صَارَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ دَيْنِهِ فَالْفَضْلُ أَمَانَةٌ وَبِقَدْرِ الدَّيْنِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ صَارَ مُسْتَوْفِيًا بِقَدْرِهِ وَرَجَعَ الْمُرْتَهِنُ بِالْفَضْلِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - الرَّهْنُ كُلُّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَا يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ بِهَلَاكِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ مَعْنَاهُ لَا يَصِيرُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَهُ غُنْمُهُ أَيْ لِلرَّاهِنِ الزَّوَائِدُ، وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ أَيْ لَوْ هَلَكَ كَانَ الْهَلَاكُ عَلَى الرَّاهِنِ؛ وَلِأَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ فَلَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ اعْتِبَارًا بِهَلَاكِ الصَّكِّ وَالشُّهُودِ وَبِهَلَاكِ الْوَثِيقَةِ فِي جَانِبِ الْوُجُوبِ، وَهُوَ الْحَوَالَةُ وَالْكَفَالَةُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْوَثِيقَةَ يُرَادُ بِهَا مَعْنَى الصِّيَانَةِ وَسُقُوطُ الدَّيْنِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ يُضَادُّ الصِّيَانَةَ إذَا لَحِقَ بِهِ يَصِيرُ بِعَرْضِيَّةِ الْهَلَاكِ، وَهُوَ ضِدُّ الصِّيَانَةِ فَصَارَ أَمَانَةً ضَرُورَةً أَلَا تَرَى أَنَّ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَالْقَبْضُ فِي الْكُلِّ وَاحِدٌ فَلَا يَثْبُتُ الضَّمَانُ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ وَلَنَا «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْمُرْتَهِنِ بَعْدَ مَا نَفَقَ الْفَرَسُ الرَّهْنُ عِنْدَهُ ذَهَبَ حَقُّك» وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ ذَهَابُ الْحَقِّ فِي الْحَبْسِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ حَبْسُهُ فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْبَيَانِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بُعِثَ لِبَيَانِ الْأَحْكَامِ لَا لِبَيَانِ الْحَقَائِقِ؛ وَلِأَنَّ الْحَقَّ ذُكِرَ مُعَرَّفًا بِالْإِضَافَةِ فَيَعُودُ إلَى الْمَذْكُورِ أَوَّلًا وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا عُمِّيَ الرَّهْنُ، فَهُوَ بِمَا فِيهِ» مَعْنَاهُ عَلَى مَا قَالُوا إذَا اشْتَبَهَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ بَعْدَ مَا هَلَكَ بِأَنْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا أَدْرِي كَمْ كَانَ قِيمَتُهُ فَيَكُونُ مَضْمُونًا بِمَا فِيهِ مِنْ الدَّيْنِ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عَلَى أَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي كَيْفِيَّةِ الضَّمَانِ فَمَذْهَبُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ الدَّيْنِ وَمِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ وَبِهِ أَخَذَ أَصْحَابُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ وَقَالَ الْحَسَنُ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ بَقَاءِ الرَّهْنِ إذَا اسْتَوْفَى الْمُرْتَهِنُ يَرُدُّ عَلَيْهِ الْفَضْلَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِثْلُ مَذْهَبِنَا وَعِنْدَ شُرَيْحٍ الرَّهْنُ مَضْمُونٌ بِمَا فِيهِ قَلَّتْ قِيمَتُهُ أَوْ كَثُرَتْ حَتَّى لَا يَرْجِعَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ بَعْدَ هَلَاكِهِ بِشَيْءٍ مُطْلَقًا، وَهَذَا اخْتِلَافُ السَّلَفِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ وَإِحْدَاثُ قَوْلٍ رَابِعٍ خُرُوجٌ عَنْ الْإِجْمَاعِ فَلَا يَجُوزُ؛ وَلِأَنَّ الثَّابِتَ لِلْمُرْتَهِنِ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ، وَهُوَ مِلْكُ الْيَدِ وَالْحَبْسُ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ يُنْبِئُ عَنْ الْحَبْسِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ تَثْبُتُ عَلَى وَفْقِ مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ؛ وَلِأَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ لِجَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَوْصُولًا لَهُ إلَيْهِ وَيَثْبُتُ ذَلِكَ بِمِلْكِ الْيَدِ وَالْحَبْسِ لِيَقَعَ الْأَمْنُ مِنْ الْجُحُودِ مَخَافَةَ جُحُودِ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ وَلِيَكُونَ عَاجِزًا عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ فَيَتَسَارَعُ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ لِضَجَرِهِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا الْمَعْنَى ثَبَتَ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ وَجْهٍ وَقَدْ تَقَرَّرَ بِالْهَلَاكِ فَلَوْ اسْتَوْفَى الدَّيْنَ بَعْدَهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ اسْتِيفَاءً ثَانِيًا وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ حَالَ قِيَامِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْأَوَّلِ يَنْتَقِضُ بِالرَّدِّ عَلَى الرَّاهِنِ فَلَا يَتَكَرَّرُ وَلَا يُقَالُ إنَّمَا صَارَ مُسْتَوْفِيًا بِمِلْكِ الْيَدِ لَا بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ
وَقَدْ بَقِيَ حَقُّهُ فِي مِلْكِ الرَّقَبَةِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ لِيَأْخُذَ حَقَّهُ كَامِلًا أَوْ صَارَ مُسْتَوْفِيًا بِالْمَالِيَّةِ دُونَ الْعَيْنِ فَيَكُونُ لَهُ الِاسْتِيفَاءُ ثَانِيًا لِيَأْخُذَ حَقَّهُ فِي الْعَيْنِ كَامِلًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا وَجْهَ إلَى اسْتِيفَاءِ الْبَاقِي، وَهُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ بِدُونِ مِلْكِ الْيَدِ أَوْ مِلْكُ الْعَيْنِ بِدُونِ مِلْكِ الْمَالِيَّةِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فَيَسْقُطُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا إذَا اسْتَوْفَى زُيُوفًا مَكَانَ الْجِيَادِ، فَإِنَّ حَقَّهُ فِي الْجَوْدَةِ يَبْطُلُ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ اسْتِيفَاءِ الْجَوْدَةِ وَحْدَهَا بِدُونِ الْعَيْنِ، فَإِذَا لَمْ يَمْلِكْ الْعَيْنَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ) أَيْ مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ السَّابِقِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ لَا يَغْلَقُ) مِنْ بَابِ عَلِمَ. اهـ. (قَوْلُهُ قَالَ) أَيْ الشَّافِعِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَهُوَ الْحَوَالَةُ وَالْكَفَالَةُ) إذْ بِمَوْتِ الْكَفِيلِ لَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ فَكَذَا بِهَلَاكِ الرَّهْنِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ ذَهَابُ الْحَقِّ إلَخْ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ ذَهَبَ حَقُّك مِنْ الْإِمْسَاكِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُعْلَمُ مُشَاهَدَةً وَلَا مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِرَهْنٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ حَقًّا لَهُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ ذَهَبَ حَقُّك مِنْ الدَّيْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ حَدَّثَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خُزَيْمَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ أَخْبَرَنَا مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ «أَنَّ رَجُلًا ارْتَهَنَ فَرَسًا فَمَاتَ الْفَرَسُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَهَبَ حَقُّك» فَدَلَّ هَذَا مِنْ قَوْلِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى بُطْلَانِ الدَّيْنِ بِضَيَاعِ الْمُرْتَهَنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ حَتَّى رُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَالَ الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ وَلَوْ كَانَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ كَأَنَّهُ جَعَلَ الدَّيْنَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ: فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَهَذَا قَوْلٌ لَا يُؤْخَذُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ بِالدَّيْنِ، وَهُوَ يُنَافِي مَعْنَى الْوَثِيقَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَإِحْدَاثُ قَوْلٍ رَابِعٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَمْ يُرْوَ عَنْهُ أَنَّ الرَّهْنَ فِي مِقْدَارِ الدَّيْنِ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ بَلْ هُمْ اتَّفَقُوا أَنَّهُ مَضْمُونٌ فِي مِقْدَارِ الدَّيْنِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ فَعِنْدَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هِيَ أَمَانَةٌ، وَقَوْلُ الْخَصْمِ إنَّهُ أَمَانَةٌ فِي مِقْدَارِ الدَّيْنِ خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ فَلَا يُسْمَعُ. اهـ. (قَوْلُهُ بِدُونِ مِلْكِ الْيَدِ) يَعْنِي إذَا رَدَّ الرَّهْنَ إلَى صَاحِبِهِ يَفُوتُ مِلْكُ الْيَدِ عَنْ الْمُرْتَهِنِ وَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِالِاسْتِيفَاءِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْمُرْتَهِنِ دَيْنَهُ مِنْ الرَّهْنِ بِدُونِ مِلْكِ الْيَدِ لَا يُتَصَوَّرُ؛ لِأَنَّهُ مُحَالٌ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ الِاسْتِيفَاءُ وَطُولِبَ الرَّاهِنُ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ لَا يَلْزَمُ الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَكَرَّرْ الِاسْتِيفَاءُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِذَا) أَيْ إذَا ثَبَتَ أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ يَقَعُ بِالْمَالِيَّةِ دُونَ الْعَيْنِ بَقِيَتْ الْعَيْنُ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فِي هَذَا الْكَلَامِ خَلَلٌ اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute