عَلَى الْحَائِطِ إشْهَادٌ عَلَى النَّقْضِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إزَالَةُ الشَّغْلِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَقَطَ الْحَائِطُ عَلَى إنْسَانٍ وَمَاتَ فَعَثَرَ بِالْقَتِيلِ غَيْرُهُ فَمَاتَ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ التَّفْرِيغَ مِنْهُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ لَا إلَيْهِ وَلَا يَكُونُ الْإِشْهَادُ عَلَى الْحَائِطِ إشْهَادًا عَلَى الْقَتِيلِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مَكَانَ الْحَائِطِ جَنَاحٌ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا حَيْثُ يُضْمَنُ الْقَتِيلُ الثَّانِي أَيْضًا؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْجَنَاحِ جِنَايَةٌ إذْ الْوَضْعُ فِعْلُهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَلْقَاهُ عَلَيْهِ بِيَدِهِ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ الثَّانِي مُضَافًا إلَيْهِ كَالْأَوَّلِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَفْرِيغُ الطَّرِيقِ عَنْ الْقَتِيلِ أَيْضًا، فَإِذَا لَمْ يَفْرُغْ صَارَ جَانِيًا وَفِي الْحَائِطِ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْفِعْلُ وَإِنَّمَا جُعِلَ كَالْفَاعِلِ بِتَرْكِ النَّقْضِ اسْتِحْسَانًا فَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي فَلَمْ يَكُنْ سُقُوطُ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ فِي حَقِّ الثَّانِي بِفِعْلِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّفْرِيغُ عَنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْحَائِطَ أَوْ النَّقْضَ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ، وَلَوْ كَانَ بِفِعْلِهِ لَمَا بَرِئَ كَمَا لَوْ بَاعَ الْجَنَاحَ، وَلَوْ عَطِبَ بِجَرَّةٍ كَانَتْ عَلَى الْحَائِطِ فَسَقَطَتْ بِسُقُوطِهِ وَهِيَ مِلْكُهُ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيغَ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ مِلْكَ غَيْرِهِ لَا يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيغَ إلَى مَالِكِهَا وَحْدَهُ، وَلَوْ سَقَطَتْ الْجَرَّةُ وَحْدَهَا لَا يَضْمَنُ مَا عَطِبَ بِسُقُوطِهَا؛ لِأَنَّهُ وَضَعَهَا فِي مِلْكِهِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(بَابُ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ضَمِنَ الرَّاكِبُ مَا وَطِئَتْ دَابَّتُهُ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ رَأْسٍ أَوْ كَدَمَتْ أَوْ خَبَطَتْ لَا مَا نَفَحَتْ بِرِجْلٍ أَوْ ذَنَبٍ إلَّا إذَا أَوْقَفَهَا فِي الطَّرِيقِ،) وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُرُورَ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ مُبَاحٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّهِ مِنْ وَجْهٍ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ وَجْهٍ لِكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ كُلِّ النَّاسِ فَقُلْنَا بِالْإِبَاحَةِ مُقَيَّدًا بِالسَّلَامَةِ لِيَعْتَدِلَ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِيمَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ لَا فِيمَا لَا يُمْكِنُ؛ لِأَنَّ تَقْيِيدَهُ بِهَا مُطْلَقًا يُؤَدِّي إلَى الْمَنْعِ مِنْ التَّصَرُّفِ وَسَدُّ بَابِهِ وَهُوَ مَفْتُوحٌ وَالِاحْتِرَازُ عَنْ الْإِيطَاءِ وَالصَّدْمِ وَالْكَدْمِ وَالْخَبْطِ مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِ السَّيْرِ فَقَيَّدْنَاهُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ عَنْهُ وَلَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْ النَّفْحَةِ بِالرِّجْلِ وَالذَّنَبِ مَعَ السَّيْرِ عَلَى الدَّابَّةِ فَلَمْ نُقَيِّدْهُ بِهَا وَإِنْ أَوْقَفَهَا فِي الطَّرِيقِ ضَمِنَ النَّفْحَةَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْ الْإِيقَافِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّحَرُّزُ عَنْ النَّفْحَةِ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا بِالْإِيقَافِ وَشَغْلِ الطَّرِيقِ بِهِ فَيَضْمَنُهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إلَّا إذَا أَوْقَفَهَا فِي الطَّرِيقِ أَوْ نَقُولُ إنَّ الطَّرِيقَ يُشْبِهُ مِلْكَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُرُورَ فِيهِ مُبَاحٌ لَهُ وَيُشْبِهُ مِلْكَ الْغَيْرِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِلْكٌ يُطْلَقُ لَهُ التَّصَرُّفُ فَوَفَّرْنَا حَظَّ الشَّبَهَيْنِ فَجَعَلْنَاهُ كَمِلْكِ غَيْرِهِ فِي حَقِّ مَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَكَمِلْكِهِ فِي حَقِّ مَا لَا يُمْكِنُ كَيْ لَا يَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الِانْتِفَاعُ، وَهَذَا الْحُكْمُ فِي الطَّرِيقِ وَفِي مِلْكِهِ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إلَّا الْإِيطَاءَ وَهُوَ رَاكِبُهَا؛ لِأَنَّ الْإِيطَاءَ مُبَاشَرَةٌ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِثِقَلِهِ حَتَّى يُحْرَمَ الْمِيرَاثَ وَيَجِبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بِهِ وَغَيْرُهُ تَسْبِيبٌ وَفِيهِ يُشْتَرَطُ التَّعَدِّي فَصَارَ كَحَفْرِ الْبِئْرِ فِي مِلْكِهِ وَفِي الْمُبَاشَرَةِ لَا يُشْتَرَطُ وَإِنْ كَانَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ مَالِكِهِ فَهُوَ وَكَمَا لَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ دَخَلَتْ هِيَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُدْخِلَهَا هُوَ وَلَمْ يَكُنْ هُوَ مَعَهَا لَا يَضْمَنُ شَيْئًا وَإِنْ أَدْخَلَهَا هُوَ ضَمِنَ الْجَمِيعَ، سَوَاءٌ كَانَ هُوَ مَعَهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ لِوُجُودِ التَّعَدِّي بِالْإِدْخَالِ، وَالْمِلْكُ الْمُشْتَرَكُ كَمِلْكِهِ فِيمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ السَّيْرَ وَالْإِيقَافَ فِيهِ وَبَابُ الْمَسْجِدِ كَالطَّرِيقِ فِي الْإِيقَافِ، وَلَوْ جَعَلَ الْإِمَامُ مَوْضِعًا لِوُقُوفِ الدَّوَابِّ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فَلَا ضَمَانَ فِيمَا حَدَثَ مِنْ الْوُقُوفِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ إيقَافُ الدَّابَّةِ فِي سُوقِ الدَّوَابِّ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ، وَكَذَلِكَ الْفَلَاةُ وَطَرِيقُ مَكَّةَ إذَا وَقَفَ فِي غَيْرِ الْمَحَجَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ بِالنَّاسِ فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْإِذْنِ، أَمَّا الْمَحَجَّةُ فَهِيَ كَالطَّرِيقِ
. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا حَصَاةً أَوْ نَوَاةً أَوْ أَثَارَتْ غُبَارًا أَوْ حَجَرًا صَغِيرًا فَفَقَأَ عَيْنًا لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ كَبِيرًا ضَمِنَ)؛ لِأَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْ الْحِجَارَةِ الصِّغَارِ وَالْغُبَارِ مُتَعَذِّرٌ؛ لِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ لَا يَخْلُو عَنْهُ، وَعَنْ الْكِبَارِ مِنْ الْحِجَارَةِ مُمْكِنٌ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ عَادَةً مِنْ قِلَّةِ هِدَايَةِ الرَّاكِبِ فَيَضْمَنُ
. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ رَاثَتْ أَوْ بَالَتْ فِي طَرِيقٍ لَمْ يَضْمَنْ مَنْ عَطِبَ بِهِ وَإِنْ أَوْقَفَهَا لِذَلِكَ وَإِنْ أَوْقَفَهَا لِغَيْرِهِ ضَمِنَ)؛ لِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ لَا يَخْلُو عَنْ رَوْثٍ وَبَوْلٍ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ فِيمَا إذَا رَاثَتْ أَوْ بَالَتْ وَهِيَ تَسِيرُ، وَكَذَا إذَا أَوْقَفَهَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
مَا تَلِفَ بِالنَّقْضِ لَا يَضْمَنُهُ إلَّا إذَا أَشْهَدَ عَلَى النَّقْضِ؛ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى الْحَائِطِ لَا يَكُونُ إشْهَادًا عَلَى النَّقْضِ، وَلَوْ لَمْ يَتَعَقَّلْ بِالنَّقْضِ، وَلَكِنْ تَعَقَّلَ بِمَيِّتٍ هَلَكَ بِالْحَائِطِ لَمْ يَضْمَنْ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْمَيِّتِ لَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ وَلَكِنَّ رَفْعَ النَّقْضِ إلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
[بَابُ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ]
(بَابُ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ). (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: ضَمِنَ الرَّاكِبُ مَا وَطِئَتْ دَابَّتُهُ إلَخْ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي، وَإِذَا سَارَ الرَّجُلُ عَلَى دَابَّةٍ، أَيَّ الدَّوَابِّ كَانَتْ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَأَوْطَأَتْ إنْسَانًا بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ وَهِيَ تَسِيرُ فَقَتَلَتْهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّاكِبِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمِلٌ لِلدَّابَّةِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان وَهِيَ مَجْبُورَةٌ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَتْ جِنَايَتُهَا بِمَنْزِلَةِ جِنَايَتِهِ غَيْرَ أَنَّهُ خَاطِئٌ فَوَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَالْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ حَقِيقَةً وَلَا يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتْ بِرِجْلِهَا وَهِيَ تَسِيرُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعْمِلٍ لَهَا فِي النَّفْحَةِ فَلَا يَصِيرُ بِهَا قَاتِلًا حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ سَبَبًا لِذَلِكَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَوْلَا تَسْيِيرُهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لَمَا حَدَثَ هَذَا الْأَمْرُ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ فِي التَّسْيِيرِ فِي سُوقِ الْمُسْلِمِينَ وَالسَّبَبُ الْمَحْضُ إنَّمَا يَلْحَقُ بِالْمُبَاشَرَةِ بِوَصْفِ التَّعَدِّي، وَقَدْ عَدِمَ فَلَا يُؤْخَذُ بِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُبَاشَرَةِ لَا يُشْتَرَطُ) أَيْ التَّعَدِّي. اهـ. (قَوْلُهُ: الْمَحَجَّةُ) الْمَحَجَّةُ مُعْظَمُ الطَّرِيقِ وَوَسَطُهُ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: وَعَنْ الْكِبَارِ مِنْ الْحِجَارَةِ مُمْكِنٌ) فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا وَقَعَ هَذَا مِنْ قِبَلِ عُنْفِهِ فِي أَمْرِ السُّوقِ فَيُوصَفُ بِالتَّعَدِّي فَيُؤْخَذُ بِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute