للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْقِتَالِ فَيَخَافُونَهُ فَيَكُونُ أَهْلًا لِلْأَمَانِ كَالْمَأْذُونِ لَهُ فِي الْقِتَالِ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِذْنَ تَأْثِيرُهُ فِي دَفْعِ الْمَانِعِ لَا فِي إثْبَاتِ الْأَهْلِيَّةِ لِمَنْ لَيْسَ بِأَهْلٍ وَأَهْلِيَّةُ هَذَا التَّصَرُّفِ بِالْإِيمَانِ وَالِامْتِنَاعِ وَلِهَذَا لَوْ عَقَدَ مَعَهُمْ عَقْدَ الذِّمَّةِ جَازَ لِمَا قُلْنَا فَكَذَا هَذَا بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ لِلتَّأْبِيدِ فَيُمْكِنُ نَقْضُهُ عِنْدَ ظُهُورِ الْخَلَلِ فِيهِ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْقِتَالَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْطِيلِ مَصَالِحِهِ عَلَى الْمَوْلَى وَلَا تَعْطِيلَ فِي الْكَلَامِ الْمُجَرَّدِ بَلْ فِيهِ نَفْعٌ يَعُودُ إلَى الْمَوْلَى وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إذْ الْكَلَامُ فِيهِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْأَمَانَ جِهَادٌ مَعْنًى عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ عَنْهُ فَيَكُونُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ عَنْ الْأَمَانِ بِالضَّرُورَةِ يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْأَمَانَ إزَالَةُ الْخَوْفِ وَمَنْ لَمْ يُبَاشِرْ الْقِتَالَ لَا يَخَافُونَهُ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَمَانُهُ وَلِأَنَّهُ نَوْعُ جِهَادٍ فَلَا يَعْمَلُهُ إلَّا مَنْ يُبَاشِرُهُ فَيُخْطِئُ ظَاهِرًا فَيُمْنَعُ كَيْ لَا يَنْسَدَّ عَلَيْهِمْ بَابُ الْفَتْحِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ بِالْقِتَالِ لِأَنَّهُ عَالِمٌ بِوُجُوهِ الْقِتَالِ وَيَخَافُونَهُ لِمُبَاشَرَتِهِ الْقِتَالَ وَبِخِلَافِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ بِمَالِهَا وَكَذَا بِنَفْسِهَا حَتَّى تَخْرُجَ لِتَعْمَلَ عَمَلًا يَلِيقُ بِحَالِهَا وَذَلِكَ جِهَادٌ مِنْهَا فَيَحْصُلُ الْخَوْفُ مِنْهَا وَبِخِلَافِ عَقْدِ الذِّمَّةِ لِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ الْإِسْلَامِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّعْوَةِ إلَيْهِ وَلِأَنَّهُ مُقَابَلٌ بِالْجِزْيَةِ فَيَكُونُ نَفْعُهُ ظَاهِرًا وَلِأَنَّهُ فَرْضٌ عَلَيْهِمْ عِنْدَ طَلَبِهِمْ ذَلِكَ وَإِسْقَاطُ الْفَرْضِ نَفْعٌ مَحْضٌ فَافْتَرَقَا وَلَوْ أَمَّنَّ صَبِيٌّ لَا يَعْقِلُ لَا يَصِحُّ كَالْجُنُونِ وَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فَعَلَى الْخِلَافِ وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْقِتَالِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ وَمُخْتَلِطُ الْعَقْلِ الَّذِي يَعْقِلُ الْإِسْلَامَ وَيَصِفُهُ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ فِيمَا ذَكَرْنَا

[بَابُ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتِهَا]

(بَابُ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتِهَا) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَا فَتَحَ الْإِمَامُ عَنْوَةً قَسَّمَ بَيْنَنَا أَوْ أَقَرَّ أَهْلَهَا وَوَضَعَ الْجِزْيَةَ وَالْخَرَاجَ) يَعْنِي إذَا فَتَحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً قَهْرًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَسَمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ يَعْنِي بَعْدَ إخْرَاجِ الْخُمُسِ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَيْبَرَ وَإِنْ شَاءَ أَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا وَوَضَعَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ وَعَلَى أَرَاضِيهمْ الْخَرَاجَ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِسَوَادِ الْعِرَاقِ بِمُوَافَقَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - وَلَمْ يَجِدْ مَنْ خَالَفَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَمَّا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا أَنْ أَتْرُكَ آخِرَ النَّاسِ بَيَانًا لَيْسَ لَهُمْ مِنْ شَيْءٍ مَا فَتَحْتُ عَلَى قَرْيَةٍ إلَّا قَسَمْتهَا كَمَا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ وَلَكِنِّي أَتْرُكُهَا خِزَانَةً لَهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقِيلَ الْأَوْلَى هُوَ الْأَوَّلُ عِنْدَ حَاجَةِ الْغَانِمِينَ وَالثَّانِي عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ لِتَكُونَ عُدَّةً لِلنَّوَائِبِ وَهَذَا فِي الْعَقَارِ وَأَمَّا الْمَنْقُولُ وَحْدَهُ فَلَا يَجُوزُ الْمَنُّ بِهِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ الشَّرْعُ وَلِأَنَّهُ يَدُومُ بَلْ يَنْقَطِعُ وَالْجَوَازُ بِاعْتِبَارِ الدَّوَامِ نَظَرًا لَهُمْ وَلِمَنْ يَجِيءُ بَعْدَهُمْ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بِالرِّقَابِ وَحْدَهُ بِدُونِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ وَالْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ تَبَعًا لِلْأَرَاضِيِ كَيْ لَا يَشْتَغِلُوا بِالزِّرَاعَةِ عَنْ الْجِهَادِ.

ثُمَّ إذَا مَنَّ عَلَيْهِمْ بِالرِّقَابِ وَالْأَرَاضِي يَدْفَعُ إلَيْهِمْ مِنْ الْمَنْقُولِ قَدْرَ مَا يَتَهَيَّأُ لَهُمْ بِهِ الْعَمَلُ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَرَكَ لَهُمْ ذَلِكَ وَهُوَ الْقُدْوَةُ فِي الْبَابِ وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ بِالزِّرَاعَةِ وَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الزِّرَاعَةِ إلَّا بِآلَتِهَا فَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُكَلِّفَهُمْ بِهَا بِدُونِ الْآلَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ الْمَنُّ عَلَيْهِمْ بِالْأَرَاضِيِ بَلْ يَقْسِمُهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا بِالِاسْتِيلَاءِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ كَمَنْ) فِي خَطِّ الشَّارِحِ بِالْكَافِ وَصَوَابُهُ كَمَا فِي الْكَافِي بِاللَّامِ اهـ

(بَابُ الْغَنَائِمِ وَقِسْمَتُهَا) إنَّمَا ذَكَرَ الْغَنَائِمَ بَعْدَ ذِكْرِ الْأَمَانِ لِأَنَّ الْإِمَامَ إذَا حَاصَرَ الْكُفَّارَ إمَّا أَنْ يُؤَمِّنَهُمْ وَإِمَّا أَنْ يَقْتُلَهُمْ وَيَغْنَمَ أَمْوَالَهُمْ فَكَانَتْ الْغَنِيمَةُ وَقِسْمَتُهَا أَحَدَ مَا يَخْتَارُهُ الْإِمَامُ ثُمَّ الْغَنِيمَةُ اسْمٌ لِمَالٍ مَأْخُوذٍ مِنْ الْكَفَرَةِ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ وَالْفَيْءُ مَا أُخِذَ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ كَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ وَفِي الْغَنِيمَةِ خُمُسٌ دُونَ الْفَيْءِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مَا فَتَحَ الْإِمَامُ عَنْوَةً) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا فَتَحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً عَنْوَةً أَيْ قَهْرًا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَوْلُهُ عَنْوَةً أَيْ قَهْرًا لَيْسَ بِتَفْسِيرٍ لَهُ لُغَةً لِأَنَّ الْعَنْوَةَ مِنْ عَنَا يَعْنُو إذَا ذُلَّ وَخَضَعَ إلَّا أَنَّهُ أَرَادَ الْقَهْرَ بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ لِأَنَّ الْقَهْرَ يَسْتَلْزِمُ الذُّلَّ وَذِكْرُ اللَّازِمِ وَإِرَادَةُ الْمَلْزُومِ كِنَايَةٌ اهـ وَقَالَ الْكَمَالُ وَفَسَّرَ الْمُصَنِّفُ الْعَنْوَةَ بِالْقَهْرِ وَهُوَ ضِدُّهُ لِأَنَّهُ مِنْ عَنَا يَعْنُو عَنْوَةً وَعِنْوًا إذَا ذَلَّ وَخَضَعَ وَمِنْهُ {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [طه: ١١١] وَإِنَّمَا الْمَعْنَى فَتَحَ بَلْدَةً حَالَ كَوْنِ أَهْلِهَا ذَوِي عَنْوَةٍ أَيْ ذُلٍّ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ قَهَرَ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ وَفِيهِ وَضْعُ الْمَصْدَرِ مَوْضِعُ الْحَالِ وَهُوَ غَيْرُ مُطَّرِدٍ إلَّا فِي أَلْفَاظٍ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَإِطْلَاقُ اللَّازِمِ وَإِرَادَةُ الْمَلْزُومِ فِي غَيْرِ التَّعَارِيفِ بَلْ ذَلِكَ فِي الْإِخْبَارَاتِ عَلَى أَنْ يُرَادَ مَعْنَى الْمَذْكُورِ لَا الْمَجَازِ لَكِنْ لِيَنْتَقِلَ مِنْهُ إلَى آخَرَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِتِلْكَ الْإِرَادَةِ كَكَثِيرِ الرَّمَادِ وَلَوْ أَرَادَ بِهِ نَفْسَ الْجُودِ كَانَ مَجَازًا مِنْ السَّبَبِ فِي الْمُسَبَّبِ وَالْوَجْهُ أَنَّهُ مَجَازٌ اشْتَهَرَ فَإِنَّ (عَنْوَةً) اُشْتُهِرَ فِي نَفْسِ الْقَهْرِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَجَازَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ نَفْسُهُ تَعْرِيفًا اهـ.

(قَوْلُهُ إنْ شَاءَ قَسَمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ) أَيْ مَعَ رُءُوسِ أَهْلِهَا اسْتِرْقَاقًا وَأَمْوَالَهُمْ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ أَقَرَّ أَهْلَهَا) أَيْ مَنَّ بِهَا عَلَى أَهْلِهَا وَتَرَكَهُمْ أَحْرَارَ الْأَصْلِ ذِمَّةً لِلْمُسْلِمِينَ وَالْأَرَاضِي مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ وَجَعَلَ الْجِزْيَةَ عَلَيْهِمْ وَالْخَرَاجَ عَلَى أَرَاضِيِهِمْ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ خَالَفَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ) مِثْلَ بِلَالٍ وَسَلْمَانَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ بَبَّانَا) الْبَبَّانِ بِمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ مُشَدَّدَةٍ ثُمَّ أَلِفٍ وَنُونٍ أَيْ أَتْرُكُهُمْ شَيْئًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ إذَا قَسَمَ الْبِلَادَ الْمَفْتُوحَةَ عَلَى الْغَانِمِينَ بَقِيَ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ الْغَنِيمَةَ وَمَنْ يَجِيءُ بَعْدُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ شَيْءٍ مِنْهَا فَلِذَلِكَ تَرَكَهَا لِتَكُونَ بَيْنَهُمْ جَمِيعًا. اهـ. نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ قَدْرَ مَا يَتَهَيَّأُ لَهُمْ بِهِ الْعَمَلُ) أَيْ لِيَخْرُجَ عَنْ حَدِّ الْكَرَاهَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ الْمَنُّ عَلَيْهِمْ بِالْأَرَاضِيِ) أَيْ فِي الْمَفْتُوحِ قَهْرًا وَالْمَنُّ بِالْمَنْقُولِ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا بِالِاسْتِيلَاءِ) أَيْ عِنْدَهُ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>