للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْكَفَالَةُ وَالْحَوَالَةُ وَالْجَامِعُ أَنَّ

الْحَاجَةَ إلَى الْوَثِيقَةِ مَاسَّةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ

فَإِنَّ الْمُسْتَدِينَ قَلَّمَا يَجِدُ مَنْ يُدَيِّنُهُ بِلَا رَهْنٍ وَالدَّائِنُ يَأْمَنُ بِالرَّهْنِ مِنْ التَّوَى بِالْجُحُودِ أَوْ بِإِسْرَافِ الْمَدِينِ فِي مَالِهِ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ أَوْ بِمُحَاصَّةِ غَيْرِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ فَكَانَ فِيهِ نَفْعٌ لَهُمَا كَمَا فِي الْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ فَشُرِعَ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَزِمَ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ وَيَتِمُّ بِقَبْضِهِ مَحُوزًا مُفَرَّغًا مُمَيَّزًا)، وَهَذَا سَهْوٌ فَإِنَّ الرَّهْنَ لَا يَلْزَمُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَلَكِنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهِمَا وَيَتِمُّ بِالْقَبْضِ فَيَلْزَمُ بِهِ قَالَ مَالِكٌ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَلْزَمُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْجَامِعُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَخْتَصُّ بِالْمَالِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ وَثِيقَةٍ فَأَشْبَهَ الْكَفَالَةَ فَيَلْزَمُ بِالْقَبُولِ وَالْخِلَافُ مَعَهُ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: ٢٨٣] وَالْمَصْدَرُ الْمَقْرُونُ بِحَرْفِ الْفَاءِ فِي جَوَابِ الشَّرْطِ يُرَادُ بِهِ الْأَمْرُ وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ الْمَوْصُوفِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَصْفُ شَرْطًا فِيهِ إذْ الْمَشْرُوعُ بِصِفَةٍ لَا يُوجَدُ بِدُونِ تِلْكَ الصِّفَةِ نَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢] أَيْ فَلْيُحَرِّرْ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً؛ وَلِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ لِمَا أَنَّ الرَّاهِنَ لَا يَسْتَوْجِبُ بِمُقَابَلَتِهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ شَيْئًا؛ وَلِهَذَا لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِمْضَاءِ بِعَدَمِ الرُّجُوعِ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَالْإِمْضَاءُ يَكُونُ بِالْقَبْضِ وَقَوْلُهُ مَحُوزًا مُفَرَّغًا مُمَيَّزًا احْتَرَزَ بِالْأَوَّلِ عَنْ الْمُشَاعِ وَبِالثَّانِي عَنْ الْمَشْغُولِ وَبِالثَّالِثِ عَنْ الْمُتَّصِلِ فَإِذَا قَبَضَهُ كَذَلِكَ تَمَّ لِوُجُودِ الْقَبْضِ عَلَى الْكَمَالِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالتَّخْلِيَةُ فِيهِ وَفِي الْبَيْعِ قَبْضٌ) وَالصَّوَابُ أَنَّ التَّخْلِيَةَ تَسْلِيمٌ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الْمَوَانِعِ مِنْ الْقَبْضِ، وَهُوَ فِعْلُ الْمُسَلِّمِ دُونَ الْمُتَسَلِّمِ وَالْقَبْضُ فِعْلُ الْمُتَسَلِّمِ، وَإِنَّمَا يُكْتَفَى بِالتَّخْلِيَةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ فِي غَايَةِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَالْقَبْضُ فِعْلُ غَيْرِهِ فَلَا يُكَلَّفُ بِهِ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الرَّهْنَ فِي الْمَنْقُولِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالنَّقْلِ لِأَنَّهُ قَبْضٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ ابْتِدَاءً إذْ لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ مَضْمُونًا عَلَى أَحَدٍ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَبْضِ حَقِيقَةً كَالْغَصْبِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْقَبْضَ فِيهِ نَاقِلٌ لِلضَّمَانِ مِنْ الْبَائِعِ إلَى الْمُشْتَرِي، فَإِنَّ الْبَيْعَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ مَضْمُونٌ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ ذَلِكَ إلَى الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْقِيَاسُ عَلَى الْغَصْبِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ مَشْرُوعٌ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ وَالْغَصْبُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ فَلَا حَاجَةَ لِثُبُوتِهِ بِدُونِ قَبْضٍ حَقِيقَةً، وَهُوَ النَّقْلُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ الرَّهْنِ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ) أَيْ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ الرَّهْنِ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ الْمُرْتَهِنُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَلَا لُزُومَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ مَا لَمْ يُسَلِّمْ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَفِيهِ خِلَافٌ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ) فَلَوْ هَلَكَ وَقِيمَتُهُ مِثْلُ دَيْنِهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الَّذِي يَخْتَصُّ بِالْمَالِ جَائِزَةً أَيْضًا اعْتِبَارًا بِطَرَفِ الْوُجُوبِ بَلْ بِالطَّرِيقِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مَقْصُودٌ وَالْوُجُوبُ وَسِيلَةٌ لِهَذَا الْمَقْصُودِ فَلَمَّا شُرِعَتْ الْوَثِيقَةُ فِي حَقِّ الْوَسِيلَةِ فَلَأَنْ تُشْرَعَ فِي حَقِّ الْمَقْصُودِ أَوْلَى كَذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ وَالْوَثِيقَةُ مَا يُوَثَّقُ بِهِ الشَّيْءُ وَيُؤَكَّدُ بِهِ اهـ أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَزِمَ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ) قَالَ الشَّيْخُ بَاكِيرٌ قَالُوا الرُّكْنُ مُجَرَّدُ الْإِيجَابِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ فَيَتِمُّ بِالْمُتَبَرِّعِ كَالْهِبَةِ، وَأَمَّا الْقَبُولُ فَشَرْطٌ وَفِي الْمُحِيطِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رُكْنٌ، وَأَمَّا الْقَبْضُ فَشَرْطُ اللُّزُومِ اهـ قَوْلُهُ الرُّكْنُ مُجَرَّدُ الْإِيجَابِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْقَبُولِ قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ شَرْطٌ قَالَهُ مِسْكِينٌ وَقَوْلُهُ وَفِي الْمُحِيطِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رُكْنٌ قَالَ الشَّيْخُ مِسْكِينٌ وَالظَّاهِرُ مِنْ الْمُحِيطِ وَالْمُنْتَقَى أَنَّهُ رُكْنٌ حَتَّى لَا يَحْنَثَ مَنْ حَلَفَ لَا يَرْهَنُ بِدُونِ الْقَبُولِ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَلَزِمَ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ إلَخْ وَفِي نُسْخَةٍ وَلَزِمَ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ وَقَبْضِهِ، وَعَلَيْهَا فَلَا سَهْوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَعَلَيْهَا شَرْحُ الشَّيْخِ بَاكِيرٍ كَمَا شَاهَدْت ذَلِكَ فِي خَطِّهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَكِنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهِمَا) قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا سَهْوٌ مِنْ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ الْإِيجَابُ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ، وَهُوَ يَتِمُّ بِالرَّاهِنِ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ اهـ قَالَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ هُوَ عَقْدٌ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ شَطْرَيْهِ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ رُكْنٌ اهـ (قَوْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ: يَلْزَمُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ) أَيْ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ} [البقرة: ٢٨٣] إلَخْ) وَصَفَ الرَّهْنَ بِكَوْنِهَا مَقْبُوضَةً وَالنَّكِرَةُ إذَا وُصِفَتْ عَمَّتْ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ إلَّا رَجُلًا كُوفِيًّا فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ الرَّهْنِ مَشْرُوعًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى) أَيْ قَوْله تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤] وقَوْله تَعَالَى. اهـ. (قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ:؛ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ بِدَلَالَةِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ إلَّا بِمَعْنًى يَنْضَمُّ إلَيْهِ كَالْوَصِيَّةِ؛ وَلِأَنَّ الرَّاهِنَ لَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمُرْتَهِنُ لَمْ تُجْبَرْ وَرَثَتُهُ عَلَى الْقَبْضِ فَلَوْ تَعَلَّقَ الِاسْتِحْقَاقُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ لَزِمَ وَرَثَتَهُ كَالْبَيْعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا يُجْبَرُ) أَيْ الرَّاهِنُ. اهـ. (قَوْلُهُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى عَقْدِ الرَّهْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ احْتَرَزَ بِالْأَوَّلِ عَنْ الْمَشَاعِ إلَخْ) يَعْنِي فَإِنْ رَهَنَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَكِنْ هَلْ رَهْنُهَا بَاطِلٌ أَوْ فَاسِدٌ يُنْظَرُ فِي الْبَابِ الْآتِي فَإِنَّ الْكَلَامَ هُنَا مُجْمَلٌ. اهـ. وَسَيَأْتِي مُفَصَّلًا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالتَّخْلِيَةُ فِيهِ) يُرِيدُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْقَبْضِ حَتَّى تَتِمَّ بِهِ وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ بَعْدَهُ فِي الرَّهْنِ وَلَا الْبَيْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْقَبْضُ فِعْلُ الْمُتَسَلِّمِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ بَعْدَ أَنْ حَكَى اعْتِرَاضَ الشَّارِحِ قُلْت إذَا كَانَتْ التَّخْلِيَةُ تَسْلِيمًا فَمِنْ ضَرُورَتِهِ الْحُكْمُ بِالْقَبْضِ سَوَاءٌ وُجِدَ الْقَبْضُ حَقِيقَةً أَوْ لَا فَالشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ الْغَايَةَ الَّتِي يُبْنَى عَلَيْهَا الْحُكْمُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ اهـ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ: يَعْنِي أَنَّ الرَّاهِنَ إذَا خَلَّى بَيْنَ الْمُرْتَهِنِ وَالْمَرْهُونِ يُعْتَبَرُ قَابِضًا كَمَا إذَا فَعَلَ الْبَائِعُ مِثْلَ ذَلِكَ بِالْمَبِيعِ وَالْمُشْتَرِي، وَهَذَا؛ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ قَبْضٌ وَاجِبٌ بِحُكْمِ عَقْدٍ مَشْرُوعٍ فَكَانَ كَقَبْضِ الْمَبِيعِ فَثَمَّةَ يُكْتَفَى بِالتَّخْلِيَةِ فَكَذَا هُنَا. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالنَّقْلِ) وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ اهـ ع (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ) أَيْ حَيْثُ يُكْتَفَى فِيهِ بِالتَّخْلِيَةِ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>