للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِبَغْدَادَ فَلَمْ يَجِدْ فُلَانًا وَعَادَ فَلَهُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ بِقَطْعِ الْمَسَافَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي وُسْعِهِ، وَأَمَّا الْإِسْمَاعُ فَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ فَلَا يُقَابِلُهُ الْأَجْرُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا يَكُونُ خِلَافًا فِيهَا) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (صَحَّ إجَارَةُ الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ بِلَا بَيَانِ مَا يُعْمَلُ فِيهَا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ حَتَّى يُبَيِّنَ مَا يُعْمَلُ فِيهَا؛ لِأَنَّ الدَّارَ تَصْلُحُ لِلسُّكْنَى وَلِغَيْرِهَا، وَكَذَا الْحَوَانِيتُ تَصْلُحُ لِأَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ مَا لَمْ يُبَيِّنْ مَا يَعْمَلُ فِيهَا كَاسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ وَالثِّيَابِ لِلُّبْسِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ لِأَنَّ الْعَمَلَ الْمُتَعَارَفَ فِيهَا السُّكْنَى، وَلِهَذَا تُسَمَّى مَسْكَنًا فَيَنْصَرِفُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ كَالْمَشْرُوطِ وَلِأَنَّهَا لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعَامِلِ وَالْعَمَلِ فَجَازَ إجَارَتُهَا مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْأَرْضِ وَالثِّيَابِ فَإِنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ بِاخْتِلَافِ الْمَزْرُوعِ وَاللَّابِسِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا كُلَّ شَيْءٍ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعَامِلِ وَالْعَمَلِ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا مَا شَاءَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَلَهُ أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ مَعَهُ أَوْ مُنْفَرِدًا؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ السُّكَّانِ لَا تَضُرُّ بِهَا بَلْ تَزِيدُ فِي عِمَارَتِهَا؛ لِأَنَّ خَرَابَ الْمَسْكَنِ بِتَرْكِ السَّكَنِ وَلَهُ أَنْ يَضَعَ فِيهَا مَا بَدَا لَهُ حَتَّى الْحَيَوَانَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ السُّكْنَى وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا مَا بَدَا لَهُ مِنْ الْعَمَلِ كَالْوُضُوءِ وَالِاغْتِسَالِ وَغَسْلِ الثِّيَابِ وَكَسْرِ الْحَطَبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ تَوَابِعِ السُّكْنَى وَبِهِ تَتِمُّ السُّكْنَى وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلَ الدَّوَابُّ فِي عُرْفِنَا؛ لِأَنَّ الْمَنَازِلَ بِبُخَارَى تَضِيقُ عَنْ سُكْنَى النَّاسِ فَكَيْفَ تَتَّسِعُ لِإِدْخَالِ الدَّوَابِّ، وَإِنَّمَا هَذَا الْجَوَابُ بِنَاءً عَلَى عُرْفِهِمْ فِي الْكُوفَةِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْكِنُ حَدَّادًا أَوْ قَصَّارًا أَوْ طَحَّانًا) لِأَنَّ فِي نَصْبِ الرَّحَا وَاسْتِعْمَالِهَا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ضَرَرًا ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهَا تُوهِنُ الْبِنَاءَ فَيَتَقَيَّدُ الْعَقْدُ بِمَا وَرَاءَهَا دَلَالَةً وَالْمُرَادُ بِالرَّحَا رَحَا الْمَاءِ أَوْ رَحَا الثَّوْرِ، وَأَمَّا رَحَا الْيَدِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ النَّصْبِ فِيهَا؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ وَهُوَ مِنْ تَوَابِعِ السُّكْنَى عَادَةً فَلَا بُدَّ مِنْهُ وَعَلَى هَذَا لَهُ تَكْسِيرُ الْحَطَبِ الْمُعْتَادِ لِلطَّبْخِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوهِنُ الْبِنَاءَ وَإِنْ زَادَ عَلَى الْعَادَةِ بِحَيْثُ يُوهِنُ الْبِنَاءَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا صَاحِبِ الدَّارِ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الدَّقُّ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فَإِنَّ الْقَلِيلَ مِنْهُ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنْ يَدُقَّ أَهْلُ كُلِّ دَارٍ ثِيَابَهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ وَلَا يُوهِنُ ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْهُ الْبِنَاءَ فَحَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّ مَا يُوهِنُ الْبِنَاءَ أَوْ فِيهِ ضَرَرٌ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهَا وَكُلُّ مَا لَا ضَرَرَ فِيهِ جَارٍ لَهُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ وَاسْتَحَقَّهُ بِهِ، وَلَوْ قَعَدَ الْحَدَّادُ وَانْهَدَمَ الْبِنَاءُ بِعَمَلِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهَا وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَالْأَجْرَ لَا يَجْتَمِعَانِ وَإِنْ لَمْ يَنْهَدِمْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَمَلَ غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ الْعَقْدِ وَالْحَالُ فِيهِ قَبْلَ الْعَقْدِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ السُّكْنَى وَفِي الْحِدَادَةِ وَأَخَوَاتِهَا السُّكْنَى وَزِيَادَةٌ فَيَكُونُ مُسْتَوْفِيًا لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَهُوَ نَظِيرُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الْأَتْقَانِيُّ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيُبَلِّغَ رِسَالَتَهُ إلَى فُلَانٍ بِالْبَصْرَةِ فَذَهَبَ الرَّجُلُ فَلَمْ يَجِدْ الْمُرْسَلَ إلَيْهِ أَوْ وَجَدَهُ لَكِنْ لَمْ يُبَلِّغْ الرِّسَالَةَ فَرَجَعَ فَلَهُ الْأَجْرُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرِّسَالَةِ وَالْكِتَابِ أَنَّ الرِّسَالَةَ قَدْ تَكُونُ سِرًّا لَا يَرْضَى الْمُرْسِلُ بِأَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ أَمَّا الْكِتَابُ فَمَخْتُومٌ يَعْنِي لَوْ تَرَكَ الْكِتَابَ مَخْتُومًا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ لَا نُسَلَّمُ هَذَا الْفَصْلَ فَالرِّسَالَةِ وَالْكِتَابُ سَوَاءٌ فَأَمَّا فِي الطَّعَامِ إذَا رَجَعَ بِالطَّعَامِ وَهَلَكَ فِي الطَّرِيقِ لَا يَضْمَنُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. اهـ.

[بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا يَكُونُ خِلَافًا فِيهَا]

(بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا يَكُونُ خِلَافًا فِيهَا) (قَوْلُهُ وَلِغَيْرِهَا) أَيْ كَوَضْعِ الْأَمْتِعَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَكَسْرِ الْحَطَبِ) سَيَأْتِي بَعْدَ أَسْطُرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا هَذَا الْجَوَابُ بِنَاءً عَلَى عُرْفِهِمْ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِنْ كَانَ فِي الدَّارِ مَوْضِعٌ مُعَدٌّ لِرَبْطِ الدَّوَابِّ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إفْسَادِ الدَّارِ إذْ رَبْطُ الدَّوَابَّ فِي مَوْضِعِ السُّكْنَى إفْسَادٌ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ يَسْكُنُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ الثَّلَاثِي الْمُجَرَّدِ فَيَكُونُ عَلَى هَذَا انْتِصَابُ قَوْلِهِ حَدَّادًا أَوْ قَصَّارًا أَوْ طَحَّانًا عَلَى الْحَالِ وَيُفْهَمُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ عَدَمُ إسْكَانِهِ غَيْرَهُ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ وَيَجُوزُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْكَافِ وَانْتِصَابِ كُلٍّ مِنْهَا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يُفْهَمُ عَدَمُ سُكْنَاهُ بِنَفْسِهِ بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ يُوهِنُ الْبِنَاءَ وَفِي سُكْنَى نَفْسِهِ مُتَلَبِّسًا بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَهَذَا الْمَعْنَى حَاصِلٌ فَكَانَ فِي مَنْعِهِ عَنْ إسْكَانِهِ غَيْرُ إشَارَةٍ إلَى مَنْعِهِ عَنْ سُكْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الْأَوَّلَ دَلَالَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْلِكْ السُّكْنَى بِنَفْسِهِ فَلَأَنْ لَا يُمَلِّكَهَا غَيْرُهُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَإِذَا اسْتَأْجَرَ بَيْتًا عَلَى أَنْ يُقْعِدَ فِيهِ قَصَّارًا فَأَرَادَ أَنْ يُقْعِدَ فِيهِ حَدَّادًا فَلَهُ ذَلِكَ إنْ كَانَ مَضَرَّتُهُمَا وَاحِدَةً أَوْ مَضَرَّةُ الْحَدَّادِ أَقَلَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ مِنْهُ ضَرَرٌ زَائِدٌ فَكَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مَضَرَّةً لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لِتَحَقُّقِ الضَّرَرِ، وَكَذَلِكَ الرَّحَى، وَالْمُسْلِمُ وَالْحَرْبِيُّ وَالْمُسْتَأْمِنُ وَالْحُرُّ وَالْمَمْلُوكُ التَّاجِرُ وَالْمُكَاتَبُ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ فِي الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى إقَامَةِ الْمَصَالِحِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يَمْلِكُ إقَامَةَ مَصَالِحِ دُنْيَاهُ وَلِأَنَّهُ نَوْعُ تِجَارَةٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَمْلِكُ التِّجَارَةَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ) وَفِي الذَّخِيرَةِ وَرَحَى الْيَدِ إذَا كَانَ يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ يُمْنَعُ عَنْهُ وَإِلَّا لَا هَكَذَا اخْتَارَهُ الْحَلْوَانِيُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَالْأَجْرَ لَا يَجْتَمِعَانِ) وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّا جَعَلْنَا فِعْلَهُ إتْلَافًا مِنْ الِابْتِدَاءِ وَالْإِتْلَافُ لَا يُقَابَلُ بِالْأَجْرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>