لِتَعَذُّرِ الدَّفْعِ وَبَعْدَ عِتْقِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى وَبَعْدَ الْعَجْزِ لَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْمُكَاتَبِ وَعَدَمِ الْإِشْهَادِ عَلَى الْمَوْلَى، وَلَوْ تَقَدَّمَ إلَى مَنْ يَسْكُنُهَا بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ أَوْ إلَى الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ الْمُودَعِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ حَتَّى لَوْ سَقَطَ وَأَتْلَفَ شَيْئًا لَا يَضْمَنُ السَّاكِنُ وَلَا الْمَالِكُ وَيُشْتَرَطُ دَوَامُ تِلْكَ الْوِلَايَةِ إلَى وَقْتِ السُّقُوطِ حَتَّى لَوْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ بَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى النَّقْضِ وَيُشْتَرَطُ لِلضَّمَانِ أَنْ تَمْضِ مُدَّةٌ يَتَمَكَّنُ فِيهَا مِنْ النَّقْضِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ حَتَّى إذَا أَشْهَدَ عَلَيْهِ فَسَقَطَ مِنْ سَاعَتِهِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ نَقْضِهِ لَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى النَّقْضِ وَلَا يَصِحُّ الْإِشْهَادُ قَبْلَ أَنْ يَهِيَ الْحَائِطُ لِانْعِدَامِ التَّعَدِّي ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً وَيُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَى التَّقَدُّمِ لَا عَلَى الْقَتْلِ وَسَوَّى فِي الْمُخْتَصَرِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُطَالِبُ بِالنَّقْضِ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا؛ لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ شُرَكَاءُ فِي الْمُرُورِ فَيَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَيْهِ مِنْ أَيٍّ مَنْ كَانَ بَعْدَ أَنْ كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا حُرًّا أَوْ مُكَاتَبًا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى؛ لِأَنَّهُ مُطَالَبَةُ حَقٍّ فَلَا يَخْتَصُّ بِأَحَدٍ مِنْ الْأَهْلِ بِخِلَافِ الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلٍ لِمُطَالَبَةِ حَقِّهِمْ فَكَذَا لِحَقِّ الْعَامَّةِ إلَّا إذَا أَذِنَ لَهُمْ الْمَوْلَى أَوْ الْوَلِيُّ فِي الْخُصُومَةِ فَحِينَئِذٍ جَازَ طَلَبُهُمْ وَإِشْهَادُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ بِالْإِذْنِ الْتَحَقُوا بِالْحُرِّ الْبَالِغِ، ثُمَّ بَعْدَ الْإِشْهَادِ تَكُونُ الْخُصُومَةُ عَنْ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْخُصُومَاتِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ بَنَاهُ مَائِلًا ابْتِدَاءً ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِسُقُوطِهِ بِلَا طَلَبٍ)؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى بِالْبِنَاءِ فَصَارَ كَإِشْرَاعِ الْجَنَاحِ وَوَضْعِ الْحَجَرِ وَحَفْرِ الْبِئْرِ فِي الطَّرِيقِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ مَالَ إلَى دَارِ رَجُلٍ فَالطَّلَبُ إلَى رَبِّهَا)؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ عَلَى الْخُصُوصِ وَإِنْ كَانَ يَسْكُنُهَا غَيْرُهُ كَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ بِإِزَالَةِ مَا شَغَلَ الدَّارَ فَكَذَا بِإِزَالَةِ مَا شَغَلَ هَوَاءَهَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَجَّلَهُ أَوْ أَبْرَأَهُ صَحَّ بِخِلَافِ الطَّرِيقِ) أَيْ إنْ أَجَّلَهُ صَاحِبُ الدَّارِ أَوْ أَبْرَأَهُ جَازَ تَأْجِيلُهُ وَإِبْرَاؤُهُ حَتَّى لَوْ سَقَطَ فِي الْإِبْرَاءِ أَوْ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فِي التَّأْجِيلِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا مَالَ إلَى الطَّرِيقِ الْعَامِّ فَأَجَّلَهُ الْقَاضِي أَوْ مَنْ أُشْهِدَ عَلَيْهِ أَوْ أَبْرَأَهُ حَيْثُ لَا يَصِحُّ التَّأْجِيلُ وَالْإِبْرَاءُ إلَّا فِي حَقِّ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي وَلَا لِغَيْرِهِ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُمْ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ الطَّرِيقِ، وَالسَّاكِنُ فِي الدَّارِ كَالْمَالِكِ فِيهِ حَتَّى يَصِحَّ تَأْجِيلُهُ وَإِبْرَاؤُهُ لِمَا ذَكَرْنَا
. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (حَائِطٌ بَيْنَ خَمْسَةٍ أُشْهِدَ عَلَى أَحَدِهِمْ فَسَقَطَ عَلَى رَجُلٍ ضَمِنَ خُمْسَ الدِّيَةِ، دَارٌ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ حَفَرَ أَحَدُهُمَا فِيهَا بِئْرًا أَوْ بَنَى حَائِطًا فَعَطِبَ بِهِ رَجُلٌ ضَمِنَ ثُلُثَيْ الدِّيَةِ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ ضَمِنَ نِصْفَ الدِّيَةِ فِي الْفَصْلَيْنِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ بِنَصِيبِ مَنْ أُشْهِدَ عَلَيْهِ مُعْتَبَرٌ وَبِنَصِيبِ مَنْ لَمْ يُشْهَدْ عَلَيْهِ هَدَرٌ وَفِي الْحَفْرِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ غَيْرُ مُتَعَدٍّ وَبِاعْتِبَارِ مِلْكِ شَرِيكِهِ مُتَعَدٍّ فَكَانَا قِسْمَيْنِ فَانْقَسَمَ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ كَمَا إذَا هَلَكَ بِجَرْحِ الرَّجُلِ وَنَهْشِ الْحَيَّةِ وَعَقْرِ الْأَسَدِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ الثِّقَلُ الْمُقَدَّرُ وَالْعُمْقُ الْمُقَدَّرُ؛ لِأَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ لَيْسَ بِعِلَّةٍ وَهُوَ الْقَلِيلُ مِنْهُ حَتَّى يُعْتَبَرَ كُلُّ جُزْءٍ عِلَّةً عَلَى حِدَةٍ فَتَجْتَمِعُ الْعِلَلُ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يُضَافُ التَّلَفُ إلَى الْعِلَّةِ الْوَاحِدَةِ، ثُمَّ تُقَسَّمُ عَلَى أَرْبَابِهَا بِقَدْرِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ الْجِرَاحَاتِ؛ لِأَنَّ كُلَّ جِرَاحَةٍ عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا لِلتَّلَفِ صَغُرَتْ الْجِرَاحَةُ أَمْ كَبِرَتْ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ إلَّا أَنَّ التَّلَفَ عِنْدَ الْمُزَاحَمَةِ يُضَافُ إلَى الْكُلِّ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَإِنْ قِيلَ الْوَاحِدُ مِنْ الشُّرَكَاءِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَهْدِمَ شَيْئًا مِنْ الْحَائِطِ فَكَيْفَ يَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَيْهِ قُلْنَا إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ هَدْمِ نَصِيبِهِ يَتَمَكَّنُ مِنْ إصْلَاحِهِ بِطَرِيقِهِ وَهُوَ الْمُرَافَعَةُ إلَى الْحُكَّامِ وَبِهِ يَحْصُلُ الْغَرَضُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إزَالَةُ الضَّرَرِ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ وَلَا تَتَعَيَّنُ بِالْهَدْمِ، وَلَوْ وَقَعَ الْحَائِطُ عَلَى الطَّرِيقِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ فَعَثَرَ إنْسَانٌ بِنَقْضِهِ فَمَاتَ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ النَّقْضَ مِلْكُهُ، فَيَكُونُ التَّفْرِيغُ إلَيْهِ وَالْإِشْهَادُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدِّيَةِ، وَالْفَرْقُ مَا قُلْنَا أَنَّ جِنَايَةَ الْحَائِطِ كَالْمُبْتَدِئِ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَكَأَنَّهُ قَتَلَ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ قَتِيلًا ابْتِدَاءً فَأَمَّا إخْرَاجُ الْجَنَاحِ وَالْكَنِيفِ فَجِنَايَةٌ وَاقِعَةٌ فَلَمْ تُجْعَلْ مُبْتَدَأً بَعْدَ الْعِتْقِ، بَلْ كَانَ مُضَافًا إلَى حَالِ الرِّقِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: بَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ إلَخْ) وَلَا يَتَفَاوَتُ الْحُكْمُ إذَا سَقَطَ الْحَائِطُ بَعْدَمَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ بَعْدَمَا مَلَكَهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا بَاعَ فَقَدْ صَارَ بِحَالٍ لَا يَمْلِكُ فِيهَا النَّقْضَ وَالضَّمَانُ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِتَرْكِ النَّقْضِ فَإِذًا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ، وَلَيْسَ هَذَا كَمَنْ أَشْرَعَ جَنَاحًا إلَى الطَّرِيقِ، ثُمَّ بَاعَ الدَّارَ وَبَاعَ الْجَنَاحَ فَوَقَعَ عَلَى إنْسَانٍ ضَمِنَ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْوَضْعِ جِنَايَةٌ فَزَوَالُ مِلْكِهِ عَنْهُ لَا يُغَيِّرُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا؛ لِأَنَّ بِنَاءَ الْحَائِطِ لَمْ يَكُنْ جِنَايَةً وَإِنَّمَا الْجِنَايَةُ تَرْكُ النَّقْضِ، وَإِذَا صَارَ بِحَالٍ لَا يَمْلِكُ النَّقْضَ فِي حَالِ الْوُقُوعِ خَرَجَ فِعْلُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ جِنَايَةً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لَا عَلَى الْقَتْلِ) يَعْنِي لَوْ كَانَتْ شَهَادَةً عَلَى الْقَتْلِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ النِّسَاءِ لِشُبْهَةِ الْبَدَلِيَّةِ وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِشَهَادَةٍ عَلَيْهِ، بَلْ هِيَ شَهَادَةٌ عَلَى مَيَلَانِ الْحَائِطِ فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ اهـ
أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ تَعَدَّى بِالْبِنَاءِ) أَيْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ هَوَاءَ الْبُقْعَةِ فِي حُكْمِهَا، وَلَوْ بَنَى فِي مِلْكِ غَيْرِهِ كَانَ مُتَعَدِّيًا كَذَلِكَ إذَا بَنَى فِي هَوَاءِ مِلْكِ غَيْرِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي ذَلِكَ ضَمِنَ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ قَاضِيخَانْ فِي بَابِ الصُّلْحِ مَا نَصُّهُ مَنْ مَلَكَ أَرْضًا مَلَكَ مَا تَحْتَهَا إلَى الثَّرَى وَمَا فَوْقَهَا إلَى السَّمَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ يَسْكُنُهَا غَيْرُهُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنْ كَانَ فِيهَا سُكَّانٌ فَالْمُطَالَبَةُ إلَيْهِمْ وَذَلِكَ الْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُعِيرُ اهـ
(قَوْلُهُ: وَهُوَ الثِّقَلُ) أَيْ فِي الْحَائِطِ. اهـ. (قَوْلُهُ: الْمُقَدَّرُ) أَيْ الْمُهْلِكُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْعُمْقُ) أَيْ فِي الْبِئْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: الْمُقَدَّرُ) أَيْ الْمُهْلِكُ اهـ (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَقَعَ الْحَائِطُ عَلَى الطَّرِيقِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَلَوْ أَشْهَدَ عَلَى الْحَائِطِ فَسَقَطَ فَتَعَقَّلَ بِنَقْضِهِ أَوْ مِيزَابِهِ إنْسَانٌ فَهَلَكَ يَضْمَنُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute