للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُ مُلْكِهِمْ أَوْ حَقِّهِمْ عَنَّا إلَّا بِبَدَلٍ يُعَدُّ لَهُ وَالْخَرَاجُ لَا يُعَدُّ لَهُ لِقِلَّتِهِ بِخِلَافِ الْمَنِّ عَلَى الرِّقَابِ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُمْ بِالْقَتْلِ أَصْلًا فَبِالْعِوَضِ الْقَلِيلِ أَوْلَى وَهَذَا لِأَنَّ الْآدَمِيَّ حُرٌّ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ وَالرِّقُّ عَارِضٌ بِمَشِيئَةِ الْإِمَامِ بَعْدَ الْأَسْرِ فَلَهُ أَنْ يَتْرُكَهُمْ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا عَنْ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَفَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ عَنْوَةً وَمَنَّ بِهَا عَلَى أَهْلِهَا وَلَمْ يَقْسِمْهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَانْطَلَقَا وَمَا يَشَاءُ أَحَدٌ مِنَّا أَنْ يَقْتُلَ مِنْهُمْ مَا شَاءَ إلَّا قَتَلَهُ فَقَالَ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا اشْتَدَّ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ كُلُّ ذَلِكَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَجَارَتْ أُمُّ هَانِئٍ رَجُلًا فَأَرَادَ عَلِيٌّ قَتْلَهُ فَمَنَعَتْهُ فَأَخْبَرَتْ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْت يَا أُمَّ هَانِئٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَوْ كَانَ فَتَحَهَا بِالصُّلْحِ لَحَصَلَ الْأَمَانُ بِذَلِكَ لَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لَهُمْ وَلِمَنْ يَجِيءُ مِنْ بَعْدِهِمْ لِأَنَّهُمْ كَالْأَكَرَةِ الْعَامِلَةِ لَهُمْ الْعَالِمَةِ بِوُجُوهِ الزِّرَاعَةِ وَالْمُؤَنُ مُرْتَفِعَةٌ عَنْهُمْ وَالْخَرَاجُ وَإِنْ قَلَّ فِي الْحَالِ فَهُوَ أَكْثَرُ فِي الْمَآلِ فَالْقَلِيلُ الدَّائِمُ خَيْرٌ مِنْ الْكَثِيرِ الْمُنْقَطِعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(وَقَتَلَ الْأَسْرَى أَوْ اسْتَرَقَّ أَوْ تَرَكَ أَحْرَارًا ذِمَّةٌ لَنَا) مَعْنَاهُ أَنَّ الْإِمَامَ بِالْخِيَارِ فِي الْأَسَارَى إنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ كَمَا قَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَنِي قُرَيْظَةَ فَإِنَّهُ قَتَلَ مُقَاتِلَهُمْ وَاسْتَرَقَّ ذَرَارِيَّهُمْ وَفِيهِ حَسْمُ مَادَّةِ الْفَسَادِ وَإِنْ شَاءَ اسْتَرَقَّهُمْ لِأَنَّ فِيهِ تَوْفِيرَ الْمَنْفَعَةِ لِلْمُسْلِمِينَ مَعَ دَفْعِ شَرِّهِمْ وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِهِ إلَّا مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَالْمُرْتَدِّينَ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُمْ أَحْرَارًا ذِمَّةً لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مَا بَيَّنَّا وَشَرُّهُمْ قَدْ انْدَفَعَ بِذَلِكَ مَعَ تَوْفِيرِ الْمَنْفَعَةِ لَهُمْ لِأَنَّهُ كَالِاسْتِرْقَاقِ إلَّا مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَالْمُرْتَدِّينَ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ لَهُ فِيمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ إلَّا الِاسْتِرْقَاقُ لِأَنَّ قَتْلَهُ أَوْ وَضْعَ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ بَعْدَ إسْلَامِهِ لَا يَجُوزُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَرُمَ رَدُّهُمْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَالْفِدَاءُ وَالْمَنُّ) لِأَنَّ فِي ذَلِكَ كُلُّهُ تَقْوِيَتُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَعَوْدُهُمْ حَرْبًا عَلَيْهِمْ وَدَفْعُ شَرِّهِمْ خَيْرٌ مِنْ إنْقَاذِ الْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِي أَيْدِيهِمْ غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْنَا وَتَقْوِيَتُهُمْ بِدَفْعِ أَسِيرِهِمْ مُضَافٌ إلَيْنَا فَيَحْرُمُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُفَادِيَ بِهِمْ أَسَارَى الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ تَخْلِيصَ الْمُسْلِمِ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَاجِبٌ وَلَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِهِ وَلَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ تَرْكِ قَتْلِ أَسْرَى الْكُفَّارِ وَذَلِكَ جَائِزٌ بِدُونِ هَذَا.

أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَتْرُكَهُ وَيَضَعَ عَلَيْهِ الْجِزْيَةَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَمَنْفَعَةُ تَخْلِيصِ الْمُسْلِمِ أَوْلَى مِنْ اسْتِرْقَاقِهِمْ أَوْ جَعْلِهِمْ ذِمَّةً وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَادَى بِهِمْ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ وَذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ هَذَا هُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ ذَلِكَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لَا بَعْدَهَا لِأَنَّ الثَّابِتَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِدُونِ رِضَاهُ بِعِوَضٍ كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ وَإِنَّمَا الثَّابِتُ فِيهِ حَقُّ الْمِلْكِ فَلَا يُمْنَعُ الْإِمَامُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَلَوْ أَسْلَمَ الْأَسِيرُ لَا يُفَادِي بِهِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ إلَّا إذَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ وَهُوَ مَأْمُونٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا مُفَادَاةٌ بِالْمَالِ فَلَا تَجُوزُ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الْمَالِ وَإِنْ احْتَاجُوا إلَيْهِ جَازَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجُوزُ مُطْلَقًا وَكَذَا مُفَادَاةُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ أَوْ حَقُّهُمْ عَنْهَا) أَيْ عِنْدَنَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَجَارَتْ أُمُّ هَانِئٍ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَأَجَرَتْ أُمُّ هَانِئٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمْ كَالْأَكَرَةِ) جَمْعُ أَكَارٍ وَهُمْ الْفَلَّاحُونَ. اهـ.

(قَوْلُهُ إنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ) أَيْ قَبْلَ إسْلَامِهِمْ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ إلَّا مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَالْمُرْتَدِّينَ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامَ أَوْ السَّيْفَ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُمْ أَحْرَارًا ذِمَّةً لِلْمُسْلِمِينَ) أَيْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرُدَّهُمْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِلْإِمَامِ فِي الرِّقَابِ ثَلَاثَ خِيَارَاتٍ الْقَتْلُ وَالِاسْتِرْقَاقُ وَجَعْلُهُمْ أَهْلُ الذِّمَّةِ عَلَى الْجِزْيَةِ لَكِنَّ الْقَتْلَ إنَّمَا يَجُوزُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَإِذَا أَسْلَمُوا فَلَا قَتْلَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ فِيمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ إلَّا الِاسْتِرْقَاقُ) بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ قَبْلَ الِاسْتِيلَاءِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِرْقَاقُ لِأَنَّهُ صَارَ أَوْلَى النَّاسِ بِنَفْسِهِ قَبْلَ انْعِقَادِ سَبَبِ الْمِلْكِ وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ وَالْأَخْذُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمَنُّ) أَيْ بِأَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ اسْتِرْقَاقٍ وَلَا ذِمَّةٍ وَلَا قَتْلٍ. اهـ. كَيْ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَهُوَ أَنْ يَطْلُبَهُمْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ بِغَيْرِ شَيْءٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا رَأَى الْإِمَامَ ذَلِكَ وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِي أَيْدِيهِمْ) أَيْ وَهُوَ يَتَلَافَى حَقَّهُ فَقَطْ وَالضَّرَرُ بِدَفْعِ أَسِرْهُمْ إلَيْهِمْ يَعُودُ عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يُفَادِي بِهِمْ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ إلَّا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمُفَادَاةُ بِهِنَّ عِنْدَهُمْ وَمَنَعَ أَحْمَدُ الْمُفَادَاةَ بِصِبْيَانِهِمْ اهـ (قَوْله وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ ذَلِكَ) أَيْ الْفِدَاءُ. اهـ. (قَوْلُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لَا بَعْدَهَا) أَيْ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ بِكُلِّ حَالٍ. اهـ. فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ وَأَمَّا الْمُفَادَاةُ بِالْمَالِ) أَيْ بِمَالٍ يَأْخُذُهُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا الْمُفَادَاةُ بِالْمَالِ فَهَلْ تَجُوزُ فَالْمَشْهُورُ عَنْ أَصْحَابِنَا لَا تَجُوزُ كَيْ لَا يَعُودَ حَرْبًا عَلَيْنَا يُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: ٦٨] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ نَزَلَ الْعَذَابُ مَا نَجَا مِنْهُ إلَّا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُشِيرُ بِالْقَتْلِ وَقَالَ تَعَالَى {وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ} [البقرة: ٨٥] فَدَلَّ أَنَّهُ حَرَامٌ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ لِأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَادَى أَسَارَى بَدْرٍ بِمَالٍ أَخَذَهُ» وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ عَجِيبٌ مَعَ نُزُولِ الْآيَةِ بِالْإِنْكَارِ عَلَى الْمُفَادَاةِ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَيُفَادِي أَسَارَى الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَمَا لَيْسَ فِيهِ قُوَّةٌ لِلْحَرْبِ كَالثِّيَابِ وَغَيْرِهَا وَلَا يُفَادِي بِالسِّلَاحِ اهـ (قَوْلُهُ فَلَا تَجُوزُ) أَيْ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اهـ. كَافِي

<<  <  ج: ص:  >  >>