للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِاسْتِهْلَاكِ، وَلَوْ بَاعَهُمَا بِالدَّرَاهِمِ لِيَتَصَدَّقَ بِهَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ كَالتَّصَدُّقِ بِالْجِلْدِ وَاللَّحْمِ.

وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ فَلَا أُضْحِيَّةَ لَهُ» يُفِيدُ كَرَاهِيَةَ الْبَيْعِ، وَأَمَّا الْبَيْعُ فَجَائِزٌ لِوُجُودِ الْمِلْكِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَلَا يُعْطِ أُجْرَةَ الْجَزَّارِ مِنْهَا شَيْئًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «تَصَدَّقْ بِجَلَالِهَا وَخِطَامِهَا، وَلَا تُعْطِ أُجْرَةَ الْجَزَّارِ مِنْهَا شَيْئًا» وَالنَّهْيُ عَنْهُ نَهْيٌ عَنْ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ فَصَارَ مُعَاوَضَةً كَالْبَيْعِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَجُزَّ صُوفَهَا قَبْلَ الذَّبْحِ فَيَنْتَفِعَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ إقَامَةَ الْقُرْبَةِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الذَّبْحِ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ قَدْ أُقِيمَتْ بِهَا وَالِانْتِفَاعُ بَعْدَهَا مُطْلَقٌ لَهُ، وَيُكْرَهُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِلَبَنِهَا كَمَا فِي الصُّوفِ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ أَجَازَ الِانْتِفَاعَ لِلْغَنِيِّ بِلَبَنِهَا وَصُوفِهَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي حَقِّهِ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَتَعَيَّنُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَنُدِبَ أَنْ يَذْبَحَ بِيَدِهِ إنْ عَلِمَ ذَلِكَ)؛ لِأَنَّ الْأَوْلَى فِي الْقُرَبِ أَنْ يَتَوَلَّاهَا الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ أَمَرَ بِهِ غَيْرَهُ فَلَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سَاقَ مِائَةَ بَدَنَةً فَنَحَرَ مِنْهَا بِيَدِهِ نَيِّفًا وَسِتِّينَ ثُمَّ أَعْطَى الْمُدْيَةَ عَلِيًّا فَنَحَرَ الْبَاقِيَ»، وَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ ذَلِكَ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِغَيْرِهِ كَيْ لَا يَجْعَلَهَا مَيْتَةً، وَلَكِنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْهَدَهَا بِنَفْسِهِ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَاطِمَةَ قُومِي فَاشْهَدِي أُضْحِيَّتَكِ فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَك بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ».

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَكُرِهَ ذَبْحُ الْكِتَابِيِّ)؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَلَوْ أَمَرَهُ فَذَبَحَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ، وَالْقُرْبَةُ أُقِيمَتْ بِإِنَابَتِهِ وَنِيَّتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَ الْمَجُوسِيَّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ فَكَانَ إفْسَادًا لَا تَقَرُّبًا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ غَلِطَا، وَذَبَحَ كُلٌّ أُضْحِيَّةَ صَاحِبِهِ صَحَّ، وَلَا يَضْمَنَانِ)، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ الْأُضْحِيَّةُ، وَيَضْمَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالذَّبْحِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَيَضْمَنُ كَمَا إذَا ذَبَحَ شَاةً اشْتَرَاهَا الْقَصَّابُ، وَالتَّضْحِيَةُ قُرْبَةٌ فَلَا تَتَأَدَّى بِنِيَّةِ غَيْرِهِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا تَعَيَّنَتْ لِلذَّبْحِ لِتَعَيُّنِهَا لِلْأُضْحِيَّةِ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا بِعَيْنِهَا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُبْدِلَ بِهَا غَيْرَهَا فَصَارَ الْمَالِكُ مُسْتَعِينًا بِمَنْ يَكُونُ أَهْلًا لِلذَّبْحِ فَصَارَ مَأْذُونًا لَهُ دَلَالَةً؛ لِأَنَّهَا تَفُوتُ بِمُضِيِّ هَذِهِ الْأَيَّامِ، وَيَخَافُ أَنْ يَعْجِزَ عَنْ إقَامَتِهَا لِعَارِضٍ يَعْتَرِيهِ فَصَارَ كَمَا إذَا ذَبَحَ شَاةً شَدَّ الْقَصَّابُ رِجْلَهَا، وَكَيْفَ لَا يَأْذَنُ لَهُ، وَفِيهِ مُسَارَعَةٌ إلَى الْخَيْرِ، وَتَحْقِيقُ مَا عَيَّنَهُ، وَلَا يُبَالِي بِفَوَاتِ مُبَاشَرَتِهِ وَشُهُودِهِ لِحُصُولِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ مَا بَيَّنَّاهُ فَيَصِيرُ إذْنًا دَلَالَةً، وَهُوَ كَالصَّرِيحِ، وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ مَسَائِلُ اسْتِحْسَانِيَّةٌ لِأَصْحَابِنَا ذَكَرْنَاهَا فِي الْإِحْرَامِ عَنْ الْغَيْرِ ثُمَّ إذَا جَازَ ذَلِكَ عَنْهُمَا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُضْحِيَّتَهُ إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً، وَلَا يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ فَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَكَلَ مَا ذَبَحَهُ يُحَلِّلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فَيُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَطْعَمَهُ الْكُلَّ فِي الِابْتِدَاءِ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَكَذَا لَهُ أَنْ يُحْلِلَهُ فِي الِانْتِهَاءِ، وَإِنْ تَشَاحَّا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُضَمِّنَ صَاحِبَهُ قِيمَةَ لَحْمِهِ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ اللَّحْمِ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ أُضْحِيَّتَهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ التَّضْحِيَةَ لَمَّا وَقَعَتْ عَنْ الْمَالِكِ كَانَ اللَّحْمُ لَهُ.

وَمَنْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

[ التَّصَدُّق بِجِلْدِ الْأُضْحِيَّة]

قَوْلُهُ: وَلَوْ بَاعَهُمَا) أَيْ الْجِلْدَ وَاللَّحْمَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُعْطِ أُجْرَةَ الْجَزَّارِ إلَخْ) أَمَّا لَوْ أَعْطَاهُ لِفَقْرِهِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الْهَدِيَّةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ. اهـ.

[يذبح المضحي بِيَدِهِ]

(قَوْلُهُ: فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِغَيْرِهِ إلَخْ)؛ وَلِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مَالِيَّةٌ وَالنِّيَابَةُ فِي الْمَالِيَّاتِ جَائِزَةٌ كَمَا فِي الزَّكَاةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَك بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ) «قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا لِآلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً فَإِنَّهُمْ أَهْلٌ لِمَا خُصُّوا بِهِ مِنْ خَيْرٍ أَمْ لِآلِ مُحَمَّدٍ وَالْمُسْلِمِينَ عَامَّةً قَالَ لِآلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً وَالْمُسْلِمِينَ عَامَّةً». اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

[ذبح الْكِتَابِيّ لِلْأُضْحِيَّةِ]

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَكُرِهَ ذَبْحُ الْكِتَابِيِّ)، وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يَذْبَحَهَا إلَّا مُسْلِمٌ، وَهَكَذَا حُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَا يَذْبَحُ ضَحَايَاكُمْ إلَّا طَاهِرٌ»، وَقَالَ جَابِرٌ لَا يَذْبَحُ النُّسُكَ إلَّا مُسْلِمٌ، وَلَنَا أَنَّ مَنْ جَازَ لَهُ ذَبْحُ غَيْرِ الْأُضْحِيَّةِ جَازَ لَهُ ذَبْحُ الْأُضْحِيَّةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى الْكَافِرُ مَا كَانَ قُرْبَةً لِمُسْلِمٍ كَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ. اهـ.

[أَخْطِئَا وَذَبَحَ كُلٌّ أُضْحِيَّةَ صَاحِبِهِ]

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ غَلَطَا إلَخْ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ قَوْلُهُ: غَلَطَا هَذَا شَرْطٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ تَعَمَّدَ الرَّجُلُ فَذَبَحَ أُضْحِيَّةَ رَجُلٍ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ عَنْ صَاحِبِ الْأُضْحِيَّةِ، وَلَا يُشْبِهُ الْعَمْدُ الْغَلَطَ، وَفِي الْغَلَطِ جَازَ عَنْ صَاحِبِهِ، وَفِي الْعَمْدِ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ أَنَّ صَاحِبَ الْأُضْحِيَّةِ ضَمَّنَ الذَّابِحَ قِيمَةَ الْأُضْحِيَّةِ فِي الْعَمْدِ جَازَتْ الْأُضْحِيَّةُ عَنْ الذَّابِحِ كَذَا فِي الْغَايَةِ وَسَيَجِيءُ هَذَا الْفَرْعُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ آخِرَ الْبَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ) أَيْ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي أَيَّامِ النَّحْرِ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ فَقِيرًا وَاشْتَرَاهَا بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُبْدِلَ بِهَا غَيْرَهَا) أَيْ إذَا كَانَ غَنِيًّا، وَلَكِنْ يَجُوزُ اسْتِبْدَالُهَا بِخَيْرٍ مِنْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَرْعٌ: فِي الْبَدَائِعِ غَصَبَ شَاةَ إنْسَانٍ فَضَحَّى بِهَا عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ لِعَدَمِ الْمِلْكِ، وَلَا عَنْ صَاحِبِهَا لِعَدَمِ الْإِذْنِ ثُمَّ إنْ أَخَذَهَا صَاحِبُهَا مَذْبُوحَةً وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ فَكَذَلِكَ لَا تَجُوزُ عَنْ الْأُضْحِيَّةِ عَنْهُمَا، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُضَحِّيَ بِأُخْرَى لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ ضَمَّنَهُ صَاحِبُهَا قِيمَتَهَا حَيَّةً فَإِنَّهَا تُجْزِئُ عَنْ الذَّابِحِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالضَّمَانِ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ فَصَارَ ذَابِحًا شَاةً هِيَ مِلْكُهُ فَيُجْزِئُهُ لَكِنَّهُ يَأْثَمُ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ فِعْلِهِ وَقَعَ مَحْظُورًا فَتَلْزَمُهُ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ، وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ، وَقَالَ زُفَرُ لَا تُجْزِئُ عَنْ الذَّابِحِ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَضْمُونَاتِ تُمْلَكُ بِالضَّمَانِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا تُمْلَكُ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ، وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ، وَكَذَا إذَا غَصَبَ شَاةَ إنْسَانٍ كَانَ اشْتَرَاهَا لِلْأُضْحِيَّةِ فَضَحَّى بِهَا عَنْ نَفْسِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لِمَا قُلْنَا، وَكَذَا الْجَوَابُ فِي الشَّاةِ الْمُسْتَحَقَّةِ. اهـ. فَرْعٌ آخَرُ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رَجُلٌ ضَحَّى شَاةَ نَفْسِهِ عَنْ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ سَوَاءٌ كَانَ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ النِّيَّةِ عَنْهُ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ فِي الشَّاةِ، وَلَنْ يَثْبُتَ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَلَمْ يُوجَدْ قَبْضُ الْأَمْرِ لَا بِنَفْسِهِ، وَلَا بِنَائِبِهِ. اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>