يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَجَعَلَ يَقْضِي مِنْ الْغَدِ مَعَ كُلِّ وَقْتِيَّةٍ فَائِتَةً فَالْفَوَائِتُ جَائِزَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَالْوَقْتِيَّاتُ فَاسِدَةٌ إنْ قَدَّمَهَا لِدُخُولِ الْفَوَائِتِ فِي حَدِّ الْقِلَّةِ، وَإِنْ أَخَّرَهَا فَكَذَلِكَ إلَّا الْعِشَاءَ الْأَخِيرَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِتَةَ عَلَيْهِ فِي ظَنِّهِ حَالَ أَدَائِهَا (قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ الْكَرِيمِ) لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى عَوْدِ التَّرْتِيبِ بَعْدَ سُقُوطِهِ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ لَوْ سَقَطَ لَجَازَتْ الْوَقْتِيَّةُ الَّتِي بَدَأَ بِهَا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَهُوَ قَوْلُهُ وَإِنْ فَاتَهُ أَكْثَرُ مِنْ صَلَاةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَجْزَأَتْهُ الَّتِي بَدَأَ بِهَا؛ وَلِأَنَّ التَّرْتِيبَ إنَّمَا يَسْقُطُ بِخُرُوجِ وَقْتِ السَّادِسَةِ وَلَمْ يَخْرُجْ هُنَا وَلَا يُمْكِنْ حَمْلُهُ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ التَّرْتِيبَ يَسْقُطُ بِدُخُولِ وَقْتِ السَّادِسَةِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ بِفَسَادِ الْوَقْتِيَّةِ الَّتِي بَدَأَ بِهَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ إذْ لَوْ كَانَ مَدَارُهُ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ لَمَا فَسَدَتْ الَّتِي بَدَأَ بِهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ عِنْدَهُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ صَلَّى فَرْضًا ذَاكِرًا فَائِتَةً، وَلَوْ وِتْرًا فَسَدَ فَرْضُهُ مَوْقُوفًا) حَتَّى لَوْ صَلَّى سِتَّ صَلَوَاتٍ مَا لَمْ يَقْضِ الْفَائِتَةَ انْقَلَبَ الْكُلُّ جَائِزًا، وَلَوْ قَضَى الْفَائِتَةَ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ سِتَّةُ أَوْقَاتٍ بَطَلَ وَصْفُ الْفَرْضِيَّةِ، وَانْقَلَبَ نَفْلًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْوِتْرُ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْفَرْضِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ نَفْلٌ عِنْدَهُمَا، وَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَ الْفَرَائِضِ، وَالنَّوَافِلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَأَمَّا إذَا صَلَّى الْفَرْضَ ذَاكِرًا لِلْفَائِتَةِ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَبْطُلُ وَصْفُ الْفَرْضِيَّةِ وَتَنْقَلِبُ نَفْلًا، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ مَا حُكِمَ بِفَسَادِهِ لِمُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ فِيهِ لَا يَصِحُّ إذَا سَقَطَ التَّرْتِيبُ فِيهِ كَمَنْ افْتَتَحَ الْفَرْضَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ذَاكِرًا لِلْفَائِتَةِ ثُمَّ ضَاقَ الْوَقْتُ لَمْ يُحْكَمْ بِجَوَازِهَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ عِلَّةُ سُقُوطِ التَّرْتِيبِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ بِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِي حَقِّ مَا بَعْدَهَا لَا فِي حَقِّ نَفْسِهَا كَمَا لَوْ رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فَسَكَتَ ثَبَتَ الْإِذْنُ دَلَالَةً فِي حَقِّ مَا بَعْدَ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ لَا فِي حَقِّهِ، وَكَذَا الْكَلْبُ إذَا صَارَ مُعَلَّمًا بِتَرْكِ الْأَكْلِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثَبَتَ الْحِلُّ فِيمَا بَعْدَهَا لَا فِيهَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ لَا تَبْقَى التَّحْرِيمَةُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهَا تُعْقَدُ لِلْفَرْضِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ لِدُخُولِ الْفَوَائِتِ فِي حَدِّ الْقِلَّةِ إلَى آخِرِهِ) فَإِنَّهُ مَتَى أَدَّى صَلَاةً مِنْ الْوَقْتِيَّاتِ صَارَتْ هِيَ سَادِسَةَ الْمَتْرُوكَاتِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا قَضَى مَتْرُوكَةً بَعْدَهَا عَادَتْ الْمَتْرُوكَاتُ خَمْسًا، ثُمَّ لَا يَزَالُ هَكَذَا فَلَا يَعُودُ إلَى الْجَوَازِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَوْلُهُ صَارَتْ هِيَ سَادِسَةَ الْمَتْرُوكَاتِ فَسَقَطَ التَّرْتِيبُ فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَعُودَ كَانَ يَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا قَضَى بَعْدَهَا فَائِتَةً حَتَّى عَادَتْ الْمَتْرُوكَاتُ إلَى خَمْسٍ أَنْ تَجُوزَ الْوَقْتِيَّةُ الثَّانِيَةُ قَدَّمَهَا أَوْ أَخَّرَهَا، وَإِنْ وَقَعَتْ بَعْدَ عِدَّةٍ لَا تُوجِبُ سُقُوطَ التَّرْتِيبِ أَعْنِي خَمْسًا أَوْ أَرْبَعًا لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ قَبْلَ أَنْ تَصِيرَ إلَى الْخَمْسِ اهـ.
فَتْحٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِتَةَ عَلَيْهِ فِي ظَنِّهِ إلَى آخِرِهِ) فَكَانَ فِي مَعْنَى النَّاسِي قَالُوا هَذَا إذَا ظَنَّ أَنَّ صَلَاةَ يَوْمِهِ جَائِزَةٌ، وَإِلَّا لَمْ تَجُزْ الْعِشَاءُ الْأَخِيرَةُ أَيْضًا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَالْعَتَّابِيُّ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَالشَّهِيدُ فِي عُدَّةِ الْمُفْتِي. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ حَالَ أَدَائِهَا) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَلَّى وَقْتِيَّةً أَوَّلًا فَقَدْ صَلَّاهَا قَبْلَ سُقُوطِ التَّرْتِيبِ فَلَمْ تَجُزْ وَصَارَتْ مِنْ الْفَوَائِتِ فَصَارَتْ سِتًّا فَإِذَا قَضَى فَائِتَةً بَعْدَهَا عَادَتْ الْفَوَائِتُ خَمْسًا فَلَمْ يَزَلْ كَذَا أَمَّا إذَا قَدَّمَ الْفَوَائِتَ لَا تَجُوزُ الْوَقْتِيَّاتُ إلَّا الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ؛ لِأَنَّهُ صَلَّاهَا وَفِي زَعْمِهِ أَنَّهُ أَعَادَ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ فَلَا يَصِيرُ الْوَقْتُ وَقْتًا لِلْفَائِتَةِ إذَا كَانَ عِنْدَهُ أَنَّ عَلَيْهِ الْفَائِتَةَ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَلَا اهـ وَبِهَذَا سَقَطَ إشْكَالُ الشَّارِحِ كَذَا نَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَخْرُجْ هُنَا) أَيْ حَتَّى صَارَتْ خَمْسًا بِقَضَاءِ الْفَائِتَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ إذْ لَوْ كَانَ مَدَارُهُ عَلَى تِلْكَ الرَّاوِيَةِ لَمَا فَسَدَتْ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي يُقَالُ فِيهَا وَاحِدَةٌ تُصَحِّحُ الْخَمْسَ وَوَاحِدَةٌ تُفْسِدُ الْخَمْسَ فَالْمُصَحِّحَةُ هِيَ السَّادِسَةُ وَالْمُفْسِدَةُ هِيَ الْمَتْرُوكَةُ تُقْضَى قَبْلَ السَّادِسَةِ. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ وِتْرًا) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَاَلَّذِي فِي غَالِبِ نُسَخِ الْمَتْنِ، وَلَوْ وِتْرًا اهـ.
{فَرْعٌ} وَفِي الْحَاوِي لَا يَدْرِي كَمِيَّةَ الْفَوَائِتِ يَعْمَلُ بِأَكْبَرِ رَأْيِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ يَقْضِي حَتَّى يَسْتَيْقِنَ وَاخْتُلِفَ فِيمَا يَقْضِي احْتِيَاطًا فَقِيلَ يَقْرَأُ السُّورَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَقِيلَ لَا يَقْرَأُ، وَلَوْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَا يَدْرِي أَيُّهَا هِيَ يَقْضِي الْخَمْسَ احْتِيَاطًا وَفِي صَلَاةِ الْجَلَّابِيِّ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَا يَدْرِي أَيَّتَهَا هِيَ يَتَحَرَّى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ أَعَادَ صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالثَّوْرِيُّ يُعِيدُ ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ رَكْعَتَانِ يَنْوِي بِهِمَا الْفَجْرَ إنْ كَانَتْ عَلَيْهِ وَأَرْبَعًا يَنْوِي ظُهْرًا أَوْ عَصْرًا أَوْ عِشَاءً إنْ كَانَتْ عَلَيْهِ وَثَلَاثًا بِنِيَّةِ الْمَغْرِبِ وَقَالَ زُفَرُ وَبِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ وَالْمُزَنِيِّ يُصَلِّي أَرْبَعًا يَقْعُدُ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ يَنْوِي الصَّلَاةَ الَّتِي عَلَيْهِ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو: سَأَلْت مُحَمَّدًا عَمَّنْ نَسِيَ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهَا مِنْ أَيَّةِ صَلَاةٍ قَالَ يُعِيدُ الْخَمْسَ قُلْت فَإِنْ نَسِيَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ مِنْ خَمْسَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ يُعِيدُ صَلَاةَ خَمْسَةِ أَيَّامٍ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالرَّازِيِّ وَالنَّسَفِيِّ مَعَ الثَّوْرِيِّ وَفِي جَامِعِ الْكُرْدِيِّ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ رُكْنًا مِنْ صَلَاةٍ لَا يَدْرِي أَيَّتُهَا يَقْضِي صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ النِّيَّةِ فِي الْقَضَاءِ شَرْطٌ وَأَنَّهُ مُتَعَذِّرٌ بِجَهْلِهِ بِهَا فَيَقْضِي صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِيَخْرُجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ وَبِهِ ظَهَرَ بُطْلَانُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالْمَرِيسِيِّ وَالْمُزَنِيِّ.
وَلَوْ نَسِيَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ مِنْ خَمْسَةِ أَيَّامٍ أَوْ سِتًّا مِنْ سِتَّةِ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعًا مِنْ سَبْعَةِ أَيَّامٍ أَوْ ثَمَانِيًا مِنْ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ قَضَى صَلَوَاتِ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةٍ أَوْ سِتَّةٍ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ تَعْيِينِ نِيَّةِ الْقَضَاءِ، وَقِيلَ هَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ إذَا صَارَتْ سِتًّا عَادَتْ الْمَفْعُولَاتُ صَحِيحَةً كَذَا فِي الدِّرَايَةِ وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ فِيهِ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْفَائِتَةِ.
وَالْفَرْضُ هُنَا أَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَّ صَلَاةٍ وَتَعْيِينُ النِّيَّةِ وَاجِبٌ وَلَا طَرِيقَ إلَى قَضَاءِ الْفَوَائِتِ عَيْنًا إلَّا بِقَضَاءِ جَمِيعِ صَلَوَاتِ الْأَيَّامِ عِنْدَ الْكُلِّ وَلَا يَخْفَى حُسْنُ هَذَا النَّظَرِ اهـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute