إلَى الْعَفْوِ فِي الزَّكَاةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ زَادَ الْهَالِكُ عَلَى الرِّبْحِ لَمْ يَضْمَنْ الْمُضَارِبُ)؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَلَا يَكُونُ ضَمِينًا لِلتَّنَافِي بَيْنَهُمَا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قُسِمَ الرِّبْحُ وَبَقِيَتْ الْمُضَارَبَةُ، ثُمَّ هَلَكَ الْمَالُ، أَوْ بَعْضُهُ تَرَادَّا الرِّبْحَ لِيَأْخُذَ الْمَالِكُ رَأْسَ مَالِهِ) أَيْ إذَا اقْتَسَمَا الرِّبْحَ وَالْمُضَارَبَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا وَلَمْ يَفْسَخَاهَا بِأَنْ اقْتَسَمَا بَعْضَ الْمَالِ وَتَرَكَا بَعْضَهُ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ عَلَى أَنَّهُ رَأْسُ الْمَالِ وَالْمُقْتَسَمُ رِبْحٌ، ثُمَّ هَلَكَ الْمَتْرُوكُ فِي يَدِهِ وَهُوَ أَمَانَةٌ تَرَادَّا الرِّبْحَ الَّذِي اقْتَسَمَاهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ تَابِعٌ وَرَأْسُ الْمَالِ أَصْلٌ فَلَا يُسَلَّمُ الرِّبْحُ بِدُونِ سَلَامَةِ الْأَصْلِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ التَّاجِرِ لَا يَسْلَمُ لَهُ رِبْحُهُ حَتَّى يَسْلَمَ لَهُ رَأْسُ مَالِهِ فَكَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ لَا تَسْلَمُ لَهُ نَوَافِلُهُ حَتَّى تَسْلَمَ لَهُ عَزَائِمُهُ، أَوْ قَالَ فَرَائِضُهُ» فَإِذَا هَلَكَ مَا فِي يَدِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِرَأْسِ مَالٍ وَأَنَّ مَا اقْتَسَمَاهُ لَيْسَ بِرِبْحٍ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ التَّبَعِ بِدُونِ الْأَصْلِ فَيَضْمَنُ الْمُضَارِبُ مَا أَخَذَهُ عَلَى أَنَّهُ رِبْحٌ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ حَتَّى يَتِمَّ بِهِ رَأْسُ الْمَالِ بِخِلَافِ مَا بَقِيَ فِي يَدِهِ حَيْثُ لَا يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهُ لِنَفْسِهِ وَمَا أَخَذَهُ رَبُّ الْمَالِ مَحْسُوبٌ عَلَيْهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَنَظِيرُهُ عَزْلُ الْوَرَثَةِ بَعْضَ التَّرِكَةِ لِقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ بِهِ، ثُمَّ اقْتِسَامُهُمْ بَقِيَّةَ التَّرِكَةِ، ثُمَّ هَلَاكُ الْمَعْزُولِ فَإِنَّ قِسْمَتَهُمْ قَدْ بَطَلَتْ وَوَجَبَ عَلَيْهِمْ التَّرَادُّ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ غَرِيمٌ فَهُوَ مَحْسُوبٌ عَلَيْهِمْ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ لَا يَسْلَمُ لَهُمْ شَيْءٌ إلَّا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا فَضَلَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا) أَيْ مَا فَضَلَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ بَعْدَ التَّرَادِّ يَكُونُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ رِبْحٌ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ رَأْسِ مَالِهِ إلَّا فِي الرِّبْحِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْ نَقَصَ لَمْ يَضْمَنْ الْمُضَارِبُ)؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قُسِمَ الرِّبْحُ وَفُسِخَتْ، ثُمَّ عَقَدَاهَا فَهَلَكَ الْمَالُ لَمْ يَتَرَادَّا الرِّبْحَ الْأَوَّلَ) أَيْ لَوْ اقْتَسَمَا الرِّبْحَ وَفَسَخَا الْمُضَارَبَةَ، ثُمَّ عَقَدَاهَا ثَانِيًا فَهَلَكَ الْمَالُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَتَرَادَّا الرِّبْحَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ الْأُولَى قَدْ انْتَهَتْ بِالْفَسْخِ، وَثُبُوتُ الثَّانِيَةِ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ فَهَلَاكُ الْمَالِ فِي الثَّانِيَةِ لَا يُوجِبُ انْتِقَاضَ الْأُولَى فَصَارَ كَمَا إذَا دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا آخَرَ وَهَذِهِ هِيَ الْحِيلَةُ فِيمَا إذَا خَافَ الْمُضَارِبُ أَنْ يُسْتَرَدَّ مِنْهُ الرِّبْحُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِسَبَبِ هَلَاكِ مَا بَقِيَ فِي يَدِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَصُورَةُ هَذِهِ الْحِيلَةِ أَنْ يُسَلِّمَ الْمُضَارِبُ رَأْسَ الْمَالِ إلَى رَبِّ الْمَالِ، ثُمَّ يَقْتَسِمَا الرِّبْحَ، ثُمَّ يَرُدُّ رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ الْمَالِ إلَى الْمُضَارِبِ وَيَقُولُ لَهُ: اعْمَلْ عَلَى الْمُضَارَبَةِ فَتَكُونُ بِذَلِكَ مُضَارَبَةً مُسْتَقْبَلَةً فَهَلَاكُ الْمَالِ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ رَدَّ الرِّبْحِ الَّذِي كَانَ فِي الْأُولَى وَهَكَذَا إذَا فَعَلَا ذَلِكَ فِي كُلِّ مَا اقْتَسَمَاهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا التَّرَادُّ عِنْدَ الْهَلَاكِ.
[فَصْلٌ مَا يَفْعَلُهُ الْمُضَارِبُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ]
(فَصْلٌ) اعْلَمْ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ الْمُضَارِبُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ نَوْعٌ يَمْلِكُهُ بِمُطْلَقِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ، وَهُوَ مَا هُوَ مُعْتَادٌ بَيْنَ التُّجَّارِ كَالرَّهْنِ وَالِارْتِهَانِ وَالْإِيجَارِ وَالِاسْتِئْجَارِ لِلرُّكُوبِ أَوْ الْحَمْلِ وَالشِّرَاءِ لَهُ، وَلَوْ سَفِينَةً إذَا احْتَاجَ إلَيْهَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ إلَى الْعَفْوِ فِي الزَّكَاةِ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ التَّبَعِ إلَخْ) قَالَ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ مِنْ الشَّامِلِ وَلَوْ رَبِحَ أَلْفَيْنِ فَأَخَذَ رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ أَلْفًا وَأَخَذَ الْمُضَارِبُ مِنْ الْأَلْفَيْنِ حِصَّتَهُ أَلْفًا وَلَمْ يَأْخُذْ رَبُّ الْمَالِ حِصَّتَهُ حَتَّى هَلَكَ رَدَّ الْمُضَارِبُ نِصْفَ مَا أَخَذَ مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ مَا لَمْ يَأْخُذْ فَهُوَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ الرِّبْحُ إلَّا فِي يَدِ الْمُضَارِبِ، وَإِنْ كَانَ مَا أَخَذَهُ الْمُضَارِبُ هَلَكَ يَهْلَكُ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ فَخَرَجَتْ مِنْ الْمُضَارَبَةِ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا يَسْتَوْفِيهِ الْمُضَارِبُ لِنَفْسِهِ صَارَ فِي ضَمَانِهِ وَاَلَّذِي لَمْ يَسْتَوْفِ رَبُّ الْمَالِ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ الْمُضَارَبَةِ اهـ أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ فَصْلٌ اعْلَمْ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ الْمُضَارِبُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ) هَذِهِ الْأَنْوَاعُ الثَّلَاثَةُ قَدْ تَقَدَّمَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَيَبِيعُ بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةٍ نَقْلًا عَنْ الْأَتْقَانِيِّ فَرَاجِعْهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ مَا هُوَ مُعْتَادٌ بَيْنَ التُّجَّارِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ لَهُ الْأَمْرَ الْعَامَّ الْمَعْرُوفَ بَيْنَ النَّاسِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ الْمُضَارِبُ لَهُ وِلَايَةُ الْأَمْرِ الشَّائِعِ الْمَشْهُورِ فِي عُرْفِ النَّاسِ يَعْنِي بِهِ مَا هُوَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ لَهُ هَذِهِ الْوِلَايَةَ أَنَّهُ يَشْتَرِي دَابَّةً لِلرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ وَلَا يَشْتَرِي سَفِينَةً لِلرُّكُوبِ وَيَشْتَرِي سَفِينَةً لِلْحَمْلِ اعْتِبَارًا لِصَنِيعِ التُّجَّارِ قَالَ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ مِنْ الشَّامِلِ دَفَعَ مُضَارَبَةً عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ الطَّعَامَ خَاصَّةً لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ لِنَفْسِهِ أَوْ يَشْتَرِيَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ وَالْحُمُولَةِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَفْعَلُهُ التُّجَّارُ وَلَا يَشْتَرِي سَفِينَةً يَحْمِلُ فِيهَا الطَّعَامَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ لَا جَرَمَ فِي بَلَدٍ عَادَتُهُمْ ذَلِكَ يَجُوزُ، وَلَوْ كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ عَامَّةً جَازَ شِرَاءُ السَّفِينَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ وَقَعَتْ عَامَّةً كَذَا فِي الشَّامِلِ اهـ
وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُضَارِبَ يَمْلِكُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مَا هُوَ تِجَارَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ مَا هُوَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِلتُّجَّارِ مِنْهُ بُدٌّ، أَمَّا مَا لَيْسَ بِتِجَارَةٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ هُوَ تِجَارَةٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ لَا يَمْلِكُ الْمُضَارِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَمِنْ هَذَا قُلْنَا إنَّ الْمُضَارِبَ لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ غُلَامِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتِجَارَةٍ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَلَوْ احْتَالَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْأَيْسَرِ عَلَى الْأَعْسَرِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ يَحْتَالُ بِمَالِ الْيَتِيمِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْأَنْظَرُ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ يَعْنِي لَوْ قَبِلَ الْمُضَارِبُ الْحَوَالَةَ مِنْ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى غَيْرِ الْمُشْتَرِي جَازَ، وَإِنْ كَانَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ أَعْسَرَ مِنْ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُقَايِلَ الْبَيْعَ مِنْ الْأَوَّلِ ثُمَّ يَبِيعَ مِنْ الْأَعْسَرِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ يَقْبَلُ الْحَوَالَةَ مِنْ مُشْتَرِي مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى أَعْسَرَ مِنْهُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ نَظَرِيَّةٌ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ نَظَرٌ اهـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute