يَتَجَدَّدُ سَاعَةً فَسَاعَةً فَلَمْ يُوجَدْ فِيمَا يَأْتِي بَعْدَهُ فَسَقَطَ خِيَارُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَخَرَابِ الدَّارِ وَانْقِطَاعِ مَاءِ الضَّيْعَةِ وَالرَّحَى) أَيْ تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَنْفَسِخُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنَافِعُ الْمَخْصُوصَةُ قَدْ فَاتَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَصَارَ كَهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَمَوْتِ الْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَنَافِعَ قَدْ فَاتَتْ عَلَى وَجْهٍ يُتَصَوَّرُ عَوْدُهَا فَأَشْبَهَ إبَاقَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ الْمُسْتَأْجَرِ، وَقَالَ فِي الْأَصْلِ إنَّ الْإِجَارَةَ فِي الرَّحَى لَا تَنْفَسِخُ بِانْقِطَاعِ الْمَاءِ، وَقَدْ رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ بَيْتًا فَانْهَدَمَ فَبَنَاهُ الْمُؤَجِّرُ وَأَرَادَ الْمُسْتَأْجِرُ أَنْ يَسْكُنَهُ فِي بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَا لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْهُ، وَهَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ وَلَكِنَّهُ يُفْسَخُ وَلِأَنَّ أَصْلَ الْمَوْضِعِ يُسْكَنُ بَعْدَ انْهِدَامِ الْبِنَاءِ وَيَتَأَتَّى فِيهِ السُّكْنَى بِنَصْبِ الْفُسْطَاطِ فَبَقِيَ الْعَقْدُ لَكِنْ لَا أَجْرَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَصَدَهُ بِالِاسْتِئْجَارِ، وَلَوْ انْقَطَعَ مَاءُ الرَّحَا وَالْبَيْتِ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ لِغَيْرِ الطَّحْنِ فَعَلَيْهِ مِنْ الْأَجْرِ بِحِصَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَإِذَا اسْتَوْفَاهُ لَزِمَتْهُ حِصَّتُهُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إنْ عَقَدَهَا لِنَفْسِهِ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلَا بِمَوْتِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ عِنْدَهُ كَالْأَعْيَانِ الْقَائِمَةِ فَكَمَا لَا تَبْطُلُ فِي الْعَيْنِ لَا تَبْطُلُ فِيهَا وَلَنَا أَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً بِحَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ، فَإِذَا مَاتَ الْمُؤَجِّرُ فَالْمَنَافِعُ الَّتِي تُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ هِيَ الَّتِي تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ، وَقَدْ فَاتَ بِمَوْتِهِ فَتَبْطُلُ الْإِجَارَةُ لِفَوَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ رَقَبَةَ الْعَيْنِ تَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ، وَالْمَنْفَعَةُ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ فَلَمْ يَكُنْ هُوَ عَاقِدًا وَلَا رَاضِيًا بِهِ وَإِذَا مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ فَلَوْ بَقِيَ الْعَقْدُ إنَّمَا يَبْقَى عَلَى أَنْ يَخْلُفَهُ وَارِثُهُ وَالْمَنْفَعَةُ الْمُجَرَّدَةُ لَا تُورَثُ، وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ لَا تَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَتِهِ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْمُسْتَعِيرُ تَبْطُلُ الْعَارِيَّةُ فَكَذَا الْإِجَارَةُ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّ أَحَدَهُمَا بِعِوَضٍ وَالْآخَرَ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَذَلِكَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي حَقِّ الْإِرْثِ كَالْأَعْيَانِ الْمَمْلُوكَةِ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ إذْ الْوِرَاثَةُ خِلَافَةٌ وَلَا تُتَصَوَّرُ إلَّا فِيمَا يَبْقَى وَقْتَيْنِ لِيَكُونَ مِلْكُ الْمُوَرِّثِ ثَابِتًا فِي الْوَقْتِ الْأَوَّلِ وَيَخْلُفُهُ الْوَارِثُ فِيهِ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي وَيَقُومُ مَقَامَهُ فِيهِ بِعَيْنِهِ وَالْمَنْفَعَةُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ إلَخْ) وَلَكِنْ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ وَاسْتَدَلَّ بِمَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ بَيْتًا فَانْهَدَمَ ثُمَّ بَنَاهُ الْآجِرُ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْقَبْضِ وَلَا لِلْآجِرِ فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَنْفَسِخْ وَلَكِنَّهُ يُفْسَخُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ غَيْرُ فَائِتَةٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إذْ أَصْلُ الْمَوْضِعِ يُسْكَنُ بَعْدَ انْهِدَامِ الْبِنَاءِ وَيَتَأَتَّى فِيهِ السُّكْنَى بِنَصْبِ فُسْطَاطٍ وَفِي انْقِطَاعِ الْمَاءِ لَوْ فَاتَتْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَكِنَّهَا تَحْتَمِلُ الْعَوْدَ فَأَشْبَهَ إبَاقَ الْعَبْدِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الِانْفِسَاخَ قَالَ وَاَلَّذِي يَنْفَسِخُ بِالِانْهِدَامِ يَعُودُ بِالْبِنَاءِ وَمِثْلُهُ جَائِزٌ كَمَا فِي الشَّاةِ الْمَبِيعَةِ إذَا هَلَكَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ ثُمَّ إذَا دُبِغَ جِلْدُهَا يَعُودُ الْعَقْدُ بِقَدْرِهِ فَكَذَا هَذَا، بِخِلَافِ السَّفِينَةِ إذَا نُقِضَتْ وَصَارَتْ أَلْوَاحًا ثُمَّ رُكِبَتْ وَأُعِيدَتْ سَفِينَةً لَمْ يُجْبَرْ عَلَى تَسْلِيمِهَا إلَى الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ السَّفِينَةَ بَعْدَ النَّقْضِ إذَا أُعِيدَتْ صَارَتْ سَفِينَةً أُخْرَى أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ غَصَبَ أَلْوَاحًا وَجَعَلَهَا سَفِينَةً يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ فَأَمَّا عَرْصَةُ الدَّارِ لَا تَتَغَيَّرُ بِالْبِنَاءِ عَلَيْهَا اهـ كَاكِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَنْفَسِخُ) وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ اخْتِيَارُ الْقُدُورِيِّ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ وَأَبُو نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ فِي شَرْحِهِ وَاخْتِيَارُ خُوَاهَرْزَادَهْ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ بِخِلَافِ ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
(قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفِي إجَارَاتِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ إذَا انْهَدَمَتْ الدَّارُ كُلُّهَا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ لَكِنْ تَسْقُطُ الْأُجْرَةُ عَنْهُ فَسَخَ أَوْ لَمْ يَفْسَخْ اهـ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُؤَجِّرَ إذَا مَاتَ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ مِنْهُ إلَى وَرَثَتِهِ وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ اقْتَضَى اسْتِيفَاءَ الْمَنَافِعِ مِنْ مِلْكِ الْمُؤَجِّرِ لَا مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ فَلَوْ بَقِيَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ يَلْزَمُ اسْتِيفَاءُ الْمَنَافِعِ مِنْ مِلْكِ الْغَيْرِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَإِنْ مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ، وَقَدْ عَقَدَ الْإِجَارَةَ لِنَفْسِهِ فَكُلُّ مَا لَهُ مِنْ الْمَالِ انْتَقَلَ إلَى وَرَثَتِهِ وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ اقْتَضَى أَنْ تُسْتَحَقَّ الْأُجْرَةُ مِنْ مَالِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا مِنْ مَالِ غَيْرِهِ فَلَوْ بَقِيَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ تَكُونُ الْأُجْرَةُ مُسْتَحَقَّةً مِنْ مَالِ غَيْرِهِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ فَتَعَيَّنَ بُطْلَانُ الْإِجَارَةِ لِعَدَمِ إمْكَانِ بَقَائِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَقَدَ الْوَكِيلُ أَوْ الْوَصِيُّ أَوْ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ حَيْثُ لَا يَبْطُلُ الْوَقْفُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي قُلْنَا فِي الْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ فِي الْعَاقِدِ لِغَيْرِهِ وَنُقِلَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى عَنْ بَابِ إجَارَةِ الظِّئْرِ أَنَّ أَحَدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَوْ جُنَّ جُنُونًا مُطْبَقًا لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ، وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ وَبِمَوْتِ الْوَكِيلِ لَا وَنُقِلَ فِي الْأَجْنَاسِ عَنْ إجَارَةِ الْأَصْلِ إذَا آجَرَ الْأَبُ أَرْضَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ الْوَصِيُّ وَمَاتَ لَا تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ، وَكَذَلِكَ لَا تَبْطُلُ إجَارَةُ الظِّئْرِ بِمَوْتِ وَالِدِ الصَّبِيِّ الَّذِي اسْتَأْجَرَهَا وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ الصَّبِيِّ وَالْمُسْتَأْجَرَةِ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَإِنْ مَاتَتْ الظِّئْرُ قَبْلَ الْمُدَّةِ أَوْ مَاتَ الصَّبِيُّ اُنْتُقِضَتْ الْإِجَارَةُ وَكَانَ لَهَا مِنْ الْأَجْرِ بِحَسَبِ مَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَقَالَ فِي الْأَجْنَاسِ أَيْضًا لَوْ آجَرَ الْوَقْفَ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لَا تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ وَلَمْ يَذْكَرْ فِيهِ الْقِيَاسَ وَلَا الِاسْتِحْسَانَ، وَنَقَلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ ثُمَّ نَقَلَ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ، فَقَالَ الْقِيَاسُ أَنْ تَبْطُلَ الْإِجَارَةُ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ حَجْرُهُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ آجَرَهُ لِغَيْرِهِ كَالْوَكِيلِ اهـ.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ آجَرَ الْوَقْفَ عَلَيْهِ عَشْرَ سِنِينَ ثُمَّ مَاتَ وَانْتَقَلَ إلَى مَصْرِفٍ آخَرَ انْتَقَضَتْ الْإِجَارَةُ وَرُجِعَ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْأَجْرِ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ اهـ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الِانْتِقَاضِ هُوَ الْقِيَاسُ دُونَ الِاسْتِحْسَانِ وَالْعَمَلُ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute