للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَخِدْمَةِ عَبْدٍ اُسْتُؤْجِرَ لِلْخِدْمَةِ) يَعْنِي لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالْحَمْلِ فِيمَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً مُعَيَّنَةً لِلْحَمْلِ عَلَيْهَا وَلَا بِالْخِدْمَةِ فِيمَا إذَا اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى التَّسْلِيمِ، وَهُنَا لَا يَقْدِرُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ الْحَمْلَ عَلَى دَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَالْكَفِيلُ لَوْ أَعْطَى دَابَّةً مِنْ عِنْدِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِغَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُؤَجِّرَ لَوْ حَمَلَهُ عَلَى دَابَّةٍ أُخْرَى لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ فَصَارَ عَاجِزًا ضَرُورَةً، وَكَذَا الْعَبْدُ لِلْخِدْمَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَى الْمُؤَجِّرِ الْحَمْلُ، وَالْكَفِيلُ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى دَابَّةِ نَفْسِهِ وَلَوْ تَكَفَّلَ بِتَسْلِيمِ الدَّابَّةِ فِيمَا إذَا كَانَتْ مُعَيَّنَةً جَازَ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَبِيعِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِلَا قَبُولُ الطَّالِبِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ) يَعْنِي لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِلَا قَبُولِ الْمَكْفُولِ لَهُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَصِحُّ، وَالْخِلَافُ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ سَوَاءٌ وَقِيلَ: عِنْدَهُ يَشْتَرِطُ الْقَبُولَ لَكِنَّهُ لَا يَشْتَرِطَ فِي الْمَجْلِسِ، بَلْ إذَا بَلَغَهُ بَعْدَ الْقِيَامِ مِنْ الْمَجْلِسِ فَأَجَازَ جَازَ ذَكَرَ قَوْلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ فِي مَوْضِعَيْنِ فَشَرَطَ الْإِجَازَةَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْكَفَالَةَ الْتِزَامُ مُطَالَبَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجِبَ بِمُقَابَلَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ شَيْءٌ فَيَصِحُّ كَالْإِقْرَارِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفُ الْتِزَامٍ فِي ذِمَّتِهِ وَلَهُ عَلَيْهَا وِلَايَةٌ وَلَا ضَرَرَ عَلَى الطَّالِبِ فِيهِ فَيَتِمُّ بِهِ وَحْدَهُ كَالنَّذْرِ وَجْهُ قَوْلِهِ الثَّانِي أَنَّهُ تَصَرُّفٌ لِلْغَيْرِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَاهُ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَعِبَارَةُ الْوَاحِدِ عِنْدَهُ تَقُومُ مَقَامَ عِبَارَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ فُضُولِيًّا كَمَا فِي نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ عِنْدَ الْإِذْنِ بِعِبَارَةٍ وَاحِدَةٍ فَكَذَا عِنْدَ عَدَمِ الْإِذْنِ، وَإِنَّمَا تَأْثِيرُ الْإِذْنِ عِنْدَهُ فِي اللُّزُومِ دُونَ الِانْعِقَادِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ لَمَّا كَانَ يَنْعَقِدُ عِنْدَ الْإِذْنِ بِعِبَارَتَيْنِ كَانَ كَذَلِكَ فِي الْفُضُولِيِّ وَلَهُمَا أَنَّهُ عَقْدُ تَمْلِيكٍ فَشَرْطُهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَلِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ عَلَى الطَّالِبِ بِالِالْتِزَامِ، وَإِنْشَاءُ سَبَبِ التَّبَرُّعِ لَا يَتِمُّ بِالْمُتَبَرِّعِ مَا لَمْ يَقْبَلْهُ الْمُتَبَرَّعُ عَلَيْهِ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ عِبَارَتِهِ قَائِمَةً مَقَامَ عِبَارَتَيْنِ حَتَّى يَكُونَ كَقَبُولِ الْآخَرِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ فَتَعَيَّنَ الْإِلْغَاءُ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ضَرَرًا عَلَيْهِ بِأَنْ يُرَافِعَهُ الْأَصِيلُ إلَى مَنْ يَرَى بَرَاءَتَهُ مِنْ الْقُضَاةِ بِالْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ مُخْتَلِفُونَ فِيهَا فَيَعُودُ ضَرَرٌ عَلَيْهِ، فَلَا تَصِحُّ بِدُونِ قَبُولِهِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَقْدٍ وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ شَيْءٍ وَاقِعٍ فَيُقْبَلُ مِنْهُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ إذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ إضْرَارًا بِأَحَدٍ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنْ تَكَفَّلَ وَارِثُ الْمَرِيضِ عَنْهُ) يَعْنِي لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ إلَّا بِقَبُولِ الْمَكْفُولِ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ عِنْدَهُمَا إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ أَنْ يَقُولَ الْمَرِيضُ لِوَرَثَتِهِ، أَوْ لِبَعْضِهِمْ تَكَفَّلُوا عَنِّي بِمَا عَلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ لِغُرَمَائِي فَتَكَفَّلُوا عَنْهُ مَعَ غَيْبَةِ الْغُرَمَاءِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ يَأْبَاهُ عَلَى قَوْلِهِمَا؛ إذْ لَا يَتِمُّ إلَّا بِقَبُولِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ وَصِيَّةٌ مِنْهُ لِوَرَثَتِهِ بِأَنْ يَقْضُوا دَيْنَهُ وَلِهَذَا يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْمَرِيضُ الدَّيْنَ وَغُرَمَاءَهُ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ وَلِهَذَا قَالُوا لَا تَصِحُّ إذَا لَمْ يُخْلِفْ مَالًا وَلِأَنَّ الْمَرِيضَ فِي هَذَا الْخِطَابِ قَائِمٌ مَقَامَ الطَّالِبِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ تَفْرِيغًا لِذِمَّتِهِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ تَرِكَتِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَلَّقَ فِيهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ بِمَالِهِ صَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْ مَالِهِ حَتَّى لَا تَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ فِيهِ وَتَوَجَّهَتْ الْمُطَالَبَةُ عَلَى الْوَرَثَةِ بِقَضَاءِ دُيُونِهِ مِنْ التَّرِكَةِ فَقَامَ الْمَطْلُوبُ فِي هَذَا الْخِطَابِ مَقَامَ الطَّالِبِ أَوْ نَائِبِهِ كَأَنَّ الطَّالِبَ قَالَ اضْمَنْ عَنْ فُلَانٍ، أَوْ كَأَنَّهُ حَضَرَ وَقَبِلَ.

وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِمُجَرَّدِ الطَّلَبِ وَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَكَفَّلُوا عَنَى لَا يُرَادُ بِهِ الْمُسَاوَمَةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ تَحْقِيقُ الْكَفَالَةِ فَصَارَ كَالْأَمْرِ بِالنِّكَاحِ وَفِيمَا إذَا قَالَ الْمَرِيضُ ذَلِكَ لِأَجْنَبِيٍّ فَضَمِنَ الْأَجْنَبِيُّ بِالْتِمَاسِهِ فَقِيلَ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ غَيْرُ مُطَالَبٍ بِدَيْنِهِ بِدُونِ الِالْتِزَامِ فَكَانَ الْمَرِيضُ فِي حَقِّهِ وَالصَّحِيحُ سَوَاءً وَقِيلَ: يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ قَصَدَ بِهِ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ، وَالْأَجْنَبِيُّ إذَا قَضَى دَيْنَهُ بِأَمْرِهِ يَرْجِعُ بِهِ فِي تَرِكَتِهِ فَيَصِحُّ هَذَا مِنْ الْمَرِيضِ عَلَى أَنْ يُجْعَلَ قَائِمًا مَقَامَ الطَّالِبِ لِتَضَيُّقِ الْحَالِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ عَلَى شَرَفِ الْهَلَاكِ وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يُوجَدُ مِنْ الصَّحِيحِ فَيُؤْخَذُ فِيهِ بِالْقِيَاسِ.

[الْكِفَالَة عَنْ مَيِّت مُفْلِس]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَنْ مَيِّتٍ مُفْلِسٍ) يَعْنِي لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ عَنْ مَيِّتٍ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا وَعَلَيْهِ دُيُونٌ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أُتِيَ بِجِنَازَةِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَسَأَلَ هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَالُوا نَعَمْ دِرْهَمَانِ، أَوْ دِينَارَانِ فَامْتَنَعَ مِنْ الصَّلَاةِ فَقَالَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الْأَصِيلِ وَهُوَ مِمَّا تَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ فَلَوْ هَلَكَ الْمُسْتَأْجِرُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْكَفِيلِ شَيْءٌ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ انْفَسَخَتْ وَخَرَجَ الْأَصِيلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُطَالَبًا بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ رَدُّ الْأَجْرِ وَالْكَفِيلُ مَا كَفَلَ بِالْأَجْرِ اهـ.

وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَحَمْلِ دَابَّةٍ مَا نَصُّهُ بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِحَدٍّ وَقِصَاصٍ أَيْ بَطَلَ الْكَفَالَةُ بِحَمْلِ دَابَّةٍ اهـ.

عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَخِدْمَةِ عَبْدٍ) بِالْجَرِّ أَيْضًا عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَحَمْلِ دَابَّةٍ أَيْ وَبَطَلَ الْكَفَالَةُ أَيْضًا بِخِدْمَةِ عَبْدٍ اهـ (فَرْعٌ) قَالَ قَاضِي خَانْ رَجُلٌ قَالَ لِجَمَاعَةٍ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ ضَمِنْت لِهَذَا الرَّجُلِ بِالْأَلْفِ الَّتِي لَهُ عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ إنَّ الْمَدْيُونَ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ قَدْ قَضَاهُ قَبْلَ أَنْ يَضْمَنَهُ الْكَفِيلُ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَيَبْرَأُ الْمَطْلُوبُ عَنْ دَيْنِ الطَّالِبِ وَلَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ عَنْ دَيْنِ الطَّالِبِ لِأَنَّ قَوْلَ الْكَفِيلِ ذَلِكَ كَانَ إقْرَارًا بِالدَّيْنِ عِنْدَ الْكَفَالَةِ، فَلَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ وَلَوْ أَقَامَ الْمَدْيُونُ بَيِّنَةً عَلَى الْقَضَاءِ بَعْدَ الْكَفَالَةِ بَرِئَ الْكَفِيلُ وَالْمَدْيُونُ جَمِيعًا (قَوْلُهُ وَلَوْ تَكَفَّلَ بِتَسْلِيمِ الدَّابَّةِ إلَخْ) قَالَ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَجُلٌ كَفَلَ عَلَى رَجُلٍ بِمَالٍ وَالطَّالِبُ غَائِبٌ وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ حَاضِرٌ فَأَجَازَ الْغَائِبُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَتَصِحُّ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ كَانَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ غَائِبًا وَالطَّالِبُ حَاضِرٌ فَأَجَازَ الطَّالِبُ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>