الْقَوْلُ فِي الْكُلِّ قَوْلَ الْمُسْتَأْجِرِ أَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْخِيَاطَةِ وَالصَّبْغِ فَلِأَنَّ الْإِذْنَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَةِ رَبِّ الثَّوْبِ فَكَانَ أَعْلَمَ بِكَيْفِيَّتِهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ الْإِذْنَ بِالْكُلِّيَّةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَكَذَا إذَا أَنْكَرَ وَصْفَهُ إذْ الْوَصْفُ تَابِعٌ لِلْأَصْلِ لَكِنَّهُ يَحْلِفُ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ شَيْئًا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ، فَإِذَا أَنْكَرَهُ يَحْلِفُ، فَإِذَا حَلَفَ فَالْخَيَّاطُ ضَامِنٌ وَصَاحِبُ الثَّوْبِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَلَا أَجْرَ لَهُ أَوْ قِيمَتَهُ مَعْمُولًا فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ مِنْ جِهَةٍ وَهُوَ فِي أَصْلِ الْعَمَلِ مُخَالِفٌ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ فِي الصِّفَةِ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ
وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَضْمَنَ لَهُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى الْقَوْلُ قَوْلُ الصَّبَّاغِ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْإِذْنِ فِي الصَّبْغِ، ثُمَّ رَبُّ الثَّوْبِ يَدَّعِي عَلَيْهِ خِلَافًا لِيُضَمِّنَهُ أَوْ لِيُثْبِتَ لِنَفْسِهِ الْخِيَارَ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ وَجَوَابُهُ مَا بَيَّنَّا، وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْأَجْرِ فَلِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ مُنْكِرٌ تَقَوُّمَ عَمَلِهِ وَوُجُوبَ الْأَجْرِ عَلَيْهِ، وَالصَّانِعُ يَدَّعِيهِ فَكَانَ الْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ كَانَ الصَّانِعُ حَرِيفًا لَهُ أَيْ مُعَامِلًا لَهُ بِأَنْ كَانَ يَدْفَعُ إلَيْهِ شَيْئًا لِلْعَمَلِ وَيُقَاطِعُهُ عَلَيْهِ فَلَهُ الْأَجْرُ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْهُمَا مِنْ الْمُقَاطَعَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَعْمَلُهُ بِأَجْرٍ فَقَامَ ذَلِكَ مَقَامَ الِاشْتِرَاطِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ قَدْ جَرَتْ بِالدَّفْعِ لِلْعَمَلِ إلَى مَنْ يُخَالِطُهُ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةِ الْأَجْرِ لِلْعِلْمِ بِهِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ كَانَ الصَّانِعُ مَعْرُوفًا بِهَذِهِ الصَّنْعَةِ بِالْأَجْرِ وَقِيَامِ حَالِهِ بِهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ لَمَّا فَتَحَ الدُّكَّانَ لِأَجْلِهِ جَرَى ذَلِكَ مَجْرَى التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ اعْتِبَارًا لِظَاهِرِ الْمُعْتَادِ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَمَا ذَكَرَاهُ مِنْ الظَّاهِرِ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ إذْ الظَّاهِرُ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا غَيْرُ. أَلَا تَرَى أَنَّ ذَا الْيَدِ يَدْفَعُ الْمُدَّعَى بِالْيَدِ، ثُمَّ إذَا بِيعَتْ بِجَنْبِ مَا فِي يَدِهِ دَارٌ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الشُّفْعَةَ لِمَا قُلْنَا وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(بَابُ فَسْخِ الْإِجَارَةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُفْسَخُ بِالْعَيْبِ) أَيْ تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْبَدَلِ عَنْ الْعَيْبِ، فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ فَاتَ رِضَاهُ فَيُفْسَخُ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ الْمَنَافِعُ وَهِيَ تَحْدُثُ سَاعَةً فَسَاعَةً فَمَا وُجِدَ مِنْ الْعَيْبِ يَكُونُ حَادِثًا قَبْلَ الْقَبْضِ فِي حَقِّ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَنَافِعِ فَيُوجِبُ الْخِيَارَ كَمَا إذَا حَدَثَ الْعَيْبُ بِالْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، ثُمَّ إذَا اسْتَوْفَى الْمُسْتَأْجِرُ الْمَنْفَعَةَ مَعَ الْعَيْبِ فَقَدْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ فَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْبَدَلِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، فَإِنْ فَعَلَ الْمُؤَجِّرُ مَا أَزَالَ بِهِ الْعَيْبَ فَلَا خِيَارَ لِلْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلرَّدِّ قَدْ زَالَ قَبْلَ الْفَسْخِ وَالْعَقْدُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ، فَإِنْ شَاءَ رَبُّ الثَّوْبِ أَخَذَهُ وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ. اهـ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْخَيَّاطِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. إلَى هُنَا لَفْظُ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَالتَّتِمَّةِ. اهـ.
[بَابُ فَسْخِ الْإِجَارَةِ]
(بَابُ فَسْخِ الْإِجَارَةِ) ذَكَرَ الْفَسْخَ آخِرًا؛ لِأَنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ بَعْدَ وُجُودِ الْعَقْدِ لَا مَحَالَةَ فَنَاسَبَ ذِكْرَهُ آخِرًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ثُمَّ إنَّمَا يَلِي الْمُسْتَأْجِرُ الْفَسْخَ إذَا كَانَ الْمُؤَاجِرُ حَاضِرًا، فَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَحَدَثَ بِالْمُسْتَأْجَرِ مَا يُوجِبُ الْفَسْخَ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِحُضُورِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهَا. اهـ. بَدَائِعُ.
(قَوْلُهُ فَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْبَدَلِ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ عَبْدًا لِيَخْدُمَهُ أَوْ دَابَّةً لِيَرْكَبَهُ إلَى مَكَان مَعْلُومٍ أَوْ دَارًا فَحَدَثَ فِيهَا عَيْبٌ يَضُرُّ بِالِانْتِفَاعِ بِمَا اُسْتُؤْجِرَ مِنْ ذَلِكَ فَالْمُسْتَأْجِرُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ مَضَى عَلَى الْإِجَارَةِ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ، وَإِنْ مَضَى عَلَى ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ تَامًّا لَا يُنْقِصُ مِنْهُ شَيْئًا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْحَادِثُ سُقُوطَ بَيْتٍ مِنْهَا فَمَضَى عَلَى الْإِجَارَةِ لَا يُنْقِصُ مِنْهُ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ مَا حَدَثَ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ لَا يُنْقِصُ الِانْتِفَاعَ بِهِ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَالْإِجَارَةُ لَهُ لَازِمَةٌ، فَإِنْ بَنَى الْمُؤَاجِرُ مَا سَقَطَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ، فَإِنْ كَانَ الْمُؤَاجِرُ غَائِبًا فَحَدَثَ مَا يُوجِبُ الْفَسْخَ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَفْسَخَ، وَإِنْ سَقَطَتْ الدَّارُ كُلُّهَا فَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ كَانَ صَاحِبُ الدَّارِ شَاهِدًا أَوْ غَائِبًا. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْعَيْبَ إذَا حَدَثَ بِالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ فَإِنَّ أَثَرَ ذَلِكَ فِي الْمَنَافِعِ يُثْبِتُ الْخِيَارَ لِلْمُسْتَأْجِرِ كَالْعَبْدِ إذَا مَرِضَ وَالدَّابَّةِ إذَا مَرِضَتْ وَالدَّارِ إذَا انْهَدَمَ بَعْضُهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ كَالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَحُدُوثُ عَيْبٍ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُوجِبُ الْخِيَارَ، وَإِنْ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي الْمَنَافِعِ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ كَالْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ لِلْخِدْمَةِ إذَا ذَهَبَتْ إحْدَى عَيْنَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِالْخِدْمَةِ أَوْ سَقَطَ شَعْرُهُ وَكَالدَّارِ إذَا سَقَطَ مِنْهَا حَائِطٌ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي سُكْنَاهَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى الْمَنْفَعَةِ دُونَ الْعَيْنِ، وَهَذَا النَّقْصُ حَصَلَ بِالْعَيْنِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ وَالنَّقْصُ بِغَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ ثُمَّ فِيمَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ إذَا اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ يَلْزَمُهُ الْأَجْرُ كَامِلًا كَالْمُشْتَرِي إذَا رَضِيَ بِالْمَعِيبِ ثُمَّ إذَا حَدَثَ مَا يُوجِبُ الْفَسْخَ لَا يَجُوزُ الْفَسْخُ إلَّا بِحُضُورِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ؛ لِأَنَّ حُضُورَهُمَا أَوْ حُضُورَ نَائِبَيْهِمَا شَرْطُ الْفَسْخِ، فَإِنْ سَقَطَتْ الدَّارُ كُلُّهَا فَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ شَاهِدًا كَانَ صَاحِبُ الدَّارِ أَوْ غَائِبًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute