الْوَصْفِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِيهِ قَطْعِيٌّ فَيُعْتَبَرُ إنْكَارُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَنِّتٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَفْعَهُ بِسُقُوطِ الْمُسْلَمِ فِيهِ عَنْهُ وَرَدِّ رَأْسُ الْمَالِ بِخِلَافِ إنْكَارِ رَبِّ الْمُسْلَمِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَنِّتٌ حَيْثُ يُنْكِرُ وُجُوبَ حَقِّهِ وَهُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ عَادَةً وَإِذَا جُعِلَ الْقَوْلُ لِرَبِّ السَّلَمِ يَرْجِعُ فِي مِقْدَارِ الْأَجَلِ إلَيْهِ أَيْضًا وَفِي عَكْسِهِ بِأَنْ ادَّعَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ الْأَجَلَ وَأَنْكَرَهُ رَبُّ السَّلَمِ فَالْقَوْلُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ لِرَبِّ السَّلَمِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ حَقًّا عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَجَلُ فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ.
وَإِنْ أَنْكَرَ الصِّحَّةَ كَرَبِّ الْمَالِ يَقُولُ لِلْمُضَارِبِ: شَرَطْت لَك نِصْفَ الرِّبْحِ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَقَالَ الْمُضَارِبُ: شَرَطْت لِي نِصْفَ الرِّبْحِ وَلَمْ تَزِدْ كَانَ الْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَسَادُ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِاسْتِحْقَاقِ الرِّبْحِ عَلَيْهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى عَقْدِ السَّلَمِ وَاتِّفَاقُهُمَا عَلَى الْعَقْدِ اتِّفَاقٌ عَلَى شَرَائِطِهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الشَّيْءِ تَبَعٌ لَهُ وَثُبُوتُهُ بِثُبُوتِ الْأَصْلِ فَإِنْكَارُهُ الْأَجَلَ بَعْدَ ذَلِكَ رُجُوعٌ مِنْهُ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ فَلَا يُقْبَلُ كَالْمُتَنَاكِحِينَ إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا النِّكَاحَ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَالْآخَرُ بِشُهُودٍ كَانَ الْقَوْلُ لِمَنْ يَدَّعِي النِّكَاحَ بِالشُّهُودِ بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ إذَا صَحَّتْ تَكُونُ شَرِكَةً فِي الرِّبْحِ وَإِذَا فَسَدَتْ تَكُونُ إجَارَةً وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ فَالْمُضَارَبَةُ غَيْرُ لَازِمَةٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فَسْخِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَيَرْتَفِعُ بِاخْتِلَافِهِمَا فَإِذَا ارْتَفَعَ بِالْإِنْكَارِ بَقِيَ مُجَرَّدُ دَعْوَى الْمُضَارِبِ فِي مَالِ رَبِّ الْمَالِ فَكَانَ الْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ وَهُوَ رَبُّ الْمَالِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ الزَّوْجُ لِامْرَأَتِهِ: تَزَوَّجْتُك وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ وَقَالَتْ هِيَ: تَزَوَّجْتَنِي وَأَنَا بَالِغَةٌ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَسَادُ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِالْعَقْدِ بَلْ أَنْكَرَهُ حَيْثُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلصِّحَّةِ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ السَّلَمُ وَالِاسْتِصْنَاعُ فِي نَحْوِ خُفٍّ وَطَسْتٍ وَقُمْقُمٍ) أَمَّا السَّلَمُ فَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ ضَبْطُ صِفَتِهِ وَمَعْرِفَةُ قَدْرِهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهِ إذَا اجْتَمَعَتْ فِيهِ شَرَائِطُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَأَمَّا الِاسْتِصْنَاعُ فَلِلْإِجْمَاعِ الثَّابِتِ بِالتَّعَامُلِ مِنْ لَدُنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الْحُجَجِ وَقَدْ اسْتَصْنَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاتَمًا وَمِنْبَرًا وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلَكِنْ تُرِكَ الْعَمَلُ بِهِ بِمَا ذَكَرْنَا وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِمِثْلِهِ كَدُخُولِ الْحَمَّامِ وَالِاحْتِجَامِ بِأُجْرَةٍ وَطَلَبِ شَرْبَةِ مَاءٍ مِنْ السَّقَّاءِ بِفَلْسٍ كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِلتَّعَامُلِ وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ يَأْبَاهُ لِلْجَهَالَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ كَمْ قَدْرَ مَا يَقْعُدُ فِي الْحَمَّامِ وَكَمْ قَدْرُ مَا يَسْتَعْمِلُ أَوْ يَشْرَبُ مِنْ الْمَاءِ وَكَمْ قَدْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْ الدَّمِ إذْ لَا يُعْتَبَرُ الْقِيَاسُ بِمُقَابَلَةِ الْإِجْمَاعِ أَوْ النَّصِّ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى الضَّلَالَةِ» وَلَا يُشْكِلُ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُزَارَعَةِ فَإِنَّ التَّعَامُلَ فِيهِ مَوْجُودٌ وَمَعَ هَذَا لَمْ يَأْخُذْ بِهِ وَأَخَذَ بِالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهَا كَانَ مَوْجُودًا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَجْزِ التَّعَامُلُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، ثُمَّ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا جَرَى فِيهِ تَعَامُلٌ وَمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ لَا يَجُوزُ الِاسْتِصْنَاعُ فِيهِ وَيَكُونُ سَلَمًا إذَا اجْتَمَعَتْ فِيهِ شَرَائِطُهُ، ثُمَّ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ الِاسْتِصْنَاعَ يَجُوزُ بَيْعًا وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ: إنَّهُ وَعْدٌ وَلَيْسَ بِبَيْعٍ وَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ بَيْعًا إذَا أَتَى بِهِ مَفْرُوغًا بِالتَّعَاطِي وَلِهَذَا يَثْبُتُ فِيهِ الْخِيَارُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجْهُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ إنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَمَّاهُ شِرَاءً وَذَكَرَ فِيهِ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ وَفَصَلَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
الْمَطْلُوبُ: كَانَ شَهْرًا وَلَمْ يَمْضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ تَوَجَّهَ الْمُطَالَبَةِ فَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ يُقْضَى بِبَيِّنَتِهِ وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ يُقْضَى بِبَيِّنَةِ الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ زِيَادَةَ الْأَجَلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَيُنْظَرُ فِي الدَّعْوَى عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ فِي هَذَا الْمُجَرَّدِ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالِاخْتِلَافُ فِي مِقْدَارِ الْأَجَلِ لَا يُوجِبُ التَّحَالُفَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَلَا فِي بَدَلِهِ بِخِلَافِ الِاخْتِلَافِ فِي الصِّفَةِ يَعْنِي أَنَّهُ مَا هُوَ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ جَارٍ مَجْرَى الْأَصْلِ وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا شُرِطَ فِي السَّلَمِ الثَّوْبُ الْجَيِّدُ فَجَاءَ بِثَوْبٍ وَادَّعَى أَنَّهُ جَيِّدٌ وَأَنْكَرَ الطَّالِبُ فَالْقَاضِي يُرِي اثْنَيْنِ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الصَّنْعَةِ وَهَذَا أَحْوَطُ وَالْوَاحِدُ يَكْفِي فَإِنْ قَالَا: جَيِّدٌ أُجْبِرَ عَلَى الْقَبُولِ اهـ.
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ حَقًّا عَلَيْهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ رَبَّ السَّلَمِ يُنْكِرُ حَقًّا عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ الْأَجَلُ فَلَمْ يَكُنْ مُتَعَنِّتًا اهـ (قَوْلُهُ شَرَطْت لَك نِصْفَ الرِّبْحِ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ) وَفِي الْهِدَايَةِ نِصْفَ الرِّبْحِ وَزِيَادَةَ عَشَرَةٍ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْرِيرِهِ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَثُبُوتُهُ) أَيْ ثُبُوتُ الشَّيْءِ الْمَشْرُوطِ هُنَا. اهـ. .
[السَّلَم والاستصناع فِي الْخَفّ والطست والقمقم]
(قَوْلُهُ وَأَمَّا الِاسْتِصْنَاعُ فَلِلْإِجْمَاعِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَإِنْ اسْتَصْنَعَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ أَجَلٍ جَازَ اسْتِحْسَانًا قَالَ الْكَمَالُ: الِاسْتِصْنَاعُ طَلَبُ الصَّنْعَةِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِصَانِعِ خُفٍّ أَوْ مُكَعِّبٍ أَوْ صَفَّارٍ اصْنَعْ لِي خُفًّا طُولُهُ كَذَا وَسِعَتُهُ كَذَا أَوْ دَسْتًا أَيْ بُرْمَةً يَسَعُ كَذَا وَوَزْنُهُ كَذَا عَلَى هَيْئَةِ كَذَا بِكَذَا وَيُعْطِي الثَّمَنَ الْمُسَمَّى أَوْ لَا يُعْطِي شَيْئًا فَيَعْقِدُ الْآخَرَ مَعَهُ جَازَ اسْتِحْسَانًا تَبَعًا لِلْعَيْنِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ) أَيْ وَالصَّفَّارُ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ وَصَاحِبُ الْمَنْثُورِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا) أَيْ كَانَ لِلصَّانِعِ أَنْ لَا يَعْمَلَ وَلَا يُجْبَرَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ السَّلَمِ وَلِلْمُسْتَصْنِعِ أَنْ لَا يَقْبَلَ مَا يَأْتِي بِهِ وَيَرْجِعَ عَنْهُ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: إذَا اسْتَصْنَعَ لَا يُجْبَرُ الصَّانِعُ عَلَى الْعَمَلِ وَلَا الْمُسْتَصْنِعُ عَلَى إعْطَاءِ الْأَجْرِ وَإِنْ شَرَطَ التَّعْجِيلَ وَإِنْ قَبَضَ الصَّانِعُ الدَّرَاهِمَ مَلَكَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الْعَمَلُ وَشَبَّهَهَا بِالْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَقْصُودَ عَيْنُ الْمُسْتَصْنَعِ فِيهِ) هَذَا الْمُلْحَقُ لَيْسَ بِثَابِتٍ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْهُ اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute