الْعِشَاءَ وَقَدْ تَوَارَى الشَّفَقُ فَصَلَّى بِنَا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا عَجَّلَ بِهِ السَّيْرُ صَنَعَ هَكَذَا» وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي وَقْتِهَا وَقَالَ نَافِعٌ؛ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَاقِدٍ إنَّ مُؤَذِّنَ ابْنِ عُمَرَ قَالَ الصَّلَاةَ قَالَ سِرْ حَتَّى إذَا كَانَ قَبْلَ غُيُوبِ الشَّفَقِ نَزَلَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ انْتَظَرَ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ وَصَلَّى الْعِشَاءَ، ثُمَّ قَالَ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا عَجَّلَ بِهِ السَّيْرُ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْت» وَهَذَا أَصْرَحُ مِنْ الْأَوَّلِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَلْفَاظٌ فِي وَقْتِ الْجَمْعِ وَذَكَرَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْأَحْكَامِ كُلَّ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي وَقْتِ جَمْعِهِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ فَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَرُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَلَكِنْ فِيهِ وَهْمٌ. وَالصَّحِيحُ مِنْهَا رِوَايَةُ ابْنِ جَابِرٍ وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا وَقَدْ رَوَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَلَّاهَا فِي وَقْتِهَا وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِيهِ هُوَ غَرِيبٌ وَقَالَ أَبُو دَاوُد لَيْسَ فِي تَقْدِيمِ الْوَقْتِ حَدِيثٌ قَائِمٌ وَقَالَ الْحَاكِمُ حَدِيثُ أَبِي الطُّفَيْلِ مَوْضُوعٌ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْجَمْعُ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ كَانَ كَثِيرًا مَا يَصِلُ الْحَدِيثَ بِكَلَامِهِ حَتَّى يُوهِمَ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ وَقَدْ أَنْكَرَتْ عَائِشَةُ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِالْجَمْعِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَحَدِيثُهَا الْمُتَقَدِّمُ حُجَّةٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا ذِكْرُ التَّأْخِيرِ وَالتَّقْدِيمِ وَذَلِكَ لَا يُنَافِي مَا قُلْنَا وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ» قِيلَ لَهُ مَا أَرَادَ بِذَلِكَ قَالَ أَنْ لَا تُحْرَجَ أُمَّتُهُ وَعَنْهُ «أَنَّهُ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمْعًا وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمْعًا فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ» وَلَا يَرَى الشَّافِعِيُّ الْجَمْعَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَكُلُّ جَوَابٍ لَهُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فَهُوَ جَوَابُنَا عَنْ كُلِّ مَا يَرْوِيهِ فِي الْجَمْعِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ أَبَا عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْبَرِّ أَنْكَرَ تَأْوِيلَنَا فَقَالَ مَعْلُومٌ أَنَّ الْجَمْعَ لِلْمُسَافِرِ رُخْصَةٌ، وَلَوْ كَانَ الْجَمْعُ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ مِنْ مُرَاعَاةِ آخِرِ الْأَوَّلِ وَأَوَّلِ الثَّانِي لَكَانَ ذَلِكَ ضِيقًا وَأَكْثَرَ حَرَجًا مِنْ إتْيَانِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي وَقْتِهَا؛ لِأَنَّ وَقْتَ كُلِّ صَلَاةٍ أَوْسَعُ وَمُرَاعَاتُهُ أَمْكَنُ مِنْ مُرَاعَاةِ طَرَفَيْ الْوَقْتَيْنِ وَقَالَ أَيْضًا إنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِجَمْعٍ إذَا كَانَ يَأْتِي بِكُلِّ وَاحِدَةٍ فِي وَقْتِهَا، ثُمَّ لَمَّا جَاءَ إلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُخَالِفِ لِمَذْهَبِهِ أَوَّلَهُ بِمَا أَوَّلْنَاهُ وَقَالَ الرُّخْصَةُ فِي التَّأْخِيرِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ فَقَدْ أَوَّلَهُ بِمَا أَنْكَرَهُ عَلَى خَصْمِهِ فَقُلْنَا إذَا كَانَ الْمُقِيمُ يَتَرَخَّصُ بِالتَّأْخِيرِ فَالْمُسَافِرُ أَوْلَى عَلَى أَنَّ هَذَا الْإِنْكَارَ خَرَجَ مِنْهُ عَنْ سَهْوٍ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحَرَجِ إنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَوْ كَانَ تَأْخِيرُ الْأُولَى إلَى آخِرِ الْوَقْتِ وَتَقْدِيمُ الثَّانِيَةِ فِي أَوَّلِهِ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِهِ وَإِنَّمَا نَقُولُ لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ وَيُؤَخِّرَ إنْ شَاءَ رُخْصَةً فَانْتَفَى الْحَرَجُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(بَابُ الْأَذَانِ) الْأَذَانُ الْإِعْلَامُ وَسَبَبُهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اهْتَمَّ لِلصَّلَاةِ كَيْف يُعْلِمُونَ بِهَا فَذُكِرَ لَهُ رَايَةٌ فَلَمْ يُعْجِبْهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
[ بَابُ الْأَذَانِ]
(بَابُ الْأَذَانِ) (قَوْلُهُ: الْأَذَانُ الْإِعْلَامُ) هَذَا فِي اللُّغَةِ وَشَرْعًا إعْلَامٌ مَخْصُوصٌ فِي أَوْقَاتٍ مَخْصُوصَةٍ اهـ ع وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ عَالِمًا بِالسُّنَّةِ وَبِمَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَأَنْ يَكُونَ جَهِيرَ الصَّوْتِ أَسْمَعَ لِلْجِيرَانِ وَالْمُوَاظِبُ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ الَّذِي لَا يُوَاظِبُ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ اهـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْإِمَامَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْأَذَانِ لِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا، وَكَذَا الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بَعْدَهُ وَقَوْلُ عُمَرَ لَوْلَا الْخَلِيفِيِّ لَأَذِنْت لَا يَسْتَلْزِمُ تَفْضِيلَهُ عَلَيْهَا بَلْ مُرَادُهُ لَأَذِنْت مَعَ الْإِمَامَةِ لَا مَعَ تَرْكِهَا فَيُفِيدُ أَنَّ الْأَفْضَلَ كَوْنُ الْإِمَامِ هُوَ الْمُؤَذِّنُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَعَلَيْهِ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ أَخْبَارِهِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَالْإِمَامَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْأَذَانِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ لِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا، وَكَذَا الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ الْأَذَانُ أَفْضَلُ اهـ.
وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ اهـ فَإِنْ قُلْت هَلْ أَذَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْت رَوَى التِّرْمِذِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذَّنَ فِي سَفَرٍ وَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ وَهُمْ عَلَى رَوَاحِلِهِمْ السَّمَاءُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَالْبِلَّةُ مِنْ أَسْفَلِهِمْ» وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ الْحَدِيثَ وَصَحَّحَهُ وَخَرَّجَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ كَذَا فِي شَرْحِ مُغَلْطَاي قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَأَمَّا بَيَانُ مَا يَجِبُ عَلَى السَّامِعِينَ عِنْدَ الْأَذَانِ فَالْوَاجِبُ الْإِجَابَةُ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أَرْبَعَةٌ مِنْ الْجَفَاءِ مَنْ بَالَ قَائِمًا وَمَنْ مَسَحَ جَبْهَتَهُ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ وَمَنْ سَمِعَ الْأَذَانَ وَلَمْ يُجِبْ وَمَنْ سَمِعَ ذِكْرِي وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ» وَالْإِجَابَةُ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ مَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ» فَيَقُولُ مِثْلَ مَا يَقُولُ إلَّا قَوْلَهُ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ فَإِنَّهُ يَقُولُ مَكَانَهُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ فَإِنَّ إعَادَةَ ذَلِكَ يُشْبِهُ الْمُحَاكَاةَ وَالِاسْتِهْزَاءَ، وَكَذَا إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ لَا يُعِيدُهُ السَّامِعُ لِمَا قُلْنَا وَلَكِنَّهُ يَقُولُ صَدَقْت وَبَرَرْت أَوْ مَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَكَلَّمَ السَّامِعُ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَلَا يَشْتَغِلَ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ الْأَعْمَالِ سِوَى الْإِجَابَةِ وَلَوْ كَانَ فِي الْقُرْآنِ يَنْبَغِي أَنْ يَقْطَعَ وَيَشْتَغِلَ بِالِاسْتِمَاعِ وَالْإِجَابَةِ كَذَا قَالُوا فِي الْفَتَاوَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute