للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَوْمُ قَبْلَ الْإِمَامِ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ، ثُمَّ عَرَضَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ دُونَ الْقَوْمِ، وَكَذَا إذَا سَجَدَ هُوَ لِلسَّهْوِ وَلَمْ يَسْجُدْ الْقَوْمُ، ثُمَّ عَرَضَ لَهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا لَا تَبْطُلُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا، ثُمَّ قِيلَ: هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ بِفِعْلِ الْمُصَلِّي فَرْضٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ بِفَرْضٍ لَهُمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ يُضَادُّ الصَّلَاةَ فَلَا يَكُونُ مِنْ جُمْلَتِهَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لِلصَّلَاةِ تَحْرِيمًا وَتَحْلِيلًا فَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا إلَّا بِصُنْعِهِ كَالْحَجِّ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَدَاءُ صَلَاةٍ أُخْرَى إلَّا بِالْخُرُوجِ مِنْ هَذِهِ وَكُلُّ مَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْفَرْضِ إلَّا بِهِ يَكُونُ فَرْضًا مِثْلَهُ وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْ قَارَبَتْ التَّمَامَ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» يَعْنِي مِنْ قُرْبٍ مِنْ الْمَوْتِ وَكَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِنْ وَقْفٍ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ». وَكَانَ الْكَرْخِيُّ يَقُولُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ بِفِعْلِ الْمُصَلِّي لَيْسَ بِفَرْضٍ وَلَيْسَ فِيهِ نَصٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ فَرْضٌ وَإِنَّمَا اسْتَنْبَطَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْبَرْذَعِيُّ لَمَّا رَأَى جَوَابَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهَا تَبْطُلُ فَقَالَ مِنْ ذَاتِ نَفْسِهِ: إنَّ الصَّلَاةَ لَا تَبْطُلُ إلَّا بِتَرْكِ فَرْضٍ وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إلَّا الْخُرُوجُ مِنْهَا بِفِعْلِهِ، فَقَالَ الْخُرُوجُ مِنْ الصَّلَاةِ بِفِعْلِ الْمُصَلِّي فَرْضٌ عِنْدَهُ وَهَذَا غَلَطٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَرْضًا كَمَا زَعَمَهُ لَاخْتَصَّ بِمَا هُوَ فَوْقَهُ وَهُوَ السَّلَامُ وَلَمَّا لَمْ يَخْتَصَّ بِهِ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَإِنَّمَا قَالَ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لِأَنَّ مَا يُغَيِّرُ فِي أَثْنَائِهَا يُغَيِّرُ فِي آخِرِهَا كَنِيَّةِ الْإِقَامَةِ وَاقْتِدَاءِ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ لَا لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ بِفِعْلِ الْمُصَلِّي فَرْضٌ عِنْدَهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ اسْتِخْلَافُ الْمَسْبُوقِ) أَيْ جَازَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ الْمَسْبُوقَ بِرَكْعَةٍ أَوْ أَكْثَرَ لِوُجُودِ الْمُشَارَكَةِ فِي الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُنْفَرِدًا فِيمَا يَقْضِي بَعْدَ فَرَاغِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتَخْلِفَ الْمُدْرِكَ لِمَا رَوَيْنَا وَلِكَوْنِهِ أَقْدَرُ عَلَى الْإِتْمَامِ وَأَعْلَمُ بِحَالِ الْإِمَامِ وَيَنْبَغِي لِهَذَا الْمَسْبُوقِ أَنْ لَا يَقْبَلَ وَأَنْ لَا يَتَقَدَّمَ لِعَجْزِهِ عَنْ التَّسْلِيمِ فَإِنْ تَقَدَّمَ جَازَ وَيَسْتَخْلِفُ مُدْرِكًا عِنْدَ إتْمَامِ صَلَاةِ إمَامِهِ لِيُسَلِّمَ بِهِمْ وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْإِمَامِ سَهْوٌ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْإِمَامُ مُسَافِرًا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يُقَدِّمَ مُقِيمًا لِعَجْزِهِ عَنْ إتْمَامِ صَلَاةِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَلْتَزِمُوا مُتَابَعَتَهُ فِيمَا زَادَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ إذْ لَا يَلْزَمُهُمْ الْإِتْمَامُ بِاسْتِخْلَافِهِ كَمَا لَا يَلْزَمُهُمْ بِنِيَّةِ الْمُسْتَخْلِفِ بَعْدَ الِاسْتِخْلَافِ أَوْ بِنِيَّةِ خَلِيفَتِهِ وَلَوْ قَدَّمَهُ أَيْ قَدَّمَ الْمُقِيمَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ لِمَا قُلْنَا وَإِنْ تَقَدَّمَ جَازَ لِوُجُودِ الْمُشَارَكَةِ فِيهَا فَإِذَا أَتَمَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ وَهِيَ الرَّكْعَتَانِ قُدِّمَ مُسَافِرٌ لِيُسَلِّمَ بِهِمْ، ثُمَّ يُصَلِّي كُلُّ مُقِيمٍ رَكْعَتَيْنِ مُنْفَرِدًا لِأَنَّ اقْتِدَاءَهُمْ انْعَقَدَ مُوجِبًا لِلْمُتَابَعَةِ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَوْ قَامَ فَاقْتَدُوا بِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ، وَكَذَا إذَا اسْتَخْلَفَ مُسَافِرًا فَقَامَ فَاقْتَدُوا بِهِ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْمُقِيمِينَ دُونَ الْمُسَافِرِينَ الْمُدْرِكِينَ. وَهَذَا ظَاهِرٌ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ كَانَ الْخَلِيفَةُ مَسْبُوقًا فَقَامَ بَعْدَ فَرَاغِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَتَابَعُوهُ تَبْطُلُ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِينَ وَاللَّاحِقِينَ دُونَ الْمُدْرِكِينَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ بِفِعْلِ الْمُصَلِّي فَرْضٌ عِنْدَهُ) أَيْ فَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ فَرْضٌ عِنْدَهُ فَتَفْسُدُ اهـ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ بِفَرْضٍ) أَيْ فَاعْتِرَاضُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَاعْتِرَاضِهَا بَعْدَ السَّلَامِ عِنْدَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ) أَيْ إذَا قُلْت هَذَا أَوْ فَعَلْت هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك اهـ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مَا يُغَيِّرُ فِي أَثْنَائِهَا يُغَيِّرُ فِي آخِرِهَا إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فَيُحْمَلُ اعْتِرَاضُ الْمُغَيِّرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَاعْتِرَاضِهِ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ لِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ بِخِلَافِ الْكَلَامِ وَالْقَهْقَهَةِ وَالْحَدَثِ الْعَمْدِ وَمُحَاذَاةِ الْمَرْأَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنَّهَا قَاطِعَةٌ لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا بِصُنْعِهِ لَا أَنَّهَا بِغَيْرِهِ. اهـ. غَايَةٌ قَوْلُهُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ صَاحِبُ التَّأْسِيسِ مَا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْمُجْتَبَى وَعَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا. اهـ. دِرَايَةٌ.

[الِاسْتِخْلَاف فِي الصَّلَاة]

(قَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتَخْلِفَ الْمُدْرِكَ لِمَا رَوَيْنَا) أَيْ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَيُقَدَّمُ مَا لَمْ يُسْبَقْ بِشَيْءٍ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَلَّدَ إنْسَانًا عَمَلًا وَفِي رَعِيَّتِهِ مَنْ هُوَ مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُؤْمِنِينَ». اهـ. نِهَايَةٌ وَالْمُقْتَدُونَ بِمَنْزِلَةِ الرَّعَايَا. اهـ. كَاكِيٌّ وَلَوْ اسْتَخْلَفَ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ، كَذَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ فَاشْتِغَالُهُ بِاسْتِخْلَافِهِ عَمَلٌ كَثِيرٌ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ أَنَّهُ صَحِيحٌ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَكَذَا لَوْ قَدَّمَ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً تَفْسُدُ صَلَاةُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَقَالَ زُفَرُ صَلَاةُ الْمَرْأَةِ وَالنِّسَاءِ صَحِيحَةٌ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَدَّمَ أُمِّيًّا أَوْ عَارِيًّا. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ فَإِنْ تَقَدَّمَ جَازَ إلَى آخِرِهِ) وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْقَوْمِ مَنْ أَدْرَكَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقُومُوا إلَى الْقَضَاءِ فَيَقْضُوا وُحْدَانًا وَيَسْجُدُونَ لِلسَّهْوِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقَضَاءِ وَالتَّسْلِيمِ. اهـ. شَرْحُ الطَّحَاوِيِّ. (قَوْلُهُ أَوْ بِنِيَّةِ خَلِيفَتِهِ) أَيْ لَوْ كَانَ مُسَافِرًا فِي الْأَصْلِ وَعِنْدَ زُفَرَ يَنْقَلِبُ فَرْضُهُمْ أَرْبَعًا لِلِاقْتِدَاءِ بِالْمُقِيمِ، قُلْنَا: لَيْسَ هُوَ إمَامًا إلَّا ضَرُورَةً عَجَزَ الْأَوَّلُ عَنْ الْإِتْمَامِ لَمَّا شَرَعَ فِيهِ فَيَصِيرُ قَائِمًا مَقَامَهُ فِيمَا هُوَ قَدْرُ صَلَاتِهِ إذْ الْخُلْفُ يَعْمَلُ عَمَلَ الْأَصْلِ كَأَنَّهُ هُوَ فَكَانُوا مُقْتَدِينَ بِالْمُسَافِرِ مَعْنًى وَصَارَتْ الْقَعْدَةُ الْأُولَى فَرْضًا عَلَى الْخَلِيفَةِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ، أَمَّا لَوْ نَوَى الْإِمَامُ أَوَّلًا الْإِقَامَةَ قَبْلَ اسْتِخْلَافِهِ، ثُمَّ اسْتَخْلَفَ فَإِنَّهُ يُتِمُّ الْخَلِيفَةُ صَلَاةَ الْمُقِيمِينَ وَهَذَا إذَا عَلِمَ بِنِيَّةِ الْإِمَامِ بِأَنْ أَشَارَ الْإِمَامُ إلَيْهِ عِنْدَ الِاسْتِخْلَافِ فَأَفْهَمَهُ قَصْدَ الْإِقَامَةِ. اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ وَصَارَتْ الْقَعْدَةُ الْأُولَى فَرْضًا حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْعُدْ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ مِنْ الْمُسَافِرِينَ وَالْمُقِيمِينَ. اهـ. فَتْحٌ فِي بَابِ الْمُسَافِرِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَامَ فَاقْتَدُوا بِهِ بَطَلَتْ إلَى آخِرِهِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَوْ قَامَ أَيْ قَامَ الْمُقِيمُ الْمُسْتَخْلَفُ فَاقْتَدُوا بِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ، وَكَذَا إذَا اسْتَخْلَفَ مُسَافِرًا فَقَامَ وَهَذَا لَيْسَ بِثَابِتٍ فِي خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَهُوَ حَاشِيَةٌ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>