(فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (طَلَّقَ غَيْرَ الْمَوْطُوءَةِ ثَلَاثًا وَقَعْنَ)، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ إذَا قَالَ أَوْقَعْتُ عَلَيْكِ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ وَقَعْنَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا تَبِينُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لَا إلَى عِدَّةٍ. وَقَوْلُهُ ثَلَاثًا يُصَادِفُهَا وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ عَطَفَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَوْقَعْت عَلَيْك ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ وَلَنَا أَنَّهُ مَتَى ذَكَرَ الْعَدَدَ كَانَ الْوُقُوعُ بِالْعَدَدِ عَلَى مَا مَرَّ بِفُرُوعِهِ بِخِلَافِ الْعَطْفِ، وَلِأَنَّ الْكُلَّ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا يُفْصَلُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ بِخِلَافِ الْعَطْفِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَجُمْهُورِ التَّابِعِينَ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ فَرَّقَ بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ) أَيْ إنْ فَرَّقَ الطَّلَاقَ بَانَتْ بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً، أَوْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ أَوْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ تَطْلُقُ ثَلَاثًا إذَا كَانَ بِعَطْفٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَرَبِيعَةَ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْقَدِيمِ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ بِغَيْرِ تَرْتِيبٍ وَالْمَلْفُوظُ بِحَرْفِ الْجَمْعِ كَالْمَلْفُوظِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَلِهَذَا لَوْ زَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ أُخْتَيْنِ فِي عُقْدَتَيْنِ فَقَالَ أَجَزْت نِكَاحَ هَذِهِ وَهَذِهِ بَطَلَا، وَكَذَا لَوْ مَاتَ شَخْصٌ وَتَرَكَ ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ قِيمَتُهُمْ عَلَى السَّوَاءِ فَقَالَ ابْنُهُ أَعْتَقَ أَبِي هَذَا، وَهَذَا، وَهَذَا حَيْثُ يَكُونُ الثَّلَاثُ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوَاءِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَالْمَلْفُوظِ بِهِ جُمْلَةً لَاخْتَصَّ بِهِ الْأَوَّلُ كَمَا إذَا سَكَتَ بَيْنَ الْكَلِمَاتِ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَنِصْفًا أَوْ وَاحِدَةً وَأُخْرَى يَقَعُ ثِنْتَانِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَعِشْرِينَ تَطْلُقُ ثَلَاثًا لِمَا قُلْنَا وَلَنَا أَنَّهَا بَانَتْ بِالْأُولَى لَا إلَى عِدَّةٍ فَلَا يَقَعُ مَا بَعْدَهَا بِخِلَافِ الْمَجْمُوعِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فَإِنَّهَا تَقَعُ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَوَقَّفَ صَدْرُ الْكَلَامِ لِيَتَحَقَّقَ الْجَمْعُ قُلْنَا لَوْ تَوَقَّفَ لَصَارَ لِلْقِرَانِ وَالْوَاوُ لَا تُوجِبُهُ فَإِنْ قِيلَ لَوْ لَمْ يَتَوَقَّفْ لَصَارَ لِلتَّرْتِيبِ قُلْنَا الْوَاوُ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ أَيَّ جَمْعٍ كَانَ وَلَا تَنَافِي إلَّا أَنَّ الْمَحَلَّ لَا يَقْبَلُ هَذَا الْجَمْعَ لِعَدَمِ الْعِدَّةِ. وَقَوْلُهُ وَاحِدَةً وَنِصْفَهَا أَوْ وَاحِدَةً وَعِشْرِينَ لَيْسَ لَهُمَا عِبَارَةٌ أَخْصَرُ مِنْهُمَا فَكَانَ فِيهِمَا ضَرُورَةٌ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ تَثْنِيَتُهُ أَوْ جَمْعُهُ وَإِنَّمَا وَقَعَ ثِنْتَانِ فِي قَوْلِهِ وَاحِدَةً وَأُخْرَى لِعَدَمِ اسْتِعْمَالِ أُخْرَى ابْتِدَاءً وَاسْتِقْلَالًا. وَأَمَّا نِكَاحُ الْأُخْتَيْنِ وَمَسْأَلَةُ الْوَارِثِ فَلِأَنَّ آخِرَ كَلَامِهِ مُغَيِّرٌ لِصَدْرِهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى آخِرِهِ كَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ، وَهَذَا لِأَنَّ نِكَاحَ الْمَرْأَةِ مَتَى صَحَّ أَبْطَلَ نِكَاحَ أُخْتِهَا فَكَانَ مُغَيِّرًا، وَكَذَا إقْرَارُ الْوَارِثِ بِالْعِتْقِ لِلثَّانِي وَالثَّالِثِ مُغَيِّرٌ لِصَدْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَكَتَ عَنْ إقْرَارِهِ لِلْأَوَّلِ كَانَ لَهُ الثُّلُثُ كُلُّهُ فَإِذَا أَقَرَّ لِغَيْرِهِ مَعَهُ شَارَكَهُ فِيهِ فَنَقَصَ حَقُّهُ فَكَانَ مُغَيِّرًا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مَاتَتْ بَعْدَ الْإِيقَاعِ قَبْلَ الْعَدَدِ لَغَا) أَيْ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْ نَحْوَهُ مِنْ الْعَدَدِ فَمَاتَتْ بَعْدَ قَوْلِهِ طَالِقٌ قَبْلَ قَوْلِهِ ثَلَاثًا وَنَحْوَهُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ هُوَ الْعَدَدُ عَلَى مَا مَرَّ فَإِذَا مَاتَتْ قَبْلَ ذِكْرِهِ بَطَلَ الْمَحَلُّ قَبْلَ الْإِيقَاعِ فَلَا يَقَعُ بِدُونِهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُجَانِسُ مَا قَبْلَهَا مِنْ حَيْثُ فَوَاتُ الْمَحَلِّ عِنْدَ الْإِيقَاعِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَبْطُلَ الْمَحَلِّيَّةُ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْمَوْتِ وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ الْوَاقِعُ هُوَ الْعَدَدُ لَمَا وَقَعَ عَلَيْهَا عِنْدَ اقْتِصَارِهِ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْعَدَدَ مَاتَتْ بَعْدَهُ أَوْ لَمْ تَمُتْ؛ لِأَنَّا نَقُولُ تُقَدَّرُ الطَّلْقَةُ الْوَاحِدَةُ عِنْدَ عَدَمِ ذِكْرِهَا اقْتِضَاءً وَعِنْدَ وُجُودِ ذِكْرِ الْعَدَدِ يَقَعُ الْمَذْكُورُ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّقْدِيرِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً أَوْ قَبْلَ وَاحِدَةٍ أَوْ بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ تَقَعُ وَاحِدَةً)، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْعَطْفِ؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْأُولَى لِعَدَمِ الْعِدَّةِ فَلَا يَلْحَقُهَا الثَّانِيَةُ لِعَدَمِ تَوَقُّفِ صَدْرِ الْكَلَامِ عَلَى آخِرِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُغَيِّرِ فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ إيقَاعًا عَلَى حِدَةٍ وَلَا يَنْتَقِضُ بِمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ شِئْت فَقَالَتْ شِئْت وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً حَيْثُ يَقَعُ عَلَيْهَا ثَلَاثٌ مَعَ التَّفْرِيقِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا وَقَعَ عَلَيْهَا الثَّلَاثُ ثَمَّةَ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الشَّرْطِ بِآخِرِ كَلَامِهَا فَمَا لَمْ يَتِمَّ الشَّرْطُ لَا يَنْزِلُ الْجَزَاءُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَ وَاحِدَةٍ أَوْ بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ فَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْقَبْلِيَّةَ وَالْبَعْدِيَّةَ صِفَةٌ لِلْمَذْكُورِ أَوَّلًا إنْ لَمْ يُقْرَنْ بِالْكِنَايَةِ وَإِنْ قُرِنَ بِهَا يَكُونُ صِفَةً لِلْمَذْكُورِ آخِرًا كَقَوْلِك جَاءَنِي زَيْدٌ قَبْلَ عَمْرٍو يَقْتَضِي سَبْقَ زَيْدٍ، وَلَوْ قُلْت جَاءَنِي زَيْدٌ قَبْلَهُ عَمْرٌو اقْتَضَى سَبْقَ عَمْرٍو فَالْقَبْلِيَّةُ فِي قَوْلِهِ وَاحِدَةً قَبْلَ وَاحِدَةٍ صِفَةُ الْأُولَى فَوَقَعَتْ قَبْلَ الثَّانِيَةِ فَلَا تَلْحَقُهَا الثَّانِيَةُ لِمَا قُلْنَا وَالْبَعْدِيَّةُ فِي قَوْلِهِ وَاحِدَةً
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
[ فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ]
ِ) (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ طَلَّقَ غَيْرَ الْمَوْطُوءَةِ ثَلَاثًا وَقَعْنَ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ إيقَاعٌ بِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ طَلَاقًا بَائِنًا فَيَقَعْنَ جُمْلَةً. اهـ. عَيْنِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ مَا مَرَّ بِفُرُوعِهِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ لَا. اهـ. .
(قَوْلُهُ بَانَتْ بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يُعَلِّقْ الْكَلَامَ بِشَرْطٍ أَوْ يَذْكُرْ فِي آخِرِهِ مَا يُغَيِّرُ صَدْرَهُ كَانَ كُلُّ لَفْظٍ إيقَاعًا عَلَى حِدَةٍ فَيَقَعُ بِالْأَوَّلِ وَتَبِينُ لَا إلَى عِدَّةٍ فَيُصَادِفُهَا الثَّانِي وَهِيَ بَائِنٌ فَلَا يَقَعُ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ تَثْنِيَتُهُ أَوْ جَمْعُهُ) مِنْ هُنَا إلَى قَوْلِهِ فِي بَابِ الْمَرِيضِ وَالْمَرْأَةُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَالرَّجُلِ سَاقِطٌ مِنْ نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ الَّتِي بِخَطِّ يَدِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
(قَوْلُهُ أَوْ بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ تَقَعُ وَاحِدَةً) أَيْ بَائِنَةً فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ. اهـ. عَيْنِيٌّ. (قَوْلُهُ كَقَوْلِك جَاءَنِي زَيْدٌ قَبْلَ عَمْرٍو) أَيْ أَوْ جَاءَنِي زَيْدٌ بَعْدَهُ عَمْرٌو. اهـ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ قُلْت جَاءَنِي زَيْدٌ قَبْلَهُ عَمْرٌو) أَيْ أَوْ بَعْدَهُ عَمْرٌو. اهـ. .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute