للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ؛ وَلِأَنَّ الْجُرْحَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَالْبُنْدُقَةُ لَا تَجْرَحُ وَكَذَا عَرْضُ الْمِعْرَاضِ، وَإِنْ رَمَاهُ بِالسِّكِّينِ أَوْ السَّيْفِ فَإِنْ أَصَابَهُ بِحَدِّهِ أُكِلَ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ فَإِنْ كَانَ ثَقِيلًا لَا يُؤْكَلُ وَإِنْ جَرَحَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِثِقْلِهِ، وَإِنْ كَانَ الْحَجَرُ خَفِيفًا وَبِهِ حِدَّةٌ وَجَرَحَ يَحِلُّ لِتَعَيُّنِ الْمَوْتِ بِالْجُرْحِ وَلَوْ جَعَلَ الْحَجَرَ طَوِيلًا كَالسَّهْمِ وَهُوَ خَفِيفٌ وَبِهِ حِدَّةٌ فَرَمَى بِهِ صَيْدًا فَإِنْ جَرَحَ حَلَّ لِقَتْلِهِ بِجُرْحِهِ وَلَوْ رَمَاهُ بِمَرْوَةَ حَدِيدَةٍ وَلَمْ تَبْضِعْ بَضْعًا لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ دَقًّا وَكَذَا إذَا رَمَاهُ بِهَا فَأَبَانَ رَأْسَهُ أَوْ قَطَعَ أَوْدَاجَهُ أَوْ أَبَانَ رَأْسَهُ؛ لِأَنَّ الْعُرُوقَ قَدْ تَنْقَطِعُ بِالثِّقْلِ فَوَقَعَ الشَّكُّ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ قَطْعِ الْأَوْدَاجِ وَلَوْ رَمَاهُ بِعُودٍ مِثْلِ الْعَصَا وَنَحْوِهِ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ ثِقْلًا لَا جُرْحًا إلَّا إذَا كَانَ لَهُ حَدٌّ فَبَضَعَ بَضْعًا فَيَكُونُ كَالسَّيْفِ وَالرُّمْحِ وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْمَوْتَ إذَا حَصَلَ بِالْجُرْحِ بِيَقِينٍ حَلَّ، وَإِنْ حَصَلَ بِالثِّقْلِ أَوْ شَكَّ فِيهِ فَلَا يَحِلُّ حَتْمًا أَوْ احْتِيَاطًا، وَإِنْ جَرَحَهُ فَمَاتَ وَكَانَ الْجُرْحُ مُدْمِيًا حَلَّ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُدْمٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ قِيلَ لَا يَحِلُّ لِانْعِدَامِ مَعْنَى الذَّكَاةِ، وَهُوَ إخْرَاجُ الدَّمِ النَّجِسِ وَشَرَطَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إخْرَاجَ الدَّمِ بِقَوْلِهِ «انْهَرْ الدَّمَ بِمَا شِئْت» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا وَقِيلَ يَحِلُّ لِإِتْيَانِ مَا فِي وُسْعِهِ، وَهُوَ الْجُرْحُ وَإِخْرَاجُ الدَّمِ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ فَلَا يَكُونُ مُكَلَّفًا بِهِ؛ لِأَنَّ الدَّمَ قَدْ يَنْحَبِسُ لِغِلَظِهِ أَوْ لِضِيقِ الْمَنْفَذِ بَيْنَ الْعُرُوقِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ وَقِيلَ إنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ كَبِيرَةً حَلَّ بِدُونِ الْإِدْمَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا يَحِلُّ إلَّا بِالْإِدْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْكَبِيرَةَ إنَّمَا لَا يَخْرُجُ مِنْهَا الدَّمُ لِعَدَمِهِ وَالصَّغِيرَةَ لِضِيقِ الْمَخْرَجِ ظَاهِرًا فَيَكُونُ التَّقْصِيرُ مِنْهُ وَإِنْ ذَبَحَ الشَّاةَ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا الدَّمُ قِيلَ يَحِلُّ أَكْلُهَا وَقِيلَ لَا يَحِلُّ فَالْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ وَالثَّانِي قَوْلُ إسْمَاعِيلَ الصَّفَّارِ وَوَجْهُ الْقَوْلَيْنِ دَخَلَ فِيمَا ذَكَرْنَا، وَإِذَا أَصَابَ السَّهْمُ ظِلْفَ الصَّيْدِ أَوْ قَرْنَهُ فَإِنْ أَدْمَاهُ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ يَشْتَرِطُ خُرُوجَ الدَّمِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْ رَمَى صَيْدًا فَقَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ أَكَلَ الصَّيْدَ لَا الْعُضْوَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أُكِلَا إنْ مَاتَ الصَّيْدُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُبَانٌ بِذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ فَيَحِلُّ كَالْمُبَانِ بِذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَمُتْ لِأَنَّهُ مَا أُبِينَ بِالذَّكَاةِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا قُطِعَ مِنْ بَهِيمَةٍ، وَهِيَ حَيَّةٌ فَمَا قُطِعَ مِنْهَا فَهُوَ مَيْتَةٌ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ذَكَرَ الْحَيَّ مُطْلَقًا فَيَنْصَرِفُ إلَى الْحَيِّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَالْعُضْوُ الْمُبَانُ مِنْهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ الْمُبَانَ مِنْهُ حَيٌّ حَقِيقَةً لِقِيَامِ الْحَيَاةِ فِيهِ وَكَذَا حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ يَتَوَهَّمُ سَلَامَتَهُ بَعْدَ هَذِهِ الْجِرَاحَةِ وَلِهَذَا اُعْتُبِرَ هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْحَيَاةِ حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ وَفِيهِ قَدْرُ هَذَا مِنْ الْحَيَاةِ يَحْرُمُ بِخِلَافِ مَا إذَا أُبِينَ بِذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ؛ لِأَنَّ الْمُبَانَ مِنْهُ مَيِّتٌ حُكْمًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فِي الْمَاءِ أَوْ تَرَدَّى مِنْ الْجَبَلِ لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ حَصَلَ بِالْإِبَانَةِ حُكْمًا فَلَا يُضَافُ إلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ حَصَلَ بِذَلِكَ حَقِيقَةً، وَقَوْلُهُ أُبِينَ بِالذَّكَاةِ قُلْنَا حَالَ وُقُوعِهِ لَمْ يَقَعْ ذَكَاةً لِقِيَامِ الْحَيَاةِ فِي الْبَاقِي حَقِيقَةً وَحُكْمًا عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَإِنَّمَا يَقَعُ ذَكَاةً عِنْدَ مَوْتِهِ وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا يَظْهَرُ فِي الْمُبَانِ لِعَدَمِ الْحَيَاةِ فِيهِ وَلَا تَبَعِيَّةَ لِزَوَالِهِ بِالِانْفِصَالِ فَصَارَ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْمُبَانَ مِنْ الْحَيِّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لَا يَحِلُّ وَالْمُبَانَ مِنْ الْحَيِّ صُورَةً لَا حُكْمًا يَحِلُّ بِأَنْ يَبْقَى فِي الْمُبَانِ مِنْهُ حَيَاةٌ بِقَدْرِ مَا يَكُونُ فِي الْمَذْبُوحِ فَإِنَّهُ حَيٌّ صُورَةً لَا حُكْمًا بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ وُقُوعُهُ فِي الْبِئْرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَكَذَا يَحِلُّ أَكْلُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ

وَإِنْ كَانَ يُكْرَهُ لِمَا فِيهَا مِنْ زِيَادَةِ الْإِيلَامِ بِقَطْعِ لَحْمِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْمُبَانُ مِنْهُ بِالِاصْطِيَادِ؛ لِأَنَّهُ حَيٌّ حَقِيقَةً وَحُكْمًا حَتَّى لَا يَثْبُتَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْ قَطَعَهُ أَثْلَاثًا وَالْأَكْثَرُ مِمَّا يَلِي الْعَجُزَ أُكِلَ كُلُّهُ)؛ لِأَنَّ الْمُبَانَ مِنْهُ حَيٌّ صُورَةً لَا حُكْمًا إذْ لَا يُتَوَهَّمُ سَلَامَتُهُ وَبَقَاؤُهُ حَيًّا بَعْدَ هَذِهِ الْجِرَاحَةِ فَوَقَعَ ذَكَاةً فِي الْحَالِ فَحَلَّ كُلُّهُ كَمَا إذَا أُبِينَ رَأْسُهُ فِي الذَّكَاةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ وَكَذَا إذَا قُدَّ نِصْفَيْنِ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ يَدًا أَوْ رِجْلًا أَوْ فَخِذًا أَوْ ثُلُثَهُ مِمَّا يَلِي الْقَوَائِمَ أَوْ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الرَّأْسِ حَيْثُ يَحْرُمُ الْمُبَانُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ بَقَاءُ الْحَيَاةِ فِي الْبَاقِي، وَإِنْ ضَرَبَ عُنُقَ شَاةٍ فَأَبَانَ رَأْسَهَا تَحِلُّ لِقَطْعِ الْأَوْدَاجِ وَيُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْأَلَمِ بِإِبْلَاغِهِ النُّخَاعَ، وَإِنْ ضَرَبَهَا مِنْ قِبَلِ الْقَفَا إنْ مَاتَتْ قَبْلَ قَطْعِ الْأَوْدَاجِ لَا تَحِلُّ، وَإِنْ لَمْ تَمُتْ حَتَّى قَطَعَ الْأَوْدَاجَ حَلَّتْ وَلَوْ ضَرَبَ صَيْدًا فَقَطَعَ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ وَلَمْ يَنْفَصِلْ ثُمَّ مَاتَ إنْ كَانَ يُتَوَهَّمُ الْتِئَامُهُ وَانْدِمَالُهُ حَلَّ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ أَجْزَائِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُتَوَهَّمُ بِأَنْ بَقِيَ مُتَعَلِّقًا بِجِلْدِهِ حَلَّ مَا سِوَاهُ دُونَهُ لِوُجُودِ الْإِبَانَةِ مَعْنًى

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَلَوْ رَمَاهُ بِمَرْوَةَ حَدِيدَةٍ) أَيْ حَادَّةٍ، وَهِيَ صِفَةٌ لِمَرْوَةَ، وَهِيَ الْحَجَرُ الْأَبْيَضُ الرَّقِيقُ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ تَبْضِعْ) الْبَضْعُ الشَّقُّ وَالْقَطْعُ. اهـ. مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ قِيلَ لَا يَحِلُّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَأَفْرَى الْأَوْدَاجَ فَكُلْ» فَشَرَطَ الْإِنْهَارَ، وَهَذَا ضَعِيفٌ عِنْدِي؛ لِأَنَّهُ كَمَا شَرَطَ الْإِنْهَارَ شَرَطَ فَرْيَ الْأَوْدَاجِ أَيْضًا وَفِي ذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ لَمْ يَشْتَرِطْ فَرْيَ الْأَوْدَاجِ فَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ الْإِنْهَارُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَحِلُّ) أَيْ صَغِيرَةً كَانَتْ الْجِرَاحَةُ أَوْ كَبِيرَةً، وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدِي؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْجُرْحِ كَافٍ فِي ذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِعَدَمِهِ) كَمَا إذَا عَلَفَهُ وَرَقَ الْعُنَّابِ فَاحْتَبَسَ دَمُهُ وَخُرُوجُ الدَّمِ حَالَ عَدَمِهِ فِيمَا لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلْإِبَاحَةِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ ذَبَحَ شَاةً وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا دَمٌ إلَخْ) اُنْظُرْ عِبَارَةَ الْمَتْنِ فِي آخِرِ الذَّبَائِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَإِذَا أَصَابَ السَّهْمُ إلَخْ) ذَكَرَ الْأَتْقَانِيُّ عَقِيبَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِبَارَةَ الْوَلْوَالِجِيِّ الَّتِي نَقَلْتهَا فِيمَا تَقَدَّمَ فِي فَصْلٍ فِيمَا يَحِلُّ وَمَا لَا يَحِلُّ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ ذَبَحَ شَاةً فَتَحَرَّكَتْ إلَخْ عَلَى قَوْلِهِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا إلَخْ اهـ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

[رَمَى صَيْدًا فَقَطَعَ عُضْو مِنْهُ]

(قَوْلُهُ لِمَا فِيهَا) وَاَلَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ لِمَا فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَإِنْ ضَرَبَ عُنُقَ شَاةٍ) أَيْ بِسَيْفٍ وَسَمَّى. اهـ. هِدَايَةٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>