وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعَانِي.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَرُمَ صَيْدُ الْمَجُوسِيِّ وَالْوَثَنِيِّ وَالْمُرْتَدِّ)؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ فَكَذَا فِي حَالَةِ الِاضْطِرَارِ وَكَذَا الْمُحْرِمُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ فِي حَقِّ الصَّيْدِ فَكَذَا لَا يَكُونُ مِنْ أَهْلِ ذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ فِيهِ وَيُؤْكَلُ صَيْدُ الْكِتَابِيِّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ اخْتِيَارًا فَكَذَا اضْطِرَارًا.
[صَيْد الْمَجُوسِيّ وَالْوَثَنِيّ]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْ رَمَى صَيْدًا فَلَمْ يُثْخِنْهُ فَرَمَاهُ الثَّانِي فَقَتَلَهُ فَهُوَ لِلثَّانِي وَحَلَّ)؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْآخِذُ لَهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَهُ»، وَإِنَّمَا حَلَّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَخْرُجْ بِالْأَوَّلِ مِنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ كَانَ ذَكَاتُهُ ذَكَاةَ الِاضْطِرَارِ وَهُوَ الْجُرْحُ أَيَّ مَوْضِعٍ كَانَ، وَقَدْ وُجِدَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْ أَثْخَنَهُ فَلِلْأَوَّلِ وَحَرُمَ)؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَثْخَنَهُ الْأَوَّلُ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ وَصَارَ قَادِرًا عَلَى ذَكَاتِهِ الِاخْتِيَارِيَّةِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ ذَكَاتُهُ لِمَا بَيَّنَّا وَلَمْ يُذَكِّهِ وَصَارَ الثَّانِي قَاتِلًا لَهُ فَيَحْرُمُ، وَهُوَ لَوْ تَرَكَ ذَكَاتَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ يَحْرُمُ فَبِالْقَتْلِ أَوْلَى أَنْ يَحْرُمَ بِخِلَافِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا إذَا كَانَ بِحَالٍ يَسْلَمُ مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ يُضَافُ إلَى الثَّانِي أَمَّا إذَا كَانَ الرَّمْيُ الْأَوَّلُ بِحَالٍ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ الصَّيْدُ بِأَنْ لَا يَبْقَى فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَبْقَى فِي الْمَذْبُوحِ كَمَا إذَا أَبَانَ رَأْسَهُ يَحِلُّ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ لَا يُضَافُ إلَى الرَّمْيِ الثَّانِي فَلَا اعْتِبَارَ بِوُجُودِهِ لِكَوْنِهِ مَيِّتًا حُكْمًا؛ وَلِهَذَا لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَحْرُمُ كَوُقُوعِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَوْ كَانَ الرَّمْيُ الْأَوَّلُ بِحَالٍ لَا يَعِيشُ مِنْهُ الصَّيْدُ لَكِنَّ حَيَاتَهُ فَوْقَ حَيَاةِ الْمَذْبُوحِ بِأَنْ كَانَ يَبْقَى يَوْمًا أَوْ دُونَهُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَحْرُمُ بِالرَّمْيَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْحَيَاةِ لَا يُعْتَبَرُ عِنْدَهُ
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْحَيَاةِ مُعْتَبَرٌ عِنْدَهُ فَصَارَ حُكْمُهُ كَحُكْمِ مَا إذَا كَانَ الْأَوَّلُ يَسْلَمُ مِنْهُ فَلَا يَحِلُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَضَمِنَ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ) أَيْ ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَةِ الصَّيْدِ غَيْرَ مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَةُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ صَيْدًا مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْإِثْخَانِ فَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ مَا أَتْلَفَ وَقِيمَتُهُ وَقْتَ إتْلَافِهِ كَانَ نَاقِصًا بِجِرَاحَةِ الْأَوَّلِ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْمُتْلَفِ تُعْتَبَرُ وَقْتَ الْإِتْلَافِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ عَبْدًا مَرِيضًا أَوْ شَاةً مَجْرُوحَةً، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ مَنْقُوصًا بِالْمَرَضِ أَوْ الْجُرْحِ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ تَأْوِيلُهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْقَتْلَ حَصَلَ بِالثَّانِي بِأَنْ كَانَ الْأَوَّلُ بِحَالٍ يَسْلَمُ مِنْهُ وَالثَّانِي بِحَالٍ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ لِيَكُونَ الْقَتْلُ كُلُّهُ مُضَافًا إلَى الثَّانِي، وَقَدْ قَتَلَ حَيَوَانًا مَمْلُوكًا لِلْأَوَّلِ مَنْقُوصًا بِالْجِرَاحَةِ فَلَا يَضْمَنُهُ كَمَلًا كَمَا إذَا قَتَلَ عَبْدًا مَرِيضًا، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ مِنْ الْجِرَاحَتَيْنِ أَوْ لَا يَدْرِي قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ يَضْمَنُ الثَّانِي مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ ثُمَّ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا بِجِرَاحَتَيْنِ ثُمَّ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَةِ لَحْمِهِ
أَمَّا الْأَوَّلُ، وَهُوَ ضَمَانُ مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ؛ فَلِأَنَّهُ جَرَحَ حَيَوَانًا مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ، وَقَدْ نَقَصَهُ فَيَضْمَنُهُ أَوَّلًا، وَأَمَّا الثَّانِي، وَهُوَ ضَمَانُ نِصْفِ قِيمَتِهِ حَيًّا؛ فَلِأَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ بِالْجِرَاحَتَيْنِ فَيَكُونُ هُوَ مُتْلِفًا نِصْفَهُ، وَهُوَ مَمْلُوكٌ لِغَيْرِهِ فَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا بِالْجِرَاحَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأُولَى مَا كَانَتْ بِصُنْعِهِ يَعْنِي الْجِرَاحَةَ الْأُولَى مَا كَانَتْ بِصُنْعِ الثَّانِي فَلَا يَضْمَنُهَا وَالثَّانِيَةُ ضَمِنَهَا مَرَّةً فَلَا يَضْمَنُهَا ثَانِيًا أَيْ الْجِرَاحَةُ الثَّانِيَةُ وَمُرَادُهُ مَا نَقَصَ بِجِرَاحَتِهِ ضَمِنَهَا مَرَّةً، وَهُوَ مَا ضَمِنَهُ مِنْ النُّقْصَانِ بِجِرَاحَتِهِ أَوَّلًا، وَأَمَّا الثَّالِثُ، وَهُوَ ضَمَانُ نِصْفِ اللَّحْمِ فَلِأَنَّ بِالرَّمْيَةِ الْأُولَى صَارَ بِحَالٍ يَحِلُّ بِذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ لَوْلَا رَمْيُ الثَّانِي، فَهَذَا بِالرَّمْيِ الثَّانِي أَفْسَدَ عَلَيْهِ نِصْفَ اللَّحْمِ فَيَضْمَنُهُ وَلَا يَضْمَنُ النِّصْفَ الْآخَرَ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَهُ مَرَّةً حَيْثُ ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهِ حَيًّا فَدَخَلَ ضَمَانُ اللَّحْمِ فِيهِ
وَهَذَا يُوهِمُ أَنَّ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَرْقًا أَعْنِي بَيْنَ مَا إذَا حَصَلَ الْقَتْلُ بِالثَّانِي وَحْدَهُ أَوْ بِهِمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ يَضْمَنُ الثَّانِي جَمِيعَ قِيمَتِهِ غَيْرَ مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَةُ الْأَوَّلِ إلَّا أَنَّهُ بَيَّنَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى جَمِيعَ الْحَاصِلِ وَفِي الثَّانِيَةِ بَيَّنَ طَرِيقَ الضَّمَانِ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ قَاضِيخَانْ أَيْ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بَيَانُهُ أَنَّ الرَّامِيَ الْأَوَّلَ إذَا رَمَى صَيْدًا يُسَاوِي عَشَرَةً فَنَقَصَهُ دِرْهَمَيْنِ ثُمَّ رَمَاهُ الثَّانِي فَنَقَصَهُ دِرْهَمَيْنِ ثُمَّ مَاتَ فَعَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُولَى يَضْمَنُ الثَّانِي ثَمَانِيَةً وَيَسْقُطُ عَنْهُ مِنْ قِيمَتِهِ دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَلِفَ بِجُرْحِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ غَيْرَ مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ وَعَلَى الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ يَضْمَنُ دِرْهَمَيْنِ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ مِنْ النُّقْصَانِ حَصَلَ بِفِعْلِهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الزِّيَادَاتِ يَضْمَنُ الثَّانِي مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ بَقِيَ مِنْ قِيمَتِهِ سِتَّةٌ فَيَضْمَنُ نِصْفَهَا، وَهُوَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ثُمَّ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا بِجِرَاحَتَيْنِ يَعْنِي بِهِ نِصْفَ قِيمَتِهِ حَيًّا ثُمَّ إذَا مَاتَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَحَرُمَ صَيْدُ الْمَجُوسِيِّ وَالْوَثَنِيِّ وَالْمُرْتَدِّ) وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ سَمَكَةٍ يَصِيدُهَا مَجُوسِيٌّ؛ لِأَنَّهَا تَحِلُّ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ إذَا أَخَذَ سَمَكَةً وَتَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَلَيْهَا تَحِلُّ وَمَا يَحِلُّ بِدُونِ التَّسْمِيَةِ فَالْمَجُوسِيُّ وَغَيْرُهُ فِيهِ سَوَاءٌ اهـ نِهَايَةٌ فِي الذَّبَائِحِ.
(قَوْلُهُ، وَهَذَا) أَيْ قَوْلُهُ حَرُمَ اهـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute