للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَأَحَدِ الْوَدَجَيْنِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ أَكْثَرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يُكْتَفَى بِقَطْعِ الْأَكْثَرِ مِنْ هَذِهِ الْعُرُوقِ الْأَرْبَعَةِ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ غَيْرَ أَنَّ مُحَمَّدًا اعْتَبَرَ أَكْثَرَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَصْلٌ بِنَفْسِهِ لِانْفِصَالِهِ عَنْ غَيْرِهِ وَلِوُرُودِ الْأَمْرِ بِفَرْيِهِ فَيُعْتَبَرُ أَكْثَرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: إنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ قَطْعِ الْوَدَجَيْنِ إنْهَارُ الدَّمِ فَيَنُوبُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَجْرَى الدَّمِ فَأَمَّا الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ فَمُخَالِفَانِ لِلْأَوْدَاجِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُخَالِفُ الْآخَرَ فَلَا بُدَّ مِنْ قَطْعِهِمَا

وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ إنَّ الْأَكْثَرَ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ وَأَيُّ ثَلَاثٍ مِنْهَا قُطِعَ فَقَدْ قُطِعَ الْأَكْثَرُ وَمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ يَحْصُلُ بِهِ وَهُوَ إنْهَارُ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ، وَالتَّوْحِيَةُ فِي إخْرَاجِ الرُّوحِ لِأَنَّهُ لَا يَحْيَا بَعْدَ قَطْعِ الْمَرِيءِ وَالْحُلْقُومِ وَيَخْرُجُ الدَّمُ بِقَطْعِ أَحَدِ الْوَدَجَيْنِ فَيُكْتَفَى بِالْأَكْثَرِ أَيَّهَا كَانَتْ فَلَا حَاجَةَ إلَى اشْتِرَاطِ قَطْعِ الْمُعَيَّنِ مِنْهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُكْتَفَى بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ الْأَرْبَعَةِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا رَوَيْنَا فَإِنَّ فِيهِ ذِكْرَ الْأَوْدَاجِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَالثَّلَاثَةُ جَمْعٌ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ الْكُلِّ وَلَا لِلِاقْتِصَارِ عَلَى مَا دُونَ الثَّلَاثِ، وَقَوْلُهُ وَلَوْ بِظُفُرٍ وَقَرْنٍ وَسِنٍّ مَذْهَبُنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْمَذْبُوحُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَيْتَةٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَأَفْرَى الْأَوْدَاجَ مَا خَلَا الظُّفُرَ وَالسِّنَّ فَإِنَّهَا مُدَى الْحَبَشَةِ» وَلِأَنَّهُ فِعْلٌ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَلَا يَكُونُ ذَكَاةً كَمَا إذَا ذَبَحَ بِغَيْرِ الْمَنْزُوعِ وَلَنَا قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنْهَرَ الدَّمَ» وَيُرْوَى «أَفْرِ الْأَوْدَاجَ بِمَا شِئْت» وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْمَنْزُوعِ فَإِنَّ الْحَبَشَةَ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ إظْهَارًا لِلْجَلَدِ وَلِأَنَّهَا آلَةٌ جَارِحَةٌ فَيَحْصُلُ بِهَا مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ إخْرَاجُ الدَّمِ فَصَارَ كَالْحَجَرِ وَالْحَدِيدِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَنْزُوعِ فَإِنَّهُ يَقْتُلُ بِالثِّقَلِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْمَوْقُوذَةِ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ الْأَلَمِ وَقَدْ نُهِينَا عَنْهُ وَأُمِرْنَا بِضِدِّهِ وَقَوْلُهُ " وَلِيطَةٍ وَمَرْوَةِ وَمَا أَنْهَرَ الدَّمَ " لِمَا رُوِيَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَصِيبُ الصَّيْدَ فَلَا نَجِدُ سِكِّينًا إلَّا الظِّرَارَ، أَوْ شِقَّةَ الْعَصَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْرِ الْأَوْدَاجَ بِمَا شِئْت وَاذْكُرْ اللَّهَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا

وَأَمَّا الظُّفُرُ الْقَائِمُ وَالسِّنُّ الْقَائِمُ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّهُ قَالَ «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ نَلْقَى الْعَدُوَّ غَدًا وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا مَا لَمْ يَكُنْ سِنًّا، أَوْ ظُفُرًا وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَتَأْوِيلُهُ إذَا كَانَ قَائِمًا عَلَى مَا بَيَّنَّا أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ» وَهُمْ كَانُوا يَذْبَحُونَ بِالْقَائِمِ مِنْهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنُدِبَ حَدُّ الشَّفْرَةِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا وَيُكْرَهُ أَنْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ فَإِذَا فَرَى الْمُذَكِّي ذَلِكَ أَجْمَعَ فَقَدْ أَكْمَلَ الذَّكَاةَ وَأَصَابَ الذَّكَاةَ الْمَأْمُورَ بِهَا عَلَى تَمَامِهَا وَسُنَّتِهَا فَإِنْ قَصَرَ عَنْ ذَلِكَ فَفَرَى مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ ثَلَاثَةً فَإِنَّ بِشْرَ بْنَ الْوَلِيدِ رَوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ إذَا قَطَعَ أَكْثَرَ الْأَوْدَاجِ أُكِلَ إذَا قَطَعَ ثَلَاثَةً مِنْهَا مِنْ أَيِّ جَانِبٍ كَانَ وَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: لَا تَأْكُلْ حَتَّى تَقْطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ وَأَحَدَ الْوَدَجَيْنِ وَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالصَّيْدِ وَكُلِّ ذَبِيحَةٍ، قَالَ وَكَذَلِكَ النَّاقَةُ يَنْحَرُهَا الرَّجُلُ فَهِيَ كَذَلِكَ فِي الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا قَطَعَ أَكْثَرَ الْأَوْدَاجِ أُكِلَ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ حَتَّى يَقْطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ وَأَحَدَ الْوَدَجَيْنِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ النَّاطِفِيُّ فِي الْأَجْنَاسِ

وَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَقَدْ ذَكَرَ فِي إمْلَائِهِ رِوَايَةَ أَبِي سُلَيْمَانَ الْجُوزَجَانِيَّ قَالَ مُحَمَّدٌ: لَوْ قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ وَأَحَدَ الْوَدَجَيْنِ وَنِصْفَ الْآخَرِ لِأَنَّ الْوَدَجَيْنِ كَأَنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ فَقَدْ قَطَعَ الْأَكْثَرَ مِنْهُمَا فَأُكِلَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ لَوْ قَطَعَ مِنْ الْحُلْقُومِ أَكْثَرَهُ وَمِنْ الْمَرِيءِ أَكْثَرَهُ وَمِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَدَجَيْنِ أَكْثَرَهُ أُكِلَ وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَقَالَ أَخِيرًا لَا يُؤْكَلُ حَتَّى يَقْطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ وَأَحَدَ الْوَدَجَيْنِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْأَجْنَاسِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا قَطَعَ ثَلَاثًا مِنْهَا أَيَّ ثَلَاثٍ كَانَتْ حَلَّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ إحْدَاهَا هَذِهِ وَالثَّانِيَةُ اُشْتُرِطَ قَطْعُ الْحُلْقُومِ مَعَ آخَرَيْنِ وَالثَّالِثَةُ اُشْتُرِطَ قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَأَحَدِ الْوَدَجَيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ أَكْثَرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ كَذَا فِي الْمُخْتَلَفِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

(فَرْعٌ غَرِيبٌ) ذَكَرَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَشِبْهُ الْعَمْدِ إلَخْ أَنَّ النَّارَ يَقَعُ بِهَا الذَّكَاةُ لَوْ جُعِلَتْ عَلَى مَوْضِعِ الذَّبْحِ فَقَطَعَتْ الْحُلْقُومَ وَالْوَدَجَيْنِ حَلَّ الْأَكْلُ ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ اهـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَعَلَى الْهَامِشِ حَاشِيَةٌ مَنْقُولَةٌ مِنْ خَطِّهِ نَصُّهَا وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ خِلَافُ مَا ذُكِرَ فِي أُصُولِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَأُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الذَّكَاةَ لَا تَقَعُ بِالنَّارِ ذَكَرَهُ فِي بَابِ دَلَالَةِ النَّصِّ اهـ. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ حِينَ سُئِلَ عَنْ أَمْرِ الذَّبْحِ. (قَوْلُهُ: «كُلُّ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَأَفْرَى الْأَوْدَاجَ») أَنْهَرَ الدَّمَ أَيْ سَيَّلَهُ وَأَفْرَى الْأَوْدَاجَ أَيْ قَطَعَهَا. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا مُدَى الْحَبَشَةِ) لِأَنَّهُمْ لَا يُقَلِّمُونَ الْأَظْفَارَ وَيُحَدِّدُونَ الْأَسْنَانَ، وَيُقَاتِلُونَ بِالْخَدْشِ وَالْعَضِّ. اهـ. غَايَةٌ وَالْمُدَى جَمْعُ مُدْيَةٍ وَهِيَ السِّكِّينُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الظُّفُرُ الْقَائِمُ وَالسِّنُّ الْقَائِمُ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَلَا يَحِلُّ كُلُّ ذَبْحٍ بِسِنٍّ أَوْ ظُفُرٍ غَيْرِ مَنْزُوعٍ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ وَلَيْسَ بِذَابِحٍ اهـ.

[حَدّ الشَّفْرَة قَبْل الذَّبْح]

(قَوْلُهُ: «وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ») أَيْ لِيُعْطِهَا الرَّاحَةَ بِالْإِسْرَاعِ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالشَّفْرَةُ السِّكِّينُ الْعَظِيمَةُ. اهـ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>