للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَيْدٍ بِالْمَأْكُولِ إذْ الصَّيْدُ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَأْكُولِ قَالَ الشَّاعِرُ

صَيْدُ الْمُلُوكِ أَرَانِبٌ وَثَعَالِبٌ ... وَإِذَا رَكِبْتُ فَصَيْدِي الْأَبْطَالُ

؛ وَلِأَنَّ اصْطِيَادَهُ سَبَبُ الِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهِ أَوْ رِيشِهِ أَوْ شَعْرِهِ أَوْ لِاسْتِدْفَاعِ شَرِّهِ وَكُلُّ ذَلِكَ مَشْرُوعٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[كِتَابُ الرَّهْنِ]

ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ حَبْسُ شَيْءٍ بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهُ كَالدَّيْنِ) هَذَا حَدُّهُ فِي الشَّرْعِ، وَهَذَا اللَّفْظُ يَدُلُّ عَلَى الثُّبُوتِ وَالدَّوَامِ وَيُطْلَقُ الرَّهْنُ عَلَى الْمَرْهُونِ تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِاسْمِ الْمَصْدَرِ يُقَالُ رَهَنْتُ الرَّجُلَ شَيْئًا وَرَهَنْتُهُ عِنْدَهُ وَأَرْهَنْتُهُ لُغَةٌ فِيهِ وَالْجَمْعُ رِهَانٌ وَرُهُونٌ وَرُهُنٌ وَالرَّهْنُ فِي اللُّغَةِ جَعْلُ الشَّيْءِ مَحْبُوسًا أَيَّ شَيْءٍ كَانَ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: ٣٨] أَيْ مَحْبُوسَةٌ بِوَبَالِ مَا كَسَبَتْ مِنْ الْمَعَاصِي وَقَالَ الشَّاعِرُ

وَفَارَقَتْك بِرَهْنٍ لَا فِكَاكَ لَهُ ... يَوْمَ الْوَدَاعِ فَأَمْسَى الرَّهْنُ قَدْ غَلَقَا

أَيْ ارْتَهَنَتْ وَحَبَسَتْ قَلْبَهُ فَذَهَبَتْ بِهِ يَوْمَ التَّوْدِيعِ وَانْحَبَسَ قَلْبُ الْمُحِبِّ عِنْدَهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ فِكَاكُهُ وَقَوْلُهُ كَالدَّيْنِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْحَقُّ الْمُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ، وَأَمَّا الْعَيْنُ فَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ فَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِهَا إلَّا إذَا كَانَتْ مَضْمُونَةً بِنَفْسِهَا كَالْمَغْصُوبِ وَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ فِيهَا الْمِثْلُ أَوْ الْقِيمَةُ، وَرَدُّ الْعَيْنِ مُخَلِّصٌ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَهُوَ دَيْنٌ وَلِهَذَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ وَالْإِبْرَاءُ عَنْ قِيمَتِهِ وَيَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ عَلَى مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ فِي مَالِهِ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ وَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ هُوَ الْعَيْنُ لَمَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ وَعِنْدَ الْبَعْضِ، وَإِنْ كَانَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ رَدُّ الْعَيْنِ وَرَدُّ الْقِيمَةِ مُخَلِّصًا وَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ إلَّا بَعْدَ الْهَلَاكِ لَكِنْ يَجِبُ عِنْدَ الْهَلَاكِ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ، وَلِهَذَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ فَيَكُونُ رَهْنًا بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ وُجُوبِهِ فَيَصِحُّ كَمَا فِي الْكَفَالَةِ بِخِلَافِ الْأَعْيَانِ غَيْرِ الْمَضْمُونَةِ كَالْأَمَانَاتِ أَوْ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا كَالْمَبِيعِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِهَا لِعَدَمِ وُجُوبِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَوَالَةَ الْمُقَيَّدَةَ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا لَا تَبْطُلُ بِهَلَاكِهَا وَالْمُقَيَّدَةَ بِغَيْرِ الْمَضْمُونَةِ بِأَعْيَانِهَا تَبْطُلُ بِهِ وَلَوْلَا أَنَّ الْوُجُوبَ أَوْ شُبْهَتَهُ لِوُجُودِ سَبَبِهِ ثَابِتٌ لَبَطَلَتْ وَالرَّهْنُ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: ٢٨٣]، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ فِي جَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ فَيَجُوزُ كَمَا تَجُوزُ الْوَثِيقَةُ فِي جَانِبِ الْوُجُوبِ وَهِيَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

كِتَابُ الرَّهْنِ} مُنَاسَبَةُ الرَّهْنِ بِالصَّيْدِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّهْنِ وَالِاصْطِيَادِ سَبَبٌ مُبَاحٌ لِتَحْصِيلِ الْمَالِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هُوَ حَبْسُ شَيْءٍ بِحَقٍّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالْحَقِّ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ كَمَا يَصِحُّ بِالدَّيْنِ يَصِحُّ بِالْغَصْبِ وَالْحَقُّ يَشْمَلُهُمَا وَقَالَ الْقُدُورِيُّ: فِي شَرْحِهِ الرَّهْنُ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدِ وَثِيقَةٍ بِمَالٍ وَبِذَلِكَ يَنْفَصِلُ مِنْ الْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ؛ لِأَنَّهُمَا عَقْدُ وَثِيقَةٍ بِذِمَّةٍ وَيَنْفَصِلُ مِنْ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ، وَلَيْسَ بِعَقْدٍ عَلَى وَثِيقَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَرْهَنْتُهُ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ رَهَنْته الشَّيْءَ وَأَرْهَنْتُهُ الشَّيْءَ بِمَعْنًى. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْجَمْعُ) أَيْ جَمْعُ الرَّهْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَرُهُنٌ) ظَاهِرُهُ أَنَّ رُهُنًا جَمْعُ رَهْنٍ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ غَيْرُ الشَّارِحِ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَالرَّهْنُ الْمَرْهُونُ وَالْجَمْعُ رُهُونٌ وَرِهَانٌ وَرُهُنٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالرِّهَانُ جَمْعُ الرَّهْنِ كَالْعِبَادِ وَالزِّنَادِ فِي جَمْعِ الْعَبْدِ وَالزَّنْدِ وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَابْنُ كَثِيرٍ {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: ٢٨٣]، وَهِيَ جَمْعُ الْجَمْعِ اهـ قَالَ فِي الصِّحَاحِ الرَّهْنُ مَعْرُوفٌ وَالْجَمْعُ رِهَانٌ مِثْلُ حَبْلٍ وَحِبَالٍ

وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ رُهُنٌ بِضَمِّ الْهَاءِ قَالَ الْأَخْفَشُ، وَهِيَ قَبِيحَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْمَعُ فِعْلٌ عَلَى فُعُلٍ إلَّا قَلِيلًا شَاذًّا قَالَ وَذَكَرَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ سَقْفٌ وَسُقُفٌ قَالَ وَقَدْ يَكُونُ رُهُنٌ جَمْعًا لِلرِّهَانِ كَأَنَّهُ يُجْمَعُ رَهْنٌ عَلَى رِهَانٍ ثُمَّ يُجْمَعُ رِهَانٌ عَلَى رُهُنٍ مِثْلُ فِرَاشٍ وَفُرُشٍ. اهـ. (قَوْلُهُ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ) يَعْنِي مَعْنَاهُ لُغَةً مُطْلَقُ الْحَبْسِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَمَا رَوَى) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ) فِيهِ فَوَائِدُ إحْدَاهَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ نَسِيئَةً وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ طُولِ الْأَمَلِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ أُسَامَةَ أَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئًا بِدَرَاهِمَ نَسِيئَةً فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ أُسَامَةَ لَطَوِيلُ الْأَمَلِ وَاَللَّهِ لَا أَفْتَحُ عَيْنَيَّ إلَّا وَأَخْشَى عَلَى نَفْسِي الْمَوْتَ قَبْلَ أَنْ أَرُدَّهُمَا» وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ لَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا بِهَذَا الْحَدِيثِ

وَفِيهِ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالِاسْتِدَانَةِ فَإِنَّ الشِّرَاءَ نَسِيئَةً اسْتِدَانَةٌ وَكَانَ ذَلِكَ مَكْرُوهًا فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُشَدِّدُ فِي أَمْرِ الدَّيْنِ وَكَانَ لَا يُصَلِّي عَلَى مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ثُمَّ رَخَّصَ فِي ذَلِكَ وَوَعَدَ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَعْدًا جَمِيلًا وَكَانَ يَقُولُ «إنَّ اللَّهَ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَهُوَ يُرِيدُ قَضَاءَهُ» وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَسَارَعَ قَضَاءَهُ لِئَلَّا يُدْرِكَهُ الْمَوْتُ، وَهُوَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا حَائِلَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالْعَبْدِ بَعْدَ الْكُفْرِ إلَّا الدَّيْنُ إلَّا أَنْ يَتَفَضَّلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فَيُرْضِي خُصَمَاءَهُ وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالشِّرَاءِ وَالْمُعَامَلَةِ مَعَ أَهْلِ الذِّمَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ الْوَثِيقَةُ) بَيَانُهُ أَنَّ الدَّيْنَ لَهُ طَرَفَانِ طَرَفُ الْوُجُوبِ وَطَرَفُ الِاسْتِيفَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ أَوَّلًا فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ يُسْتَوْفَى الْمَالُ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ الْوَثِيقَةُ بِطَرَفِ الْوُجُوبِ الَّذِي يَخْتَصُّ بِالذِّمَّةِ، وَهِيَ الْكَفَالَةُ جَائِزَةٌ فَكَانَتْ الْوَثِيقَةُ الَّتِي بِطَرَفِ الْوُجُوبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>