للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ أَفْضَلَ لَهُ وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى مِمَّا صَنَعَ مِنْ الْجَرِيمَةِ الْعَظِيمَةِ وَالْجَنِينُ الَّذِي اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ كَالتَّامِّ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّهُ وَلَدٌ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ كَأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِهِ وَالنِّفَاسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَكَذَا فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ؛ وَلِأَنَّهُ بِهِ يَتَمَيَّزُ مِنْ الْعَلَقَةِ وَالدَّمِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ

. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ شَرِبَتْ دَوَاءً لِتَطْرَحَهُ أَوْ عَالَجَتْ فَرْجَهَا حَتَّى أَسْقَطَتْهُ ضَمِنَ عَاقِلَتُهَا الْغُرَّةَ إنْ فَعَلَتْ بِلَا إذْنٍ)؛ لِأَنَّهَا أَتْلَفَتْهُ مُتَعَدِّيَةً فَيَجِبُ عَلَيْهَا ضَمَانُهُ وَتَتَحَمَّلُ عَنْهَا الْعَاقِلَةُ لِمَا بَيَّنَّا وَلَا تَرِثُ هِيَ مِنْ الْغُرَّةِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهَا قَاتِلَةٌ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالْقَاتِلُ لَا يَرِثُ بِخِلَافِ مَا إذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ بِإِذْنِ الزَّوْجِ حَيْثُ لَا تَجِبُ الْغُرَّةُ لِعَدَمِ التَّعَدِّي، وَلَوْ فَعَلَتْ أُمُّ الْوَلَدِ ذَلِكَ بِنَفْسِهَا حَتَّى أَسْقَطَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا مَا لَمْ تَسْتَحِقَّ لِاسْتِحَالَةِ وُجُوبِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَمْلُوكِ لِسَيِّدِهِ، وَلَوْ اسْتَحَقَّتْ وَجَبَ لِلْمَوْلَى غُرَّةٌ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لَهَا وَأَنَّهُ مَغْرُورٌ وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ حُرُّ الْأَصْلِ وَهِيَ مُتَعَدِّيَةٌ بِذَلِكَ الْفِعْلِ فَصَارَتْ قَاتِلَةً لِلْجَنِينِ فَتَجِبُ الْغُرَّةُ لَهُ وَيُقَالُ لِلْمُسْتَحِقِّ إنْ شِئْت سَلِّمْ الْجَارِيَةَ وَإِنْ شِئْت افْدِهَا؛ لِأَنَّهُ الْحُكْمُ فِي جَنَابَةِ الْمَمْلُوكِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(بَابُ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ). قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَخْرَجَ إلَى الطَّرِيقِ الْعَامَّةِ كَنِيفًا أَوْ مِيزَابًا أَوْ جُرْصُنًا أَوْ دُكَّانًا فَلِكُلٍّ نَزْعُهُ) أَيْ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْخُصُومَةِ مُطَالَبَتُهُ بِالنَّقْضِ كَالْمُسْلِمِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ الْحُرِّ أَوْ الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ الْمُرُورَ بِنَفْسِهِ وَبِدَوَابِّهِ، فَيَكُونُ لَهُ الْخُصُومَةُ بِنَقْضِهِ كَمَا فِي الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ بِخِلَافِ الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ حَيْثُ لَا يُؤْمَرُ بِالْهَدْمِ بِمُطَالَبَتِهِمْ؛ لِأَنَّ خُصُومَةَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لَا تُعْتَبَرُ فِي مَالِهِ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ هَذَا إذَا بَنَى لِنَفْسِهِ، وَأَمَّا إذَا بَنَى لِلْمُسْلِمِينَ كَالْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ فَلَا يُنْقَضُ كَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ إسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ إنَّمَا يُنْقَضُ بِخُصُومَتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ لَهُ مِثْلُهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَى خُصُومَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ بِهِ إزَالَةَ الضَّرَرِ عَنْ النَّاسِ لَبَدَأَ بِنَفْسِهِ وَحَيْثُ لَمْ يَزُلْ مَا فِي قُدْرَتِهِ عُلِمَ أَنَّهُ مُتَعَنِّتٌ، ثُمَّ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ، أَحَدُهُمَا فِي أَنَّهُ هَلْ يَحِلُّ لَهُ إحْدَاثُهُ فِي الطَّرِيقِ أَمْ لَا، وَالثَّانِي فِي الْخُصُومَةِ فِي مَنْعِهِ مِنْ الْإِحْدَاثِ فِيهِ وَرَفْعِهِ بَعْدَهُ، وَالثَّالِثُ فِي ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، أَمَّا الْإِحْدَاثُ فَقَدْ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ كَانَ الْإِحْدَاثُ يَضُرُّ بِأَهْلِ الطَّرِيقِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحْدِثَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِأَحَدٍ لِسَعَةِ الطَّرِيقِ جَازَ لَهُ إحْدَاثُهُ فِيهِ مَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ فِي الطَّرِيقِ بِالْمُرُورِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَضُرَّ بِأَحَدٍ جَائِزٌ فَكَذَا مَا هُوَ مِثْلُهُ فَيَلْحَقُ بِهِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ، وَإِذَا أَضَرَّ بِالْمَارَّةِ لَا يَحِلُّ لَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ»، وَهَذَا نَظِيرُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَإِنَّهُ لَا يَسَعُهُ التَّأْخِيرُ إذَا طَالَبَهُ صَاحِبُهُ، وَلَوْ لَمْ يُطَالِبْهُ جَازَ لَهُ تَأْخِيرُهُ وَعَلَى هَذَا الْقُعُودُ فِي الطَّرِيقِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ يَجُوزُ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِأَحَدٍ وَإِنْ أَضَرَّ لَمْ يَجُزْ لِمَا قُلْنَا، وَأَمَّا الْخُصُومَةُ فِيهِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ عُرْضِ النَّاسِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْوَضْعِ وَأَنْ يُكَلِّفَهُ الرَّفْعَ بَعْدَ الْوَضْعِ، سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ إذَا وَضَعَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى رَأْيِهِ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي أُمُورِ الْعَامَّةِ إلَى الْإِمَامِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

بِتَحَقُّقِ الْقَتْلِ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَضَى بِالْغُرَّةِ لَمْ يَذْكُرْ الْكَفَّارَةَ، وَلَوْ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ لَذَكَرَهَا اهـ أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ وُلِدَ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ كَأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ) أَيْ إذَا ادَّعَاهُ الْمَوْلَى. اهـ. غَايَةٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ شَرِبَتْ دَوَاءً لِتَطْرَحَهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْمَرْأَةُ إذَا ضَرَبَتْ بَطْنَ نَفْسِهَا مُتَعَمِّدَةً أَوْ شَرِبَتْ دَوَاءً لِتُسْقِطَ وَلَدَهَا فَسَقَطَ يَضْمَنُ عَاقِلَتُهَا الْغُرَّةَ وَنَقَلَهُ عَنْ الزِّيَادَاتِ، وَقَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ فِي بَابِ الدِّيَاتِ امْرَأَةٌ شَرِبَتْ دَوَاءً لِتُسْقِطَ وَلَدَهَا عَمْدًا فَأَلْقَتْ جَنِينًا حَيًّا، ثُمَّ مَاتَ فَعَلَى عَاقِلَتِهَا الدِّيَةُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ إنْ كَانَ لَهَا عَاقِلَةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَذَلِكَ فِي مَالِهَا وَلَا تَرِثُ مِنْهُ شَيْئًا وَعَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ، وَلَوْ أَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا تَجِبُ الْغُرَّةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَوْ كَانَ الشُّرْبُ لِإِصْلَاحِ الْبَدَنِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا وَلَا تَرِثُ مِنْهُ شَيْئًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

[بَابُ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ]

(بَابُ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ). لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْقَتْلِ بِالْمُبَاشَرَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْقَتْلِ بِطَرِيقِ التَّسَبُّبِ وَالضَّرْبُ عَلَى بَطْنِ الْمَرْأَةِ مُبَاشَرَةٌ فِي قَتْلِ الْجَنِينِ وَقَدَّمَ الْمُبَاشَرَةَ؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِلَا وَاسِطَةٍ وَالتَّسْبِيبُ بِالْوَاسِطَةِ؛ وَلِأَنَّ الْقَتْلَ بِالْمُبَاشَرَةِ أَكْثَرُ وُقُوعًا فَكَانَ أَمَسَّ حَاجَةٍ إلَى مَعْرِفَةِ أَحْكَامِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِلَا وَاسِطَةٍ أَيْ فَكَانَ أَصْلًا اهـ (قَوْلُهُ: أَوْ جُرْصُنًا) الْجُرْصُنُ جِذْعٌ يُخْرِجُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ الْحَائِطِ إلَى الطَّرِيقِ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ وَفَسَّرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ بِالْبُرْجِ الَّذِي يَكُونُ فِي الْحَائِطِ، وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ الْبُرْجُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مَجْرَى مَاءٍ مُرَكَّبٌ فِي الْحَائِطِ نَاتِئٌ فَكَيْفَمَا كَانَ فَهُوَ يَشْغَلُ حَقَّ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ إذْ لَيْسَ فِي الْعَرَبِيَّةِ كَلَامٌ عَلَى هَذَا التَّرْكِيبِ أَعْنِي الْجِيمَ وَالرَّاءَ وَالصَّادَ، بَلْ مُهْمَلٌ فِي كَلَامِهِمْ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ) أَيْ فَإِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ حَقَّ النَّقْضِ فِيمَا أَحْدَثَهُ غَيْرُهُ فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ خُصُومَةَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ إلَخْ) فَكَذَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ نَاقِلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ») الْحَدِيثَ كَمَا أَثْبَتَ فِي الْفِرْدَوْسِ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» أَيْ لَا يَضُرُّ الرَّجُلُ أَخَاهُ ابْتِدَاءً وَلَا جَزَاءً؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ بِمَعْنَى الضُّرِّ وَهُوَ يَكُونُ مِنْ وَاحِدٍ وَالضِّرَارُ مِنْ اثْنَيْنِ بِمَعْنَى الْمُضَارَّةِ وَهُوَ أَنْ تَضُرَّ مَنْ ضَرَّك. اهـ. مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ: فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ عُرْضِ النَّاسِ) وَفِي الْجَمْهَرَةِ ضَرَبْت عُرْضَ الْحَائِطِ وَعُرْضَ الْجَبَلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>