(كِتَابُ الْإِقْرَارِ) وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: الْإِثْبَاتُ يُقَالُ قَرَّ الشَّيْءُ إذَا ثَبَتَ وَأَقَرَّهُ غَيْرُهُ إذَا أَثْبَتَهُ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِخْبَارِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْحُقُوقِ وَهُوَ ضِدُّ الْجُحُودِ وَشَرْطُ صِحَّتِهِ أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ بَالِغًا عَاقِلًا طَائِعًا وَكَوْنُهُ حُرًّا لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى يَصِحَّ إقْرَارُ الْعَبْدِ وَيَنْفُذَ فِي الْحَالِ فِيمَا لَا تُهْمَةَ فِيهِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، وَفِيمَا فِيهِ تُهْمَةٌ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ وَهُوَ الْمَوْلَى وَيُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا أَقَرَّ الْحُرُّ لِإِنْسَانٍ بِعَيْنٍ مَمْلُوكَةٍ لِغَيْرِهِ لَا يَنْفُذُ لِلْحَالِ وَإِذَا مَلَكَهَا يَوْمًا يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِهَا إلَى الْمُقِرِّ لَهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ وَلَيْسَ بِإِنْشَاءٍ وَالْإِخْبَارُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ صَحِيحٌ فَيَنْفُذُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْإِنْشَاءِ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مُكْرَهًا لَا يَصِحُّ، وَلَوْ كَانَ إنْشَاءً لَصَحَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ إخْبَارٌ عَنْ ثُبُوتِ حَقِّ الْغَيْرِ عَلَى نَفْسِهِ) هَذَا فِي الشَّرِيعَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَقَيَّدَهُ بِأَنْ يَكُونَ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى غَيْرِهِ لِغَيْرِهِ يَكُونُ شَهَادَةً
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
[ كِتَابُ الْإِقْرَارِ]
قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا ذَكَرَ هَذِهِ الْكُتُبَ أَعْنِي كِتَابَ الْإِقْرَارِ وَكِتَابَ الصُّلْحِ وَكِتَابَ الْمُضَارَبَةِ وَكِتَابَ الْوَدِيعَةِ عَقِيبَ كِتَابِ الدَّعْوَى لِلْمُنَاسَبَةِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إمَّا أَنْ يُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ فَإِنْ أَقَرَّ فَبَابُهُ الْإِقْرَارُ، وَإِنْ أَنْكَرَ فَالْإِنْكَارُ مُنَازَعَةٌ وَخُصُومَةٌ وَالْخُصُومَةُ تَسْتَدْعِي الصُّلْحَ فَبَعْدَ مَا ثَبَتَ لَهُ الْمَالُ إمَّا بِالْإِقْرَارِ أَوْ بِالصُّلْحِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَسْتَرْبِحَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ وَالِاسْتِرْبَاحُ بِنَفْسِهِ بِالْبَيْعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَابُهُ وَالِاسْتِرْبَاحُ بِغَيْرِهِ هُوَ الْمُضَارَبَةُ فَإِنْ لَمْ يُرِدْ الِاسْتِرْبَاحَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَحْفَظَ الْمَالَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ وَحِفْظُهُ بِنَفْسِهِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ فِي الْمُعَامَلَاتِ فَبَقِيَ حِفْظُهُ بِغَيْرِهِ وَهُوَ الْوَدِيعَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ عَبْدٌ فِي يَدَيْ رَجُلٍ أَقَرَّ رَجُلٌ آخَرُ أَنَّهُ لِفُلَانٍ ثُمَّ قَالَ هُوَ حُرٌّ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَهُوَ لِلْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِ الْغَيْرِ، وَلَوْ بَدَأَ وَقَالَ هُوَ حُرٌّ ثُمَّ قَالَ هُوَ لِفُلَانٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَهُوَ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْحُرِّ لِغَيْرِهِ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ اهـ قَالَ الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ الزَّاهِدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْقُنْيَةِ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي فِي بَابِ مَنْ يُشْتَرَطُ حَضْرَتُهُ لِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ مَا نَصُّهُ: وَقَدْ يَكُونُ خَصْمًا فِي الْيَمِينِ وَلَا يَكُونُ خَصْمًا فِي الْبَيِّنَةِ كَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا وَقَبَضَهُ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِ الْبَائِعِ فُلَانٌ وَدَفَعَهُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ لِلْمُقَرِّ لَهُ لِيَرْجِعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْبَائِعَ بِاَللَّهِ مَا كَانَ لِلْمُقَرِّ لَهُ فَإِنْ نَكَلَ رَدَّ الثَّمَنَ اهـ (قَوْلُهُ وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا أَقَرَّ الْحُرُّ لِإِنْسَانٍ إلَخْ) هَذَا الْفَرْعُ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ اهـ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلُ فِي الشَّارِحِ بِوَرَقَةٍ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِ الْغَيْرِ فَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى ثُمَّ مَلَكَهُ الْمُقِرُّ يَوْمًا عَتَقَ فَرَاجِعْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِهَا إلَى الْمُقَرِّ لَهُ)، وَلَوْ أَقَرَّ بِهَذِهِ الدَّارِ الَّتِي فِي يَدِ فُلَانٍ وَقْفٌ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا ثُمَّ مَلَكَهَا الْمُقِرُّ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِهَا إلَى الْمُتَوَلِّي هَكَذَا أَفْتَيْتُ فِي سُؤَالٍ رُفِعَ إلَيَّ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ (فَرْعٌ) ذَكَرَهُ الْعِمَادِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مَعْزِيًّا إلَى أَوَّلِ إقْرَارِ فَتَاوَى صَاحِبِ الْمُحِيطِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مَنْ أَقَرَّ لِإِنْسَانٍ بِشَيْءٍ ثُمَّ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute