للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِذَا بَطَلَ وَصْفُ الْفَرْضِيَّةِ بَطَلَتْ التَّحْرِيمَةُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّرْتِيبَ يَسْقُطُ بِالْكَثْرَةِ وَهِيَ قَائِمَةٌ بِالْكُلِّ فَوَجَبَ أَنْ تُؤَثِّرَ فِي السُّقُوطِ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَعَادَهَا غَيْرَ مُرَتَّبَةٍ جَازَتْ عِنْدَهُمَا أَيْضًا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْجَوَازِ قِلَّتُهَا وَقَدْ زَالَتْ فَلَا يَبْقَى الْمَانِعُ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَتَوَقَّفَ حُكْمٌ عَلَى أَمْرٍ حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَالُهُ كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ إلَى الْفَقِيرِ يَتَوَقَّفُ فَإِنْ بَقِيَ النِّصَابُ إلَى تَمَامِ الْحَوْلِ صَارَ فَرْضًا، وَإِنْ نَقَصَ وَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَى النُّقْصَانِ صَارَ نَفْلًا. وَكَذَا لَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ يَتَوَقَّفُ وَكَذَا ظُهْرَ الْجُمُعَةِ إذَا صَلَّاهُ فِي الْبَيْتِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ يَتَوَقَّفُ، وَكَذَا أَصْحَابُ الْأَعْذَارِ إذَا انْقَطَعَ عُذْرُهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ عَادَ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا صَاحِبَةُ الْعَادَةِ لَوْ جَاوَزَ الدَّمُ عَادَتَهَا فَاغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ يَتَوَقَّفُ فَإِنْ جَاوَزَ الدَّمُ الْعَشَرَةَ جَازَتْ وَكَذَا صَوْمُهَا إنْ صَامَتْ، وَإِنْ لَمْ تُجَاوِزْهَا نُبَيِّنُ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ، وَكَذَا لَوْ انْقَطَعَ دَمُهَا قَبْلَ الْعَادَةِ فَاغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ أَوْ صَامَتْ يَتَوَقَّفُ فَإِنْ لَمْ يَعُدْ صَحَّ، وَإِنْ عَادَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مِنْ ضِيقِ الْوَقْتِ فَإِنَّ ضِيقَ الْوَقْتِ لَا يُسْقِطُ التَّرْتِيبَ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا قُدِّمْت الْوَقْتِيَّةُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا؛ لِقُوَّتِهَا مَعَ بَقَاءِ التَّرْتِيبِ وَلِهَذَا لَا يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ فِيمَا بَيْنَ الْفَوَائِتِ حَتَّى لَوْ قَدَّمَ الْمُتَأَخِّرَةَ مِنْ الْفَوَائِتِ لَا تَجُوزُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -.

(بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يَجِبُ بَعْدَ السَّلَامِ سَجْدَتَانِ بِتَشَهُّدٍ وَتَسْلِيمٍ بِتَرْكِ وَاجِبٍ، وَإِنْ تَكَرَّرَ) أَيْ، وَإِنْ تَكَرَّرَ تَرْكُ الْوَاجِبِ حَتَّى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ سَجْدَتَيْنِ اعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ فِي مَوَاضِعَ: الْأَوَّلِ فِي صِفَتِهِ، وَهُوَ وَاجِبٌ عِنْدَنَا كَمَا ذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ إذَا سَهَا الْإِمَامُ وَجَبَ عَلَى الْمُؤْتَمِّ السُّجُودُ نَصَّ عَلَى وُجُوبِهِ وَلِأَنَّهُ شُرِعَ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ فَصَارَ كَالدِّمَاءِ فِي الْحَجِّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الْعِبَادَةِ بِصِفَةِ الْكَمَالِ وَاجِبٌ وَذَلِكَ يَجْبُرُ النُّقْصَانَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ سُنَّةٌ اسْتِدْلَالًا بِمَا قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ الْعَوْدَ إلَى سُجُودِ السَّهْوِ لَا يَرْفَعُ التَّشَهُّدَ كَأَنَّهُ يُرِيدُ الْقَعْدَةَ وَقَالُوا لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَرَفَعَهُ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَالصُّلْبِيَّةِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِمَا ذَكَرْنَا؛ وَلِهَذَا يَرْفَعُ التَّشَهُّدَ وَالسَّلَامَ، وَلَوْلَا أَنَّهُ وَاجِبٌ لَمَا رَفَعَهُمَا وَإِنَّمَا لَا يَرْفَعُ الْقَعْدَةَ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْهُ لِكَوْنِهَا فَرْضًا بِخِلَافِ السَّجْدَةِ الصُّلْبِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْ الْقَعْدَةِ لِكَوْنِهَا رُكْنًا وَبِخِلَافِ سَجْدَةِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فَإِذَا بَطَلَ وَصْفُ الْفَرْضِيَّةِ بَطَلَتْ إلَى آخِرِهِ) حَتَّى لَوْ قَهْقَهَ بَعْدَ التَّذَكُّرِ لَا تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ. اهـ. فَتْحٌ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ يَنْبَنِي مَا إذَا خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ تَمَامِ الْجُمُعَةِ فَقَهْقَهَ لَا تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لَهُمَا، وَلَوْ اقْتَدِي بِهِ رَجُلٌ صَحَّ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا الِاخْتِلَافَ هَكَذَا عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، وَقِيلَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ مَنْ شَرَعَ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ، ثُمَّ أَيْسَرَ بَقِيَ نَفْلًا إجْمَاعًا فَكَذَا فِي الصَّلَاةِ وَبَقَاءِ الطَّهَارَةِ وَعَدَمِ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ لِكَوْنِ الصَّلَاةِ مَظْنُونَةً كَذَا قَالَهُ فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّرْتِيبَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يَخْفَى عَلَى مُتَأَمِّلٍ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ يُوجِبُ ثُبُوتَ صِحَّةِ الْمُؤَدَّيَاتِ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ وَقْتِ سَادِسَتِهَا الَّتِي هِيَ سَابِعَةُ الْمَتْرُوكَةِ؛ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ تَثْبُتُ حِينَئِذٍ وَهِيَ الْمُسْقِطَةُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى أَدَائِهَا كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي التَّصْوِيرِ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ وَأَنَّهُ لَا تَتَوَقَّفُ الصِّحَّةُ عَلَى مَا إذَا كَانَ ظَانًّا عَدَمَ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ عِنْدَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا ظَنَّهُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمُحِيطِ عَنْ مَشَايِخِهِمْ فَإِنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ يَقْطَعُ بِإِطْلَاقِ الْجَوَابِ ظَنَّ عَدَمَ الْوُجُوبِ أَوْ لَا اهـ.

(قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ إلَخْ) فَإِنْ أَفَاضَ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ تَنْقَلِبُ نَفْلًا، وَيَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا مَعَ الْعِشَاءِ فِي الْمُزْدَلِفَةِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ الْمُزْدَلِفَةَ وَتَوَجَّهَ إلَى مَكَّةَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى إلَى الْمُزْدَلِفَةِ بَعْدَ مَا أَصْبَحَ جَازَ الْمَغْرِبُ اهـ كَاكِيٌّ

[بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ]

(قَوْلُهُ سُجُودُ السَّهْوِ) إضَافَةُ السُّجُودِ إلَى السَّهْوِ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى السَّبَبِ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي الْإِضَافَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ سَجْدَتَيْنِ إلَى آخِرِهِ) وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ إذَا اجْتَمَعَ نَقْصٌ وَزِيَادَةٌ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْدَهُ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ تَدَاخَلَ وَإِلَّا فَلَا كَمَحْظُورَاتِ الْحَجِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ» وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَتَكَرَّرُ السُّجُودُ بَعْدَ السَّهْوِ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ السُّجُودَ وَجَبَ بِعِلَّةِ السَّهْوِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» وَتَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يُوجِبُ عِلِّيَّةَ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ مِثْلَ زَنَى مَاعِزٌ فَرُجِمَ وَسَرَقَ صَفْوَانُ فَقُطِعَ، وَإِذَا كَانَ السَّهْوُ هُوَ الْعِلَّةُ انْدَرَجَتْ أَفْرَادُهُ تَحْتَ السَّجْدَتَيْنِ وَعَنْ الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ لِكُلِّ سَهْوٍ صَلَاةٌ سَجْدَتَانِ فَعَمَّ أَفْرَادَ سَهْوِهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ سَاهِيًا وَقَامَ وَهُوَ سَهْوٌ آخَرُ»، وَغَيْرَ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بِجَمِيعِ ذَلِكَ أَوْ مَعْنَاهُ يَكْفِي لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ يَدُلُّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سَجْدَتَا السَّهْوِ يَجْزِيَانِ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ وَزِيَادَةٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عَدِيٍّ وَفِيهِ حَكِيمُ بْنُ نَافِعٍ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَضَعَّفَهُ أَبُو زُرْعَةَ فَالْجَرْحُ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ سَبَبِهِ لَا يُسْمَعُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَوْ مَعْنَاهُ أَنَّ السُّجُودَ لَا يَخْتَصُّ بِنَوْعٍ مِنْ السَّهْوِ كَقَوْلِهِمْ لِكُلِّ ذَنْبٍ تَوْبَةٌ اهـ.

غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِكَوْنِهَا فَرْضًا إلَى آخِرِهِ) وَعَلَى هَذَا لَوْ سَلَّمَ بِمُجَرَّدِ رَفْعِهِ مِنْ سَجْدَةِ السَّهْوِ يَكُونُ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ وَلَا يَفْسُدُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقْعُدْ بَعْدَ تَيْنِكَ السَّجْدَتَيْنِ حَيْثُ تَفْسُدُ لِتَرْكِ الْفَرْضِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْ الْقَعْدَةِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ الْقَعْدَةُ بَعْدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ لَيْسَتْ بِرُكْنٍ وَإِنَّمَا يُؤْتَى بِهَا لِيَقَعَ خَتْمُ الصَّلَاةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>