَلَا يَكُونُ مُتَنَاقِضًا، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ لَهُمَا تَارِيخًا أَوْ ذَكَرَ لِأَحَدِهِمَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَجْعَلَ الشِّرَاءَ مُتَأَخِّرًا وَمِثْلُهُ لَوْ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهَا لَهُ اشْتَرَاهَا مِنْ أَبِيهِ فِي حَيَاتِهِ وَصِحَّتِهِ وَصَاحِبُ الْيَدِ يُنْكِرُ فَعَجَزَ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَحَلَفَ ذُو الْيَدِ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً أَنَّهُ وَرِثَهَا مِنْ أَبِيهِ يُقْبَلُ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلَوْ ادَّعَى الْإِرْثَ مِنْ أَبِيهِ أَوَّلًا، ثُمَّ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْهُ لَا يُقْبَلُ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّوْفِيقِ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ التَّنَاقُضَ إنَّمَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى إذَا لَمْ يُمْكِنْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فَيُحْكَمُ لَهُ بِهِ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ فِي مُحِيطِهِ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ سِكَّةٌ غَيْرُ نَافِذَةٍ بِيعَتْ فِيهَا دَارٌ فَأَهْلُهَا شُفَعَاءُ لِأَنَّهُمْ شُرَكَاءُ فِي حُقُوقِ الْمَبِيعِ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا عِطْفٌ إنْ كَانَ مُرَبَّعًا فَأَصْحَابُ الْعِطْفِ أَوْلَى بِمَا بِيعَ فِي عِطْفِهِمْ؛ لِأَنَّهُ بِسَبَبِ التَّرْبِيعِ يَصِيرُ الْعِطْفُ الْمُرَبَّعُ كَالْمُنْفَصِلِ عَنْ السِّكَّةِ؛ لِأَنَّ هَيْئَاتِ الدُّورِ فِي الْعِطْفِ الْمُرَبِّعِ تُخَالِفُ هَيْئَاتِ الدُّورِ فِي السِّكَّةِ فَصَارَ الْعِطْفُ الْمُرَبَّعُ بِمَنْزِلَةِ سِكَّةٍ أُخْرَى فَصَارَ كَسِكَّةٍ فِي سِكَّةٍ وَلِهَذَا يُمْكِنُهُ نَصْبُ الدَّرْبِ فِي أَعْلَاهُمْ وَهُمْ وَأَهْلُ السِّكَّةِ فِيمَا بِيعَ فِي السِّكَّةِ سَوَاءٌ كَمَا لَوْ بِيعَتْ دَارٌ فِي السِّكَّةِ الْعُظْمَى فَهُمْ وَأَهْلُ السِّكَّةِ الصُّغْرَى فِيهَا سَوَاءٌ فَكَذَا هُنَا وَإِنْ كَانَ الْعِطْفُ مُدَوَّرًا فَالْكُلُّ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْعِطْفَ الْمُدَوَّرَ اعْوِجَاجٌ فِي بِضْعِ السِّكَّةِ وَبِذَلِكَ لَا يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ سِكَّتَيْنِ لِأَنَّ هَيْئَاتِ الدُّورِ فِيهَا لَا تَخْتَلِفُ بِسَبَبِ الِاعْوِجَاجِ فَكَانَتْ سِكَّةً وَاحِدَةً إلَى هُنَا لَفْظُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
(قَوْلُهُ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُجْبَرُ فِي زَمَانِنَا) قَالَ الْعِمَادِيُّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَأَجْنَاسِهَا الْقِيَاسُ أَنَّ كُلَّ مَنْ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ فِي الْحُكْمِ وَإِنْ كَانَ يُلْحِقُ ضَرَرًا بِالْغَيْرِ، لَكِنْ تُرِكَ الْقِيَاسُ فِي مَوْضِعٍ يَتَعَدَّى فِيهِ ضَرَرُ تَصَرُّفِهِ إلَى غَيْرِهِ ضَرَرًا بَيِّنًا وَقِيلَ بِالْمَنْعِ وَبِهِ أَخَذَ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. (قَوْلُهُ وَبَعْدَهُ يُقْبَلُ لِوُجُودِ التَّنَاقُضِ) إذْ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ وَهَبَنِي مُنْذُ شَهْرٍ، ثُمَّ جَحَدَنِي الْهِبَةَ فَاشْتَرَيْتهَا مِنْهُ مُنْذُ سَنَةٍ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يُمْكِنُ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ وَهَبَنِي مُنْذُ شَهْرٍ، ثُمَّ جَحَدَنِي الْهِبَةَ فَاشْتَرَيْته مِنْهُ مُنْذُ أُسْبُوعٍ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَالْمَسْأَلَتَانِ بِحَالِهِمَا) أَيْ بِأَنْ ادَّعَى الْهِبَةَ فِي وَقْتٍ، ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى الشِّرَاءِ قَبْلَهُ وَلَمْ يَقُلْ جَحَدَنِي الْهِبَةَ فَاشْتَرَيْتهَا اهـ وَقَوْلُهُ وَلَا يُقْبَلُ فِي الْأُولَى أَيْ لِأَنَّ دَعْوَاهُ الْهِبَةَ فِي وَقْتِ إقْرَارٍ مِنْهُ بِمِلْكِ الْوَاهِبِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، ثُمَّ دَعْوَى الشِّرَاءِ قَبْلَ ذَلِكَ يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ ذَلِكَ الْإِقْرَارِ فَكَانَ مُنَاقِضًا، فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِهِ بِالْبَيِّنَةِ فَأَمَّا دَعْوَاهُ الشِّرَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ يُقَرِّرُ إقْرَارَهُ بِالْمُلْكِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِهِ بِالْبَيِّنَةِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا جَحَدَ الْهِبَةَ إلَخْ) انْفَسَخَتْ فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَتَوَقَّفَ الْفَسْخُ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي عَلَى رِضَاهُ، فَإِذَا أَقْدَمَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ فَقَدْ رَضِيَ بِذَلِكَ الْفَسْخَ فَتَمَّ الْفَسْخُ فِيمَا بَيْنَهُمَا بِتَرَاضِيهِمَا، فَإِذَا اشْتَرَى مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ اشْتَرَى مَا لَا يَمْلِكُهُ فَصَحَّ. اهـ. كَافِي.
(قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ لَوْ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهَا لَهُ اشْتَرَاهَا مِنْ أَبِيهِ) أَيْ الْمُدَّعِي اشْتَرَاهَا مِنْ أَبِي نَفْسِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ يُقْبَلُ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ عَلَى مَا بَيَّنَّا) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهَا مِنْ أَبِيهِ، ثُمَّ جَحَدَ أَبُوهُ الشِّرَاءَ حَتَّى مَاتَ فَوَرِثَهَا. اهـ. .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute