للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ، وَجَعْلُهُ عُرْضَةً لِلْهَلَاكِ، وَيَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ لِلْبَائِعِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ وَهَبَ مُحْرِمٌ صَيْدًا مِنْ مُحْرِمٍ فَهَلَكَ عِنْدَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ جَزَاءَانِ ضَمَانٌ لِصَاحِبِهِ لِفَسَادِ الْهِبَةِ، وَجَزَاءٌ حَقًّا لِلَّهِ - تَعَالَى، وَإِنْ أَكَلَهُ فَعَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَجْزِيَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عِنْدَهُ بِالْأَكْلِ الْجَزَاءُ عَلَى مَا مَرَّ، وَلَوْ وَقَعَ الْبَيْعُ بَيْنَ الْحَلَالَيْنِ ثُمَّ أَحْرَمَا أَوْ أَحْرَمَ أَحَدُهُمَا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ لَكِنْ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ، وَلَوْ غَصَبَ مُحْرِمٌ مِنْ مُحْرِمٍ صَيْدًا فَرَدَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِمَا الْجَزَاءُ لِتَعَدِّيهِمَا بِالتَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ، وَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتَانِ قِيمَةٌ لِمَالِكِهِ وَقِيمَةٌ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَيَجِبُ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى صَاحِبِهِ فَإِنْ أَرْسَلَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ لِصَاحِبِهِ وَبَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ لِحَقِّ الشَّرْعِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَخْرَجَ ظَبْيَةَ الْحَرَمِ فَوَلَدَتْ وَمَاتَا ضَمِنَهُمَا) أَيْ الْوَلَدَ وَالْأُمَّ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْحَرَمِ مُسْتَحَقُّ الْأَمْنِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ إلَى مَأْمَنِهِ، وَهُوَ الْحَرَمُ وَهَذِهِ الصِّفَةُ شَرْعِيَّةٌ فَتَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَسَائِرِ الصِّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ كَالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ فَيَضْمَنُ الْوَلَدَ كَالْأُمِّ فَإِنْ قِيلَ: يُشْكِلُ عَلَى هَذَا وَلَدُ الْمَغْصُوبِ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ، قُلْنَا: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْوَلَدَ فِي الظَّبْيَةِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ طَالِبٌ لِلرَّدِّ فِي كُلِّ سَاعَةٍ، فَإِذَا لَمْ يَرُدَّهُ حَتَّى هَلَكَ تَحَقَّقَ الْهَلَاكُ بَعْدَ الْمَنْعِ بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يَطْلُبْهُ حَتَّى لَوْ طَلَبَ وَمَنَعَهُ يَضْمَنُ فَعَلَى هَذَا لَوْ هَلَكَ وَلَدُ الظَّبْيَةِ قَبْلَ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ الرَّدِّ لَا يَضْمَنُ كَمَا فِي وَلَدِ الْمَغْصُوبِ، وَالثَّانِي مِنْ الْفَرْقِ: أَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ إزَالَةُ الْأَمْنِ وَقَدْ وُجِدَ فِي الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا يَحْدُثُ يَحْدُثُ مُسْتَحَقًّا لِلْأَمْنِ وَقَدْ أَثْبَتَ فِيهِ الْخَوْفَ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ فَيَضْمَنُ، وَفِي الْمَغْصُوبِ سَبَبُ الضَّمَانِ إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ، وَلَمْ تُوجَدْ فَافْتَرَقَا، وَعَلَى هَذَا يَضْمَنُ وَلَدَ الظَّبْيَةِ كَيْفَمَا كَانَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَدَّى جَزَاءَهُ فَوَلَدَتْ لَا يَضْمَنُ الْوَلَدَ)؛ لِأَنَّهُ صَيْدٌ حَلَّ، وَقَدْ انْعَدَمَ أَثَرُ فِعْلِهِ بِالتَّكْفِيرِ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ بَدَلُ الصَّيْدِ فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْعَيْنِ فَلَمْ يُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ الْأَمْنُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ وُصُولَ بَدَلِهِ كَوُصُولِ نَفْسِهِ وَكَذَا كُلُّ زِيَادَةٍ فِيهَا مِنْ سِمَنٍ أَوْ شَعْرٍ إنْ كَانَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ لَا يَضْمَنُهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ يَضْمَنُهَا، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ: لَا يَضْمَنُ بَعْدَ التَّكْفِيرِ الزِّيَادَةَ، وَيَضْمَنُ الْأَصْلَ، وَلَوْ ذَبَحَ الْأُمَّ أَوْ الْأَوْلَادَ يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ صَيْدُ الْحِلِّ لِلْحَلَالِ، وَيُكْرَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

{بَابٌ: مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ}

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: فَتَسَرَّى إلَى الْوَلَدِ) أَيْ عِنْدَ حُدُوثِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: كَسَائِرِ الصِّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ) أَيْ فَيَصِيرُ خِطَابُ رَدِّ الْوَلَدِ مُسْتَمِرًّا، وَإِذَا تَعَلَّقَ خِطَابُ الرَّدِّ كَانَ الْإِمْسَاكُ تَعَرُّضًا لَهُ مَمْنُوعًا، فَإِذَا اتَّصَلَ الْمَوْتُ بِهِ ثَبَتَ الضَّمَانُ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ لَوْ هَلَكَ وَلَدُ الظَّبْيَةِ إلَخْ) عَلَى هَذَا أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا قَالَهُ الشَّارِحُ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْغَصْبِ وَزَوَائِدُ الْغَصْبِ مَضْمُونَةٌ فَرَاجِعْهُ اهـ (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ لَا يَضْمَنُهَا وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ يَضْمَنُهَا) كَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَصَوَابُهُ إنْ كَانَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ يَضْمَنُهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَا يَضْمَنُهَا فَتَأَمَّلْ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ التَّكْفِيرَ أَعْنِي أَدَاءَ الْجَزَاءِ إنْ كَانَ حَالَ الْقُدْرَةِ عَلَى إعَادَةِ أَمْنِهَا بِالرَّدِّ إلَى الْمَأْمَنِ لَا يَقَعُ كَفَّارَةً، وَلَا يَحِلُّ بَعْدَهُ التَّعَرُّضُ لَهَا بَلْ حُرْمَةُ التَّعَرُّضِ لَهَا قَائِمَةٌ، وَإِنْ كَانَ حَالَ الْعَجْزِ عَنْهُ بِأَنْ هَرَبَتْ فِي الْحِلِّ عِنْدَمَا أَخْرَجَهَا إلَيْهِ خَرَجَ بِهِ عَنْ عُهْدَتِهَا، فَلَا يَضْمَنُ مَا يَحْدُثُ بَعْدَ التَّكْفِيرِ مِنْ أَوْلَادِهَا إذَا مُتْنَ، وَلَهُ أَنْ يَصْطَادَهَا، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُتَوَجِّهَ قَبْلَ الْعَجْزِ عَنْ تَأْمِينِهَا إنَّمَا هُوَ خِطَابُ الرَّدِّ إلَى الْمَأْمَنِ، وَلَا يَزَالُ مُتَوَجِّهًا مَا كَانَ قَادِرًا؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْأَمْنِ إنَّمَا هُوَ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ مَا لَمْ يَعْجِزْ، وَلَمْ يُوجَدْ فَإِذَا عَجَزَ تَوَجَّهَ خِطَابُ الْجَزَاءِ، وَقَدْ صَرَّحَ هُوَ بِأَنَّ الْأَخْذَ لَيْسَ سَبَبًا لِلضَّمَانِ بَلْ الْقَتْلُ بِالنَّصِّ فَالتَّكْفِيرُ قَبْلَهُ وَاقِعٌ قَبْلَ السَّبَبِ فَلَا يَقَعُ إلَّا نَفْلًا، فَإِذَا مَاتَتْ بَعْدَ أَدَاءِ هَذَا الْجَزَاءِ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ تَعَيَّنَ خِطَابُ الْجَزَاءِ، هَذَا الَّذِي أَدِينُ بِهِ وَأَقُولُ: يُكْرَهُ اصْطِيَادُهَا إذَا أَدَّى الْجَزَاءَ بَعْدَ الْهَرَبِ ثُمَّ ظَفِرَ بِهَا لِشُبْهَةِ كَوْنِ دَوَامِ الْعَجْزِ شَرْطَ إجْزَاءِ الْكَفَّارَةِ إلَّا إذَا اصْطَادَهَا لِيَرُدَّهَا إلَى الْحَرَمِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ ذَبَحَ الْأُمَّ، أَوْ الْأَوْلَادَ يَحِلُّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فِي الْغَصْبِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَوَلَدُ الْمَغْصُوبِ إلَخْ فَإِنْ قِيلَ: تَفْوِيتُ الْأَمْنِ فِي حَقِّ صَيْدِ الْحَرَمِ سَبَبٌ صَالِحٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ لَا فِي حَقِّ كُلِّ الصُّيُودِ، وَالْوَلَدُ لَيْسَ بِصَيْدِ الْحَرَمِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَحِلُّ بَيْعُهُ، وَيَحِلُّ أَكْلُهُ، فَلَوْ كَانَ صَيْدُ الْحَرَمِ لَمَا حَلَّ أَكْلُهُ وَبَيْعُهُ وَلِأَنَّ تَفْوِيتَ الْأَمْنِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْأَمْنِ، وَلَمْ يُوجَدْ ثُبُوتُ الْأَمْنِ فِي حَقِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ كَمَا حَدَثَ حَدَثَ خَائِفًا فَلَا يُتَصَوَّرُ تَفْوِيتُ الْأَمْنِ فِي حَقِّ الْخَائِفِ، قُلْنَا: الْوَلَدُ لَمْ يَكُنْ صَيْدَ الْحَرَمِ مِنْ وَجْهٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجِبُ إرْسَالُهُ إلَى الْحَرَمِ وَقَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُهُ، قُلْنَا: نَعَمْ يَحِلُّ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ صَيْدَ الْحَرَمِ يَحِلُّ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ صَيْدُ الْحَرَمِ يُكْرَهُ، وَالثَّابِتُ مِنْ وَجْهٍ يُلْحَقُ بِالثَّابِتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ احْتِيَاطًا فِي بَابِ الْحُرُمَاتِ، وَقَوْلُهُ: فَإِنَّهُ حَدَثَ خَائِفًا قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَكِنَّ مُسْتَحِقَّ الْأَمْنِ، وَالْمُسْتَحِقُّ لِلْأَمْنِ كَالْآمَنِ حُكْمًا، وَهُوَ لَمَّا أَثْبَتَ يَدَهُ عَلَى الْوَلَدِ فَقَدْ فَوَّتَ الْأَمْنَ حُكْمًا، وَتَفْوِيتُ الْأَمْنِ حُكْمًا سَبَبٌ صَالِحٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ. اهـ.

[بَابٌ مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ]

قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَصَلَ هَذَا الْبَابَ بِمَا تَقَدَّمَ لِمُنَاسِبَةٍ بَيْنَهُمَا فِي مَعْنَى الْجِنَايَةِ إلَّا أَنَّ مُجَاوَزَةَ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ جِنَايَةٌ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، وَمَا مَضَى جِنَايَةٌ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَمُطْلَقُ اسْمِ الْجِنَايَةِ فِي بَابِ الْحَجِّ يَنْطَلِقُ عَلَى مَا كَانَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَكَانَ كَامِلًا فَقَدَّمَ ذَاكَ عَلَى هَذَا لِهَذَا اهـ قَالَ الْكَمَالُ: ثُمَّ تَحْقِيقُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْجِنَايَةُ أَمْرَانِ: الْبَيْتُ وَالْإِحْرَامُ لَا الْمِيقَاتُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَجِبْ الْإِحْرَامُ مِنْهُ إلَّا لِتَعْظِيمِ غَيْرِهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ أَوْجَبَ تَعْظِيمَ الْبَيْتِ بِالْإِحْرَامِ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي عَيَّنَهُ فَإِذَا لَمْ يُحْرِمْ مِنْهُ كَانَ مُخِلًّا بِتَعْظِيمِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَوْجَبَهُ فَيَكُونُ جِنَايَةً عَلَى الْبَيْتِ وَنَقْصًا فِي الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ أَنْ يُنْشِئَهُ مِنْ الْمَكَانِ الْأَقْصَى فَلَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ أَوْجَدَهُ نَاقِصًا اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>