للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيْنَ مَا فِيهِ تَعَامُلٌ وَمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ وَأَثْبَتَ فِيهِ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَلَوْ قَبَضَ الثَّمَنَ مَلَكَهُ وَالْمُوَاعَدَةُ تَجُوزُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا فِيمَا فِيهِ تَعَامُلٌ وَمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ وَلَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَلَا يَمْلِكُ بِهِ الْبَدَلَ فِي الْحَالِ فَبَطَلَ مَا قَالَهُ وَالْمَعْدُومُ قَدْ يُعْتَبَرُ مَوْجُودًا حُكْمًا لِلْحَاجَةِ كَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَعَكْسُهُ الْمَاءُ الْمُسْتَحَقُّ بِالْعَطَشِ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ الْحَاجَةُ هُنَا إذْ كُلُّ وَاحِدٍ لَا يَجِدُ خُفًّا مَصْنُوعًا يُوَافِقُ رِجْلَهُ وَلَا خَاتَمًا يُوَافِقُ أُصْبُعَهُ وَقَدْ يَجُوزُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ لِلْحَاجَةِ أَصْلُهُ بَيْعُ الْمَنَافِعِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ الْعَيْنُ دُونَ الْعَمَلِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْبَرْذَعِيِّ: الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ الْعَمَلُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِصْنَاعَ اسْتِفْعَالٌ مِنْ الصُّنْعِ وَهُوَ الْعَمَلُ فَتَسْمِيَةُ الْعَقْدِ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَالْأَدِيمُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْآلَةِ لِلْعَمَلِ وَلِهَذَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْلَمَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ حَتَّى لَوْ جَاءَ بِهِ مَفْرُوغًا لَا مِنْ صَنْعَتِهِ أَوْ مِنْ صَنْعَتِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَأَخَذَهُ جَازَ وَكَذَا لَوْ عَمِلَ بَعْدَهُ وَبَاعَهُ الصَّانِعُ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ الْمُسْتَصْنِعُ جَازَ وَلَوْ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ لَمَا جَازَ هَذَا كُلُّهُ.

وَكَذَا مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: إذَا جَاءَ بِهِ مَفْرُوغًا فَلِلْمُسْتَصْنِعِ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ سَمَّاهُ شِرَاءً وَأَثْبَتَ فِيهِ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَهُوَ لَا يَثْبُتُ إلَّا فِي الْعَيْنِ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ لِلِاسْتِصْنَاعِ شَبَهًا بِالْإِجَارَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهِ طَلَبَ الصُّنْعِ فَلِشَبَهِهِ بِالْإِجَارَةِ قُلْنَا: يَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلِشَبَهِهِ بِالْبَيْعِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ أَجْرَيْنَا فِيهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ وَقِيلَ: يَنْعَقِدُ إجَارَةً ابْتِدَاءً وَبَيْعًا انْتِهَاءً قُبَيْلَ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا بَلْ يُسْتَوْفَى مِنْ تَرِكَتِهِ وَالْإِجَارَةُ لَا يَثْبُتُ فِيهَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ فَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ لِتَعَذُّرِ جَمْعِهِمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا قُلْنَا فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ هِبَةٌ ابْتِدَاءً بَيْعٌ انْتِهَاءً وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمُسْتَصْنِعَ طَلَبَ مِنْهُ الْعَيْنَ وَالدَّيْنَ فَاعْتُبِرْنَاهُمَا جَمِيعًا تَوْفِيرًا عَلَى الْأَمْرَيْنِ حَظَّهُمَا فَإِنْ قِيلَ: إذَا اعْتَبَرْتُمْ فِيهِ مَعْنَى الْإِجَارَةِ وَمَعْنَى الْبَيْعِ وَجَبَ أَنْ يُجْبَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْمُضِيِّ وَلَا يُخَيَّرُ قُلْنَا: الْإِجَارَةُ تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ وَهَذَا عُذْرٌ؛ لِأَنَّ الصَّانِعَ يَلْزَمُهُ الضَّرَرُ بِقَطْعِ الصَّرْمِ فَبِاعْتِبَارِهِ كَانَ لِلصَّانِعِ فَسْخُهُ وَكَذَا الْبَيْعُ يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فَبِاعْتِبَارِهِ يَكُونُ لِلْمُسْتَصْنِعِ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالتَّخْيِيرِ وَلِأَنَّ الْجَوَازَ لِلضَّرُورَةِ فَيَظْهَرُ فِي حَقِّهِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ اللُّزُومِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ) أَيْ لِلْمُسْتَصْنِعِ الْخِيَارُ إذَا رَأَى الْمَصْنُوعَ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ بِخِلَافِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا رَدَّهُ عَلَيْهِ أَعْطَاهُ غَيْرَهُ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَعَيِّنٍ إذْ الْمُسْلَمُ فِيهِ دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ فَيَبْقَى فِيهَا حَتَّى يَقْبِضَهُ وَهَذَا يُفِيدُ الْفَسْخَ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالْإِحْضَارِ وَلَا خِيَارَ لِلصَّانِعِ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِقَطْعِ الصَّرْمِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَّا الصَّانِعُ فَلِمَا ذَكَرْنَا وَأَمَّا الْمُسْتَصْنِعُ فَلِأَنَّ فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ لَهُ إضْرَارًا بِالصَّانِعِ فَرُبَّمَا لَا يَرْغَبُ فِيهِ غَيْرُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ لِلْمُسْتَصْنِعِ الْخِيَارَ دُونَ الصَّانِعِ؛ لِأَنَّهُ الْمُشْتَرِي لِمَا لَمْ يَرَهُ وَالصَّانِعُ بَائِعٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلصَّانِعِ بَيْعُهُ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِاخْتِيَارِ الْمُسْتَصْنِعِ وَقَبْلَ أَنْ يَرَاهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ وَإِذَا رَآهُ وَرَضِيَ بِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِحْضَارِ أَسْقَطَ خِيَارَهُ وَلَزِمَ مِنْ جَانِبِهِ فَإِذَا رَضِيَ بِهِ الْمُسْتَصْنِعُ ثَبَتَ اللُّزُومُ فِي حَقِّهِ أَيْضًا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمُؤَجَّلُهُ سَلَمٌ) أَيْ إذَا أُجِّلَ الْمُسْتَصْنَعُ صَارَ سَلَمًا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إنْ ضَرَبَ الْأَجَلَ فِيمَا فِيهِ تَعَامُلٌ فَهُوَ اسْتِصْنَاعٌ وَإِنْ ضَرَبَ فِيمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ فَهُوَ سَلَمٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِصْنَاعَ فِيمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ كَالثِّيَابِ وَنَحْوِهِ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى السَّلَمِ تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ وَأَمَّا فِيمَا فِيهِ تَعَامُلٌ كَالْخَلَفِ وَنَحْوِهِ فَيَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ لَكِنَّ لَفْظَ الِاسْتِصْنَاعِ حَقِيقَةٌ فِيهِ فَكَانَ مُحَافَظَةً قَضِيَّتُهَا أَوْلَى وَيُحْمَلُ الْأَجَلُ عَلَى الِاسْتِعْجَالِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَهُ لِلتَّعْجِيلِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلِاسْتِمْهَالِ وَلَفْظُ الِاسْتِصْنَاعِ مُحْكَمٌ فِيهِ فَيُحْمَلُ الْمُحْتَمَلُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الِاسْتِصْنَاعَ عَقْدٌ جَائِزٌ غَيْرُ لَازِمٍ فَبِذِكْرِ الْأَجَلِ لَا يَكُونُ لَازِمًا كَعَقْدِ الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَلِأَنَّ الْأَجَلَ لِلتَّرْفِيهِ وَتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ فَلَا يَخْرُجُ بِهِ الْعَقْدُ مِنْ جِنْسٍ إلَى جِنْسٍ آخَرَ وَلَوْ كَانَ الِاسْتِصْنَاعُ بِذِكْرِ الْأَجَلِ يَصِيرُ سَلَمًا لَكَانَ السَّلَمُ بِدُونِ ذِكْرِ الْأَجَلِ اسْتِصْنَاعًا وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِذِكْرِ الْأَجَلِ سَلَمًا لَكَانَ فَاسِدًا؛ لِأَنَّهُ.

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ الصَّرْمُ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالصَّرْمُ بِالْفَتْحِ الْجِلْدُ وَهُوَ مُعَرَّبٌ. اهـ. .

(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ) أَيْ فَبِرَدِّهِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَيَعُودُ إلَيْهِ رَأْسُ مَالِهِ اهـ.

(قَوْلُهُ إذَا أُجِّلَ الْمُسْتَصْنَعُ صَارَ سَلَمًا) حَتَّى لَا يَثْبُتَ فِيهِ الْخِيَارُ وَيُشْتَرَطُ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ وَاسْتِقْصَاءُ الْوَصْفِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَهُوَ سَلَمٌ) أَيْ بِلَا خِلَافٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>