للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِمَا لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الشَّهِيدِ، وَقِيلَ هَذَا إذَا قُتِلَا فِي حَالَةِ الْمُحَارَبَةِ قَبْلَ أَنْ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا، وَأَمَّا إذَا قُتِلَا بَعْدَ ثُبُوتِ يَدِ الْإِمَامِ عَلَيْهِمَا فَإِنَّهُمَا يُغَسَّلَانِ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمَا، وَهَذَا تَفْصِيلٌ حَسَنٌ أَخَذَ بِهِ الْكِبَارُ مِنْ الْمَشَايِخِ. وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ قَتْلَ قَاطِعِ الطَّرِيقِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَدٌّ أَوْ قِصَاصٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَقَتْلُ الْبَاغِي فِي هَذِهِ الْحَالَةِ

لِلسِّيَاسَةِ

أَوْ لِكَسْرِ شَوْكَتِهِمْ فَيَنْزِلُ مَنْزِلَتَهُ لِعَوْدِ مَنْفَعَتِهِ إلَى الْعَامَّةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُغَسَّلَانِ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمَا كَيْفَمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ قُتِلَ بِحَقٍّ فَصَارَ كَمَنْ قُتِلَ بِالْقِصَاصِ أَوْ بِالْحَدِّ، وَلَنَا أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُصَلِّ عَلَى أَصْحَابِ النَّهْرَوَانِ، وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ فَقِيلَ لَهُ أَكُفَّارٌ هُمْ فَقَالَ أَخِوَانُنَا بَغَوْا عَلَيْنَا فَأَشَارَ إلَى الْعِلَّةِ، وَهِيَ الْبَغْيُ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُوَ الْقُدْوَةُ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي السِّيَرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ وَلِأَنَّهُ قُتِلَ ظَالِمًا لِنَفْسِهِ مُحَارِبًا لِلْمُسْلِمِينَ كَالْحَرْبِيِّ فَلَا يُغَسَّلُ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ عُقُوبَةً لَهُ وَزَجْرًا لِغَيْرِهِ كَالْمَصْلُوبِ يُتْرَكُ عَلَى الْخَشَبَةِ عُقُوبَةً لَهُ وَزَجْرًا لِغَيْرِهِ، وَكَذَا مَنْ يَقْتُلُ بِالْخَنْقِ غِيلَةً؛ لِأَنَّهُ سَاعٍ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ كَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَحُكْمُ أَهْلِ الْعَصَبِيَّةِ حُكْمُ الْبُغَاةِ، وَمَنْ قَتَلَ أَحَدَ أَبَوَيْهِ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ إهَانَةً لَهُ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ عَمْدًا يُصَلَّى عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ غَيْرُ سَاعٍ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ، وَإِنْ كَانَ بَاغِيًا عَلَى نَفْسِهِ كَسَائِرِ فُسَّاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(بَابٌ: الصَّلَاةُ فِي الْكَعْبَةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (صَحَّ فَرْضٌ وَنَفْلٌ فِيهَا، وَفَوْقَهَا) أَيْ صَحَّ فَرْضُ الصَّلَاةِ وَنَفْلُهَا فِي الْكَعْبَةِ، وَفَوْقَ الْكَعْبَةِ لِحَدِيثِ بِلَالٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَخَلَ الْبَيْتَ وَصَلَّى فِيهِ وقَوْله تَعَالَى» {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: ١٢٥] دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ فِيهِ إذْ لَا مَعْنَى لِتَطْهِيرِ الْمَكَانِ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ، وَهِيَ لَا تَجُوزُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ؛ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ اسْتِقْبَالُ شَطْرِهِ لَا اسْتِيعَابُهُ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ فِيمَنْ صَلَّى فِيهَا أَوْ فَوْقَهَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقِبْلَةَ هِيَ الْعَرْصَةُ وَالْهَوَاءُ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ دُونَ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُحَوَّلُ وَلِهَذَا لَوْ صَلَّى عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ جَازَتْ صَلَاتُهُ، وَلَا بِنَاءَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ فَوْقَهَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ التَّعْظِيمِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَنْ جَعَلَ ظَهْرَهُ إلَى ظَهْرِ إمَامِهِ فِيهَا) أَيْ فِي الْكَعْبَةِ (صَحَّ)؛ لِأَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إلَى الْقِبْلَةِ، وَلَيْسَ بِمُتَقَدِّمٍ عَلَى إمَامِهِ، وَلَا يَعْتَقِدُ خَطَأَهُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ التَّحَرِّي، وَكَذَا إذَا جَعَلَ وَجْهَهُ إلَى وَجْهِ الْإِمَامِ لِوُجُودِ شَرَائِطِهَا، وَلَكِنْ يُكْرَهُ بِلَا حَائِلٍ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ عِبَادَةَ الصُّورَةِ، وَلَوْ جَعَلَ وَجْهَهُ إلَى جَوَانِبِ الْإِمَامِ تَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَى وَجْهِهِ لَا) أَيْ مَنْ جَعَلَ ظَهْرَهُ إلَى وَجْهِ الْإِمَامِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى إمَامِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ تَحَلَّقُوا حَوْلَهَا) أَيْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ (صَحَّ لِمَنْ هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهَا) أَيْ إلَى الْكَعْبَةِ (مِنْ الْإِمَامِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي جَانِبِهِ)؛ لِأَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ حُكْمًا؛ لِأَنَّ التَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ لَا يَظْهَرُ إلَّا عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ. وَلَوْ قَامَ الْإِمَامُ فِي الْكَعْبَةِ وَتَحَلَّقَ الْمُقْتَدُونَ حَوْلَهَا جَازَ إذَا كَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا لِأَنَّهُ كَقِيَامِهِ فِي الْمِحْرَابِ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْمَسَاجِدِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانُهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ قَالَ الْكَمَالُ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَوْنُ هَذَا فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ هَذَا إذَا قُتِلَا إلَى آخِرِهِ) هَذَا الْقَيْدُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْوَلْوَالِجِيُّ فَقَالَ أَهْلُ الْبَغْيِ إذَا قُتِلُوا فِي الْحَرْبِ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَلَوْ قُتِلُوا بَعْدَمَا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا صُلِّيَ عَلَيْهِمْ وَكَذَا قُطَّاعُ الطَّرِيقِ إذَا قُتِلُوا فِي حَالِ حَرْبِهِمْ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ فَإِنْ أَخَذَهُمْ الْإِمَامُ وَقَتَلَهُمْ صَلَّى عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ مَا دَامُوا فِي الْحَرْبِ كَانُوا مِنْ جُمْلَةِ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَإِذَا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا فَقَدْ تَرَكُوا الْبَغْيَ وَمَشَايِخُنَا جَعَلُوا حُكْمَ الْمَقْتُولِينَ بِالْعَصَبِيَّةِ حُكْمَ أَهْلِ الْبَغْيِ حَتَّى قَالُوا عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: غِيلَةً) وَالْغِيلَةُ بِالْكَسْرِ الِاغْتِيَالُ يُقَالُ قَتَلَهُ غِيلَةً، وَهُوَ أَنْ يَخْدَعَهُ فَيَذْهَبَ بِهِ إلَى مَوْضِعٍ فَإِذَا صَارَ إلَيْهِ قَتَلَهُ. اهـ مَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ. .

[بَابٌ الصَّلَاةُ فِي الْكَعْبَةِ]

وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ فِي إيرَادِ هَذَا الْبَابِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ أَحْكَامَ الصَّلَاةِ خَارِجَ الْكَعْبَةِ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ دَاخِلَ الْكَعْبَةِ؛ وَلِأَنَّ الْبَيْتَ مَأْمَنٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: ٩٧] وَالْقَبْرُ مَأْمَنٌ لِقَالَبِ الْمَيِّتِ أَيْضًا؛ وَلِأَنَّ الْمُصَلِّيَ فِي الْكَعْبَةِ مُسْتَقْبِلٌ مِنْ وَجْهٍ وَمُسْتَدْبِرٌ مِنْ وَجْهٍ وَكَذَلِكَ الشَّهِيدُ حَيٌّ عِنْدَ اللَّهِ مَيِّتٌ عِنْدَ النَّاسِ. اهـ. (قَوْلُهُ:؛ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ اسْتِقْبَالُ شَطْرِهِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ؛ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ اسْتِقْبَالُ جُزْءٍ مِنْ الْكَعْبَةِ غَيْرِ عَيْنٍ، وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ الْجُزْءُ قِبْلَةً لَهُ بِالشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَالتَّوَجُّهِ إلَيْهِ وَمَتَى صَارَ قِبْلَةً فَاسْتِدْبَارُهَا فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ يَكُونُ مُفْسِدًا فَأَمَّا الْأَجْزَاءُ الَّتِي لَمْ يَتَوَجَّهْ إلَيْهَا لَمْ تَصِرْ قِبْلَةً فِي حَقِّهِ فَاسْتِدْبَارُهَا لَا يَكُونُ مُفْسِدًا، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنَّ مَنْ صَلَّى فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ رَكْعَةً إلَى جِهَةٍ وَرَكْعَةً إلَى جِهَةٍ أُخْرَى لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَدْبِرًا عَنْ الْجِهَةِ الَّتِي صَارَتْ قِبْلَةً فِي حَقِّهِ بِيَقِينٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَالِانْحِرَافُ عَنْ الْقِبْلَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ بِخِلَافِ النَّائِي عَنْ الْكَعْبَةِ إذَا صَلَّى بِالتَّحَرِّي إلَى الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ بِأَنْ صَلَّى رَكْعَةً إلَى جِهَةٍ ثُمَّ تَحَوَّلَ رَأْيُهُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى فَصَلَّى رَكْعَةً إلَيْهَا هَكَذَا جَازَ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَمْ يُوجَدْ الِانْحِرَافُ عَنْ الْقِبْلَةِ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّ الْجِهَةَ الَّتِي تَحَرَّى إلَيْهَا مَا صَارَتْ قِبْلَةً لَهُ بِيَقِينٍ بَلْ بِطَرِيقِ الِاجْتِهَادِ فَمَتَى تَحَوَّلَ رَأْيُهُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى صَارَتْ قِبْلَتَهُ هَذِهِ الْجِهَةُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَمْ يَبْطُلْ مَا أَدَّى بِالِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ مَا مَضَى بِالِاجْتِهَادِ لَا يُنْقَضُ بِاجْتِهَادٍ مِثْلِهِ فَصَارَ مُصَلِّيًا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا إلَى الْقِبْلَةِ فَلَمْ يُوجَدْ الِانْحِرَافُ عَنْ الْقِبْلَةِ بِيَقِينٍ فَهُوَ الْفَرْقُ. اهـ

[كِتَابُ الزَّكَاةِ]

وَتُسَمَّى صَدَقَةً أَيْضًا قَالَ تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: ١٠٣] مِنْ التَّصْدِيقِ الَّذِي هُوَ الْإِيمَانُ؛ لِأَنَّ دَافِعَهَا مُصَدِّقٌ بِوُجُوبِهَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: يُقَالُ زَكَا الزَّرْعُ إذَا زَادَ) قَالَ الْكَمَالُ، وَفِي هَذَا الِاسْتِشْهَادِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ الزَّكَاءُ بِالْمَدِّ بِمَعْنَى النَّمَاءِ يُقَالُ زَكَا زَكَاءً فَيَجُوزُ كَوْنُ الْفِعْلِ الْمَذْكُورِ مِنْهُ لَا مِنْ الزَّكَاةِ بَلْ كَوْنُهَا مِنْهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ عَيْنِ لَفْظِ الزَّكَاةِ فِي مَعْنَى النَّمَاءِ ثُمَّ سُمِّيَ بِهَا نَفْسُ الْمَالِ الْمُخْرَجِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا يُذْكَرُ فِي عُرْفِ الشَّارِعِ قَالَ تَعَالَى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: ٤٣] وَمَعْلُومٌ أَنَّ مُتَعَلَّقَ الْإِيتَاءِ هُوَ الْمَالُ، وَفِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ هُوَ نَفْسُ فِعْلِ الْإِيتَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ يَصِفُونَهُ بِالْوُجُوبِ وَمُتَعَلَّقُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ وَمُنَاسَبَةُ اللُّغَوِيِّ أَنَّهُ سَبَبٌ لَهُ إذْ يَحْصُلُ بِهِ النَّمَاءُ بِالْخَلَفِ مِنْهُ تَعَالَى فِي الدَّارَيْنِ وَالطَّهَارَةُ لِلنَّفْسِ مِنْ دَنَسِ الْبُخْلِ وَالْمُخَالَفَةِ وَلِلْمَالِ بِإِخْرَاجِ حَقِّ الْغَيْرِ مِنْهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ أَعْنِي الْفُقَرَاءَ ثُمَّ هِيَ فَرِيضَةٌ مَحْكَمَةٌ وَسَبَبُهَا الْمَالُ الْمَخْصُوصُ أَعْنِي النِّصَابَ النَّامِيَ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا وَلِذَا تُضَافُ إلَيْهِ فَيُقَالُ زَكَاةُ الْمَالِ وَشَرْطُهَا الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْفَرَاغُ مِنْ الدَّيْنِ، وَالْأَفْضَلُ فِي الزَّكَاةِ الْإِعْلَانُ بِخِلَافِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَعَنْ الطَّهَارَةِ أَيْضًا) وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً} [مريم: ١٣] أَيْ طَهَارَةً، وَفِي حَدِيثِ الْبَاقِرِ «زَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا» أَيْ طَهَارَتُهَا مِنْ النَّجَاسَةِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ. اهـ. غَايَةٌ. وَذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي نِهَايَتِهِ فِي بَابِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ مَا نَصُّهُ، وَفِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ «ذَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا» يُرِيدُ طَهَارَتَهَا مِنْ النَّجَاسَةِ. اهـ. وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ عَلَى طَهَارَةِ الْأَرْضِ بِالْجَفَافِ لَكِنَّهُمْ رَفَعُوهُ، وَقَدْ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَتْحِ: وَحَدِيثُ «زَكَاةِ الْأَرْضِ يُبْسُهَا» ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَثَرًا عَنْ عَائِشَةَ وَبَعْضُهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي قِلَابَةَ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ جُفُوفُ الْأَرْضِ طُهُورُهَا وَرَفَعَهُ الْمُصَنِّفُ. اهـ. (قَوْلُهُ: عَنْ الْمُمَلِّكِ) بِكَسْرِ اللَّامِ، وَهُوَ الدَّافِعُ. اهـ. ع (قَوْلُهُ: لِلَّهِ تَعَالَى) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ تَمْلِيكٌ. اهـ. ع (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ تَمْلِيكُ الْمَالِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ، وَلَوْ قَالَ تَمْلِيكُ جُزْءٍ مِنْ الْمَالِ لَكَانَ أَحْسَنَ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الزَّكَاةَ يَجِبُ فِيهَا تَمْلِيكُ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْإِيتَاءَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: ٤٣] يَقْتَضِي إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ قِيلَ هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى مُطْلَقِ الْأَمْرِ وَقِيلَ عَلَى التَّرَاخِي؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْعُمُرِ وَقْتُ الْأَدَاءِ وَلِهَذَا لَا يُضْمَنُ بِهَلَاكِ النِّصَابِ بَعْدَ التَّفْرِيطِ. اهـ. قَوْلُهُ: ثُمَّ قِيلَ هُوَ إلَى آخِرِهِ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الدَّعْوَى مَقْبُولَةٌ، وَهِيَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ وَالدَّلِيلُ الْمَقْبُولُ عَلَى غَيْرِ مَقْبُولٍ فَإِنَّ الْمُخْتَارَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ لَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ وَلَا التَّرَاخِيَ بَلْ مُجَرَّدُ طَلَبِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَيَجُوزُ لِلْمُكَلَّفِ كُلٌّ مِنْ التَّرَاخِي وَالْفَوْرِ فِي الِامْتِثَالِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَطْلُبْ مِنْهُ الْفِعْلَ مُقَيَّدًا بِأَحَدِهِمَا فَيَبْقَى عَلَى خِيَارِهِ فِي الْمُبَاحِ الْأَصْلِيِّ، وَالْوَجْهُ الْمُخْتَارُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالصَّرْفِ إلَى الْفَقِيرِ مَعَهُ قَرِينَةُ الْفَوْرِ، وَهِيَ أَنَّهُ لِدَفْعِ حَاجَتِهِ، وَهِيَ مُعَجَّلَةٌ فَمَتَى لَمْ تَجِبْ عَلَى الْفَوْرِ لَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ مِنْ الْإِيجَابِ عَلَى وَجْهِ التَّمَامِ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ: وُجُوبُ الزَّكَاةِ عَلَى التَّرَاخِي لِمَا قُلْنَا إنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ لَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ فَيَجُوزُ لِلْمُكَلَّفِ تَأْخِيرُهُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ مُطْلَقُ الْأَمْرِ لِلتَّرَاخِي لَا أَنَّهُمْ يَعْنُونَ إلَى التَّرَاخِي مُقْتَضَاهُ قُلْنَا إنْ لَمْ يَقْتَضِهِ فَالْمَعْنَى الَّذِي عَيَّنَّاهُ يَقْتَضِيهِ، وَهُوَ ظَنِّيٌّ فَتَكُونُ الزَّكَاةُ فَرِيضَةً، وَفَوْرِيَّتُهَا وَاجِبَةٌ فَيَلْزَمُ بِتَأْخِيرِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ الْإِثْمُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْكَرْخِيُّ وَالْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْمُنْتَقَى، وَهُوَ عَيْنُ مَا ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَإِنَّ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ هِيَ الْمَحَلُّ عِنْدَ إطْلَاقِ اسْمِهَا عَنْهُمْ وَلِذَا رَدُّوا شَهَادَتَهُ إذَا تَعَلَّقَتْ بِتَرْكِ شَيْءٍ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ وَاجِبًا؛ لِأَنَّهُمَا فِي رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى مَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ وَكَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِتَأْخِيرِهِمَا حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْوَاجِبِ مُفَسِّقٌ، وَإِذَا أَتَى بِهِ وَقَعَ أَدَاءً؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ لَمْ يُوَقِّتْهُ بَلْ سَاكِتٌ عَنْهُ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِتَأْخِيرِ الزَّكَاةِ لَا الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَالزَّكَاةُ حَقُّ الْفُقَرَاءِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ عَكْسُهُ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ الثَّلَاثَةِ وُجُوبُ الْفَوْرِيَّةِ عَنْ الثَّلَاثَةِ.

وَالْحَقُّ تَعْمِيمُ رَدِّ شَهَادَتِهِ؛ لِأَنَّ رَدَّهَا مَنُوطٌ بِالْأَثَرِ، وَقَدْ تَحَقَّقَ فِي الْحَجِّ أَيْضًا مَا يُوجِبُ الْفَوْرَ مِمَّا هُوَ غَيْرُ الصِّيغَةِ عَلَى مَا يُذْكَرُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَمَا ذَكَرَ ابْنُ شُجَاعٍ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الزَّكَاةَ عَلَى التَّرَاخِي يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّظَرِ إلَى دَلِيلِ الِافْتِرَاسِ أَيْ دَلِيلِ الِافْتِرَاضِ لَا يُوجِبُهَا، وَهُوَ لَا يَنْفِي وُجُودَ دَلِيلِ الْإِيجَابِ، وَعَلَى هَذَا مَا ذَكَرُوا مِنْ أَنَّهُ إذَا شَكَّ هَلْ زَكَّى أَوْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَكَّ أَنَّهُ صَلَّى أَمْ لَا بَعْدَ الْوَقْتِ لَا يُعِيدُ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الزَّكَاةِ الْعُمْرُ فَالشَّكُّ حِينَئِذٍ فِيهَا كَالشَّكِّ فِي الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ وَالشَّكُّ فِي الْحَجِّ مِثْلُهُ فِي الزَّكَاةِ، هَذَا وَلَا يَخْفَى عَلَى مَنْ أَمْعَنَ التَّأَمُّلَ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي قَدَّمْنَاهُ لَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ لِجَوَازِ أَنْ يَثْبُتَ دَفْعُ الْحَاجَةِ مَعَ دَفْعِ كُلِّ مُكَلَّفٍ مُتَرَاخِيً

<<  <  ج: ص:  >  >>