بِالنِّصْفِ كَالْمَكِيلِ، وَإِنَّمَا يُخَيَّرُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ازْدَادَ عَلَيْهِ الثَّمَنُ بِزِيَادَةِ نِصْفِ ذِرَاعٍ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي انْتَقَصَ الثَّوْبُ عَمَّا شُرِطَ فَيُخَيَّرُ كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمَّا قَابَلَ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ صَارَ كُلُّ ذِرَاعٍ كَثَوْبٍ عَلَى حِدَةٍ بِيعَ عَلَى أَنَّهُ ذِرَاعٌ بِدِرْهَمٍ فَإِذَا وَجَدَهُ نَاقِصًا لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ وَصْفٌ وَتَغَيُّرُ الْأَوْصَافِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ، ثُمَّ يُخَيَّرُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ ازْدَادَ الثَّمَنُ عَلَيْهِ فِيمَا إذَا وَجَدَهُ زَائِدًا وَانْتَقَصَ الْمَبِيعُ فِي الْآخَرِ فَلَمْ يَتِمَّ رِضَاهُ بِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الذِّرَاعَ فِيهِ وَصْفٌ فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا أَخَذَ حُكْمَ الْمِقْدَارِ بِالشَّرْطِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالذِّرَاعِ وَبِكَوْنِهِ مُقَابَلًا بِالدَّرَاهِمِ فَعِنْدَ عَدَمِهِمَا عَادَ الْحُكْمُ إلَى الْأَصْلِ، ثُمَّ لَا يُخَيَّرُ فِي فَصْلِ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ مُخَالَفَةٌ إلَى خَيْرٍ وَفِي النُّقْصَانِ يُخَيَّرُ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ قِيلَ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي ثِيَابٍ يَضُرُّهَا الْقَطْعُ أَوْ تَتَفَاوَتُ جَوَانِبُهَا كَالْعَمَائِمِ وَالْقُمْصَانِ وَالْأَقْبِيَةِ، وَأَمَّا الثِّيَابُ الَّتِي لَا تَتَفَاوَتُ جَوَانِبُهَا كَالْبَطَائِنِ وَنَحْوِهَا فَلَا تُسْلَمُ لَهُ الزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ بَيْعُ ذِرَاعٍ مِنْهُ كَبَيْعِ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ إذْ لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ.
(فَصْلٌ) قَالَ (يَدْخُلُ الْبِنَاءُ وَالْمَفَاتِيحُ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَالشَّجَرُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ بِلَا ذِكْرٍ)؛ لِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ لِلْعَرْصَةِ فِي الْأَصْلِ وَفِي الْعُرْفِ يَتَنَاوَلُ الْبِنَاءَ تَبَعًا لِكَوْنِهِ مُتَّصِلًا بِهَا اتِّصَالَ قَرَارٍ، وَكَذَا الشَّجَرُ مُتَّصِلٌ بِالْأَرْضِ لِلْقَرَارِ فَيَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا تَبَعًا لَهَا وَاخْتَلَفُوا فِي شَجَرٍ غَيْرِ مُثْمِرٍ وَفِي شَجَرٍ صَغِيرٍ قِيلَ لَا يَدْخُلَانِ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُثْمِرَةِ تُقْلَعُ لِلْحَطَبِ وَالْخَشَبِ لِيَبْنِيَ عَلَيْهَا وَالصَّغِيرَةُ تُنْقَلُ مِنْ مَكَانِهَا فَصَارَا كَالزَّرْعِ وَقِيلَ يَدْخُلَانِ فِيهِ؛ لِأَنَّ نِهَايَتَهُمَا لَيْسَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
الثَّوْبُ مِنْ الذِّرَاعِ لَمْ يُنْتَقَصْ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فَكَذَا هَذَا لَكِنَّ الْخِيَارَ فِي الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ يَشُوبُهُ مَضَرَّةٌ وَفِي النُّقْصَانِ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الذِّرَاعَ يُعْتَبَرُ وَصْفًا فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا نَأْخُذُ حُكْمَ الْأَصْلِ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ ثُمَّ الشَّرْطُ وُجِدَ فِي الذِّرَاعِ لَا فِيمَا دُونَهَا فَكَانَ الْحُكْمُ فِيمَا دُونَ الذِّرَاعِ بَاقِيًا عَلَى الْأَصْلِ فَكَانَ وَصْفًا وَالْوَصْفُ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ الْخِيَارُ فِي صُورَةِ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ وَالنِّصْفَ بِمَنْزِلَةِ الْعَشَرَةِ الْجَيِّدَةِ فَإِذَا اشْتَرَى شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ مَعِيبٌ فَوَجَدَهُ سَلِيمًا يَأْخُذُهُ بِلَا خِيَارٍ فَكَذَا هُنَا وَفِي صُورَةِ النُّقْصَانِ يَأْخُذُهُ بِتِسْعَةٍ إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ الزَّائِدَ عَلَى التِّسْعَةِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصْفِ فَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ لَكِنْ لَهُ الْخِيَارُ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ وَهُوَ النِّصْفُ النَّاقِصُ عَنْ الْعَشَرَةِ وَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ نَأْخُذُ اهـ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ مِنْ الشَّارِحِينَ مَنْ اخْتَارَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَفِي الذَّخِيرَةِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَصَحُّ وَذَكَرَ حَاصِلَ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لَهُ وَفِي قَوْلِهِ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِهِ ذِرَاعًا إشَارَةٌ إلَى الْجَوَابِ عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَنْقَسِمُ أَجْزَاءُ الدِّرْهَمِ عَلَى أَجْزَاءِ الذِّرَاعِ فَقَالَ هَذَا إذَا كَانَ تَمَامُ الذِّرَاعِ مَوْجُودًا وَالْمَوْجُودُ هُنَا بَعْضُهُ وَبَعْضُهُ لَيْسَ كُلَّهُ فَكَانَ لِلْبَعْضِ مِنْهُ حُكْمُ الْوَصْفِ لِانْعِدَامِ الْمُقَابَلَةِ بِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: قِيلَ هَذَا الِاخْتِلَافُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الزَّاهِدُ الْعَتَّابِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ مَشَايِخُنَا هَذَا فِي الثَّوْبِ الَّذِي يَتَعَيَّبُ بِقَطْعِ بَعْضِهِ كَالْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالْعِمَامَةِ وَنَحْوِهَا فَأَمَّا إذَا كَانَ كِرْبَاسًا لَا يَضُرُّهُ الْقَطْعُ فَاشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ فَوَجَدَهُ إحْدَى عَشَرَةَ لَا تُسْلَمُ لَهُ الزِّيَادَةُ بَلْ تُرَدُّ عَلَى الْبَائِعِ كَمَا فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَعَلَى هَذَا قَالُوا لَوْ بَاعَ ذِرَاعًا مِنْ هَذَا الْكِرْبَاسِ يَجُوزُ كَمَا لَوْ بَاعَ قَفِيزًا مِنْ صُبْرَةٍ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ وَالتَّمْيِيزَ لَا يَضُرُّ بِالْبَاقِي وَلَوْ بَاعَ ذِرَاعًا مِنْ هَذَا الْقَمِيصِ أَوْ مِنْ هَذِهِ الْعِمَامَةِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ يَضُرُّهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ جَذَعًا فِي السَّقْفِ أَوْ حِلْيَةً فِي السَّيْفِ لَا يَجُوزُ لِمَا قُلْنَا كَذَا هُنَا إلَّا إذَا قَطَعَهُ وَسَلَّمَهُ وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بِطَرِيقِ الِابْتِدَاءِ إلَى هُنَا لَفْظُ كِتَابِ الْعَتَّابِيِّ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يُسْلَمُ لَهُ الزِّيَادَةُ) أَيْ لَا يَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي مَا زَادَ عَلَى الْمَشْرُوطِ. اهـ. هِدَايَةٌ.
[فَصْلٌ يَدْخُلُ الْبِنَاءُ وَالْمَفَاتِيحُ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَالشَّجَرُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ]
. (فَصْلٌ) لَمَّا ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا مَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ وَمَا لَا يَنْعَقِدُ مَعَ لَوَاحِقِهِمَا شَرَعَ يُبَيِّنُ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ وَمَا لَا يَدْخُلُ وَاسْتَتْبَعَ مَا يَخْرُجُ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْأَتْقَانِيُّ وَالْكَمَالِ.
(قَوْلُهُ: وَفِي الْعُرْفِ يَتَنَاوَلُ الْبِنَاءَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ فِي الْعُرْفِ يَتَنَاوَلُ الْبِنَاءَ وَالْعَرْصَةَ جَمِيعًا فَيَدْخُلُ الْبِنَاءُ كَالْعَرْصَةِ وَالْمُطْلَقُ مِنْ الْأَلْفَاظِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَفَاهِمِ فِي الْعُرْفِ وَلَا يُفْهَمُ فِي الْعُرْفِ مِنْ بَيْعِ الدَّارِ بَيْعُ عَرْصَتِهَا لَا بِنَاؤُهَا بَلْ بَيْعُهُمَا جَمِيعًا قَالَ الْكَمَالُ وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى دُخُولِ الْبِنَاءِ بِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ يَتَنَاوَلُ الْعَرْصَةَ وَالْبِنَاءَ وَبِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهَا اتِّصَالَ قَرَارٍ وَاسْتُشْكِلَ الْأَوَّلُ بِمَسْأَلَةِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَهَا بَعْدَمَا انْهَدَمَتْ يَحْنَثُ فَلَوْ كَانَ مِنْ مُسَمَّى لَفْظِ الدَّارِ لَمْ يَحْنَثْ وَهَذَا لَوْ أَبْطَلَ التَّعْلِيلَ الْأَوَّلَ لَا يَضُرُّ بِالْمَقْصُودِ مِنْ الْحُكْمِ لِثُبُوتِ الْعِلَّةِ الْأُخْرَى ثُمَّ أُجِيبَ بِأَنَّ الْبِنَاءَ وَصْفٌ فِيهَا وَهُوَ لَغْوٌ فِي الْمُعَيَّنَةِ فَكَأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الدُّخُولِ فِي هَذَا الْمَكَانِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّهُ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الَّتِي تُسَمَّى الْآنَ دَارًا فَلَا يَتَقَيَّدُ الدُّخُولُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِكَوْنِهَا دَارًا وَقْتَ الدُّخُولِ وَتَدْخُلُ الْبِئْرُ الْكَائِنَةُ فِي الدَّارِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا بَكَرَةٌ تَدْخُلُ وَلَا يَدْخُلُ الدَّلْوُ وَالْحَبْلُ الْمُعَلَّقَانِ عَلَيْهَا إلَّا إنْ كَانَ قَالَ بِمَرَافِقِهَا وَيَدْخُلُ الْبُسْتَانُ الَّذِي فِي الدَّارِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الدَّارِ لَا يَدْخُلُ وَإِنْ كَانَ لَهُ بَابٌ فِي الدَّارِ قَالَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: إنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْ الدَّارِ وَمِفْتَحُهُ فِيهَا يَدْخُلُ وَإِنْ كَانَ أَكْبَرَ أَوْ مِثْلَهَا لَا يَدْخُلُ وَقِيلَ إنْ صَغُرَ دَخَلَ وَإِلَّا لَا وَقِيلَ يَحْكُمُ الثَّمَنُ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفُوا فِي شَجَرٍ غَيْرِ مُثْمِرٍ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَمْ يَفْصِلْ مُحَمَّدٌ بَيْنَ الشَّجَرَةِ الْمُثْمِرَةِ وَغَيْرِ الْمُثْمِرَةِ وَلَا بَيْنَ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ فَكَانَ الْحَقُّ دُخُولَ الْكُلِّ ثُمَّ قَالَ نَعَمْ الشَّجَرَةُ الْيَابِسَةُ لَا تَدْخُلُ؛ لِأَنَّهَا عَلَى شَرَفِ الْقَطْعِ فَهِيَ كَحَطَبٍ مَوْضُوعٍ فِيهَا اهـ