- رَحِمَهُ اللَّهُ - لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْوَضْعِ قَبْلَ الْوَضْعِ لَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ بِالْوَضْعِ صَارَ فِي يَدِهِ خَاصَّةً وَاَلَّذِي يُخَاصِمُهُ بَعْدَ ذَلِكَ يُرِيدُ إبْطَالَ يَدِهِ الْخَاصَّةِ مِنْ غَيْرِ دَفْعِ ضَرَرٍ عَنْ نَفْسِهِ، فَيَكُونُ مُتَعَنِّتًا وَلَا كَذَلِكَ قَبْلَ الْوَضْعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ يَدِهِ الْخَاصَّةِ وَلِكُلِّ أَحَدٍ يَدٌ فِيهِ وَاَلَّذِي يُرِيدُ الْإِحْدَاثَ يَقْصِدُ إبْطَالَ أَيْدِيهِمْ الْعَامَّةِ وَإِدْخَالَهُ فِي يَدِهِ الْخَاصَّةِ فَكَانَ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَهُ قَبْلَ الْوَضْعِ وَلَا بَعْدَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ بِالنَّاسِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي إحْدَاثِهِ شَرْعًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَمْنَعْهُ أَحَدٌ وَالْمَانِعُ مِنْهُ مُتَعَنِّتٌ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ إذْنَ الشَّارِعِ أَحْرَى وَوِلَايَتَهُ أَقْوَى فَصَارَ كَالْمُرُورِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْهُ وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا انْتِفَاعٌ بِمَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ الطَّرِيقُ فَكَانَ لَهُمْ مَنْعُهُ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فِي نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْمُرُورِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِمَا وُضِعَ لَهُ فَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مَنْعُهُ
. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِي النَّافِذِ إلَّا إذَا أَضَرَّ) أَيْ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِإِحْدَاثِ الْجُرْصُنِ وَغَيْرِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الطَّرِيقِ النَّافِذِ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْعَامَّةِ مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَمْنَعْهُ أَحَدٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَالْخِلَافَ الَّذِي فِيهِ فَلَا نُعِيدُهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي غَيْرِهِ لَا يَتَصَرَّفُ إلَّا بِإِذْنِهِمْ) أَيْ فِي غَيْرِ النَّافِذِ مِنْ الطُّرُقِ لَا يَتَصَرَّفُ أَحَدٌ بِإِحْدَاثِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا بِإِذْنِ أَهْلِهِ؛ لِأَنَّ الطُّرُقَ الَّتِي لَيْسَتْ بِنَافِذَةٍ مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا فَهُمْ فِيهَا شُرَكَاءُ وَلِهَذَا يَسْتَحِقُّونَ بِهَا الشُّفْعَةَ وَالتَّصَرُّفَ فِي الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي لَمْ يُوضَعْ لَهُ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِإِذْنِ الْكُلِّ أَضَرَّ بِهِمْ أَوْ لَمْ يَضُرَّ بِخِلَافِ النَّافِذِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ مِلْكٌ فَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِأَحَدٍ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ نَافِذًا كَانَ حَقَّ الْعَامَّةِ فَيَتَعَذَّرُ الْوُصُولُ إلَى إذْنِ الْكُلِّ فَجُعِلَ كُلُّ وَاحِدٍ كَأَنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ وَحْدَهُ فِي حَقِّ الِانْتِفَاعِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِأَحَدٍ وَلَا كَذَلِكَ غَيْرُ النَّافِذِ؛ لِأَنَّ الْوُصُولَ إلَى إرْضَائِهِمْ مُمْكِنٌ فَبَقِيَ عَلَى الشِّرْكَةِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا
. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ مَاتَ أَحَدٌ بِسُقُوطِهَا فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَمَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي طَرِيقٍ أَوْ وَضَعَ حَجَرًا فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ) أَيْ إذَا مَاتَ إنْسَانٌ بِسُقُوطِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ كَنِيفٍ أَوْ مِيزَابٍ أَوْ جَرْصَنٍ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ مَنْ أَخْرَجَهُ إلَى الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ لِهَلَاكِهِ مُتَعَدٍّ فِي إحْدَاثِ مَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمَارَّةُ بِإِشْغَالِ هَوَاءِ الطَّرِيقِ بِهِ أَوْ بِإِحْدَاثِ مَا يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ، وَكَذَا إذَا عَثَرَ بِنَقْضِهِ إنْسَانٌ، وَلَوْ عَثَرَ بِمَا أَحْدَثَهُ هُوَ رَجُلٌ فَوَقَعَ عَلَى آخَرَ فَمَاتَا فَدِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ مَنْ أَحْدَثَهُ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ كَالْمَدْفُوعِ عَلَى الْآخَرِ، وَلَوْ سَقَطَ الْمِيزَابُ فَأَصَابَ مَا كَانَ فِي الدَّاخِلِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ وَضَعَ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ فَلَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا فِيهِ وَإِنْ أَصَابَهُ مَا كَانَ خَارِجًا مِنْهُ فَالضَّمَانُ عَلَى مَنْ وَضَعَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِشَغْلِ هَوَاءِ الطَّرِيقِ، وَلَوْ أَصَابَهُ الطَّرَفَانِ وَعَلِمَ ذَلِكَ وَجَبَ النِّصْفُ وَهُدِرَ النِّصْفُ فَصَارَ كَمَا إذَا جَرَحَهُ إنْسَانٌ وَسَبُعٌ وَمَاتَ مِنْهُمَا، وَلَوْ لَمْ يُعْلَمْ أَيُّ طَرَفٍ أَصَابَهُ فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَصَابَهُ مَا كَانَ خَارِجًا يَضْمَنُ وَإِنْ أَصَابَهُ مَا كَانَ دَاخِلًا لَا يَضْمَنُ فَلَا يَضْمَنُ بِالشَّكِّ؛ لِأَنَّ فَرَاغَ ذِمَّتِهِ كَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ وَفِي الشَّغْلِ شَكٌّ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَضْمَنُ النِّصْفَ؛ لِأَنَّهُ فِي حَالٍ يَضْمَنُ الْكُلَّ وَفِي حَالٍ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا فَيَضْمَنُ النِّصْفَ وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ فِي حَالٍ النِّصْفَ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ أَصَابَهُ الطَّرَفَانِ فَيَتَنَصَّفُ، فَيَكُونُ مَعَ النِّصْفِ الْأَوَّلِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ؛ لِأَنَّ أَحْوَالَ الْإِصَابَةِ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تَتَعَدَّدُ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهَا بِخِلَافِ حَالَةِ الْحِرْمَانِ، وَلَوْ أَشْرَعَ جَنَاحًا إلَى الطَّرِيقِ، ثُمَّ بَاعَ الْكُلَّ فَأَصَابَ الْجَنَاحُ رَجُلًا فَقَتَلَهُ أَوْ وَضَعَ خَشَبَةً فِي الطَّرِيقِ، ثُمَّ بَاعَ الْخَشَبَةَ وَتَرَكَهَا الْمُشْتَرِي حَتَّى عَطِبَ بِهَا إنْسَانٌ فَالضَّمَانُ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَمْ يُنْسَخْ بِزَوَالِ مِلْكِهِ وَهُوَ الْمُوجِبُ بِخِلَافِ الْحَائِطِ الْمَائِلِ إذَا بَاعَهُ بَعْدَ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ، ثُمَّ سَقَطَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي عَلَى إنْسَانٍ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ الْبَائِعُ وَلَا الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ وَهُوَ شَرْطٌ فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ وَفِي حَقِّ الْبَائِعِ قَدْ بَطَلَ الْإِشْهَادُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْإِشْهَادِ فَيَبْطُلُ بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ نَقْضِ مِلْكِ الْغَيْرِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ إنَّمَا يَضْمَنُ بِإِشْغَالِ هَوَاءِ الطَّرِيقِ لَا بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ وَالْإِشْغَالُ بَاقٍ بَعْدَ الْبَيْعِ فَيَضْمَنُ أَلَا تَرَى أَنَّ ذَلِكَ الْإِشْغَالَ لَوْ حَصَلَ مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ كَالْمُسْتَأْجِرِ أَوْ الْمُسْتَعِيرِ أَوْ الْغَاصِبِ يَضْمَنُ وَفِي الْحَائِطِ لَا يَضْمَنُ غَيْرُ الْمَالِكِ، وَلَوْ وَضَعَ فِي الطَّرِيقِ جَمْرًا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَكَذَلِكَ عُرْضَ النَّهْرِ أَيْ نَاحِيَتَهُ وَأَرَادَ بِهِ هُنَا أَضْعَفَ النَّاسِ وَأَرْذَلَهُمْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ إلَخْ) وَفِي الْعِمَادِيَّةِ حَكَى الْخِلَافَ بَيْنَ الصَّاحِبَيْنِ عَلَى عَكْسِ هَذَا اهـ (قَوْلُهُ: وَالْمَانِعُ مِنْهُ مُتَعَنِّتٌ) وَالْمُتَعَنِّتُ هُوَ الَّذِي يُخَاصِمُ فِيمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ اهـ أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ: لَا يَمْلِكُ إلَّا بِإِذْنِ الْكُلِّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ سَوَاءٌ أَضَرَّ بِهِمْ أَوْ لَمْ يَضُرَّ إلَّا أَنْ يَأْذَنُوا لَهُ وَهُمْ كُلُّهُمْ بَالِغُونَ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَإِنْ مَاتَ أَحَدٌ بِسُقُوطِهَا فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَلَا يُحْرَمُ الْإِرْثَ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ فِي أَثْنَائِهَا وَآخِرِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْوَاقِعَ كَالْمَدْفُوعِ عَلَى الْآخَرِ) يَعْنِي يَصِيرُ الْمُحْدِثُ فِي الطَّرِيقِ كَالدَّافِعِ لِلْعَاثِرِ عَلَى الَّذِي سَقَطَ الْعَاثِرُ عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ أَحْوَالَ إلَخْ) جَوَابٌ لَا يُقَالُ. اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ بَاعَ الْخَشَبَةَ) وَبَرِئَ إلَيْهِ مِنْهَا. اهـ. هِدَايَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute